غازي فيصل ..محطات في حياته الفنية والثقافية
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس
- جامعة الموصل
في مدينتي الموصل ، كثير من الرموز الذين تركوا بصماتهم الواضحة في
المشهد السياسي ، والثقافي ، والاجتماعي في الموصل خلال الحقب التاريخية المختلفة
. وقد كتبتُ عن مئات من هؤلاء في كتبي التي أصدرتها عن (شخصيات الموصل ورموزها
الكبار ) ، ومنها كتابي ( شخصيات موصلية ) وكتابي ( أعلام من الموصل ) .كما كتبت
عن الكثير من الرموز في مواقعي ، وصفحاتي ومدونتي الالكترونية ، وفي الصحف
والمجلات وفي كتابي الاخير ( الموصل
:معالم وتاريخ ورموز ) .
ويقينا ان الموصل تزخر بالرموز الذين ينبغي علينا ان نذكرهم وُنذكر
بهم الاجيال خاصة ، وانهم كانوا علامات
مضيئة على صعيد العمل الثقافي، والفني ، والمسرحي ، والاذاعي ، والتلفزيوني .
واليوم يسعدني أن أكتب عن أخي وصديقي الكبير المبدع الاستاذ غازي فيصل ، أمد الله
بعمره ، ومتعه بالعافية .
وأنا وغيري من المؤرخين والصحفيين والفنانين ، نعرف قدره ، وما قدمه
لهذه المدينة العزيزة ، ولهذه المحافظة الكبيرة من خدمات إن كان على صعيد التصوير، أو الاخراج التلفزيوني ، أو تأسيس فضائية (الموصلية ) ، أو الكتابة ، واصدار
جريدة ( الموصلية ) ، أو على الصعيد الاجتماعي والسياسي .
والاستاذ غازي فيصل محمد يحيى الطائي ، وهذا هو اسمه الكامل موصلي من محلة حضيرة
السادة ، وهو من مواليد 1953 وهي من
المحلات العريقة في الموصل لها تاريخ ، وتاريخ ثر يعرفه الموصليون .
دخل مدرسة الرشيد الابتدائية ، وبعدها مدرسة المناهل المختلطة والمدرسة
العدنانية الابتدائية ، ثم متوسطة الحدباء للبنين ، ومتوسطة الكفاح والاعدادية
الشرقية ، واعدادية المستقبل وبعدها سافر الى بغداد والتحق بأكاديمية الفنون
الجميلة وتخرج فيها سنة 1976 .كما دخل دورة مساعدي الاخراج ، ولمدة ستة أشهر وداوم
في المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون في الصالحية ببغداد . وفي سنة 1978 عاد الى
الموصل ليداوم في تلفزيون الموصل .
حياته وسيرته يمكن ان نقسمها الى محطات عديدة ؛ فلقد انتهت المحطة
الاولى من حياته بنقله من بغداد الى الموصل ، والتحاقه بمديرية تلفزيون الموصل الذي كان في اولى
خطواته ، بعدما بدأ البث الحي يوم 26 شباط 1968 ، لذلك كان الاستاذ غازي فيصل
واحدا من أبرز من أرسى أسس نشاطاته واعماله .
كان من ابرز ملامح المحطة الاولى في حياة الاستاذ غازي فيصل ، انه عندما كان
في الاعدادية ، دخل انتخابات
الطلبة سنة 1970 ، وقد فاز برئاسة اتحاد الطلبة فوزا ساحقا ، لكنه تعرض الى الاعتقال واودع دائرة الامن العامة في الموصل ، وتعرض
لكثير من العنت ولم يسمح له بممارسة دوره رئيسا لاتحاد الطلبة ، وتلك واحدة من
المفارقات التي لايزال يذكرها بشيء من
الالم لكن هذا الالم ممزوج بالفخر خاصة وان الطلبة أعطوه أصواتهم بنسبة كبيرة .
ومن المفارقات الاخرى
التي يرويها لكاتب هذه السطور ، انه عندما
كان في اعدادية المستقبل للبنين في الموصل كانت الاعدادية تمتلك فرقة موسيقية
كبيرة ومتكاملة ، وكان هو أحد مؤسسي ، واعضاء هذه الفرقة التي كانت جامعة الموصل آنذاك
تستعيرها في المناسبات ، وتتألف تلك الفرقة منه (ايقاع ) ومن نايل الوكيل ( كمان )
، ومن رائد الدبوني (كمان ) ، ومن ليون يوسف (كمان ) ، ومن قيس الوكيل (اكورديون )
.
كما كان في إعدادية
المستقبل ايضا كادر مسرحي متميز قدم اعمالا مسرحية باللغة الانكليزية ، وقد تألق
من اعضاء فرقة اعدادية المستقبل المسرحية قيس الحافظ ، وعادل سعيد وقد قدمت الفرقة
، وكان غازي فيصل، أحد اعضائها مسرحية ( تاجر
البندقية ) لشكسبير .
من المعالم الرئيسة التي ميزت حياته في تلفزيون الموصل ، أنه عمل
مصورا ، ومخرجا لكثير من الاعمال , ويروي
لكاتب هذه السطور جانبا مما قدمه ومن
ذلك انه كان مصورا لمسلسل (النعمان الاخير
) ، ووقف الكثير من الممثلين أمامه ، وهو يصورهم منهم الممثل العربي المرحوم أُسامة المشيني ، والممثل
العربي رشوان توفيق ، والممثلين الاخرين ومنهم محمد
حسن الجندي، وبدري حسون فريد ، وكاميران
رؤوف، وجعفر السعدي . وقد أخرجه الاستاذ موفق الصلاح .
ومن الاعمال المسرحية التي أخرجها لفرقة مسرح الرواد ، وعرضت في 15
اذار سنة 1985 ، على خشبة قاعة
الربيع مسرحية ( حرامي الصندوق ) تأليف
نجم الخياط ، بطولة عصام عبد الرحمن –
فرقد ملكو- راكان العلاف- نجم الخياط .
كما أخرج مسرحية (شليلة وضايع راسها ) تأليف الاستاذ عبد الجبار جميل
، وعرضت على خشبة قاعة الربيع سنة 1987، ومثل فيها
محمد نوري طبو وداؤد سليمان ونجم الدين عبد الله وحسن فاشل وسوسن سيف الله
وسندس سيف الله ومحمد حسن عباس وعبد الرزاق ابراهيم ومحمد اسماعيل .
وأخرج ايضا مسرحية (صاحب المقام والصالح العام ) لغوغول ، وعرضت في
12 تشرين الثاني سنة 1997 على خشبة قاعة الربيع ، ومثل فيها عدد من الممثلين
والممثلات منهم علي احسان الجراح وعصام عبد الرحمن ورغدة ونعمت المهاجر ومحمد
المهدي ومحمد الزهيري وصلاح الريكاني وقد انتجت بدعم من لجنة المسرح العراقي في
وزارة الثقافة والاعلام ببغداد .
وقد صور تلفزيونيا في مطلع
الثمانينات من القرن الماضي ، الكثير من المسلسلات التلفزيونية بعدئذ في ( المجمع الاذاعي والتلفزيوني ) في الموصل منها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل
(حرب البسوس ) ومسلسل ( جحا ) ومسلسل ( عيونها والنجوم ) .
كما أخرج ايضا مسرحية كوميديه شعبية من تأليف المرحوم الاستاذ عبدالجبار جميل ، ومن تمثيل نجم عبدالله
سليم ، ومحمد اسماعيل وسوسن سيف الله ونذير العزاوي ورعد القزم ، وصمم الديكور
المرحوم ستار الشيخ والانارة والمؤثرات بشارعبد الغني .
ولا زلتُ أذكر وأنا أتابع أعماله ، أنه أخرج عملا تلفزيونيا بعنوان (ليلة الخميس )
، وكان من بططولة الفنانين شفاء العمري ونجم عبد الله سليم واحمد كركجة والفنانة
سمر وكان العمل بجزئين .
ومن البرامج
التلفزيونية الكثيرة والمنوعة التي اخرجها وتفوق فيها ، برنامج ( نسمات من بلادي ) ، والذي استمر يعرض
سبع سنوات وكان الى جانبه الاستاذ خليل ابراهيم ، وقد اتفقا على ان الحلقة التي يصورها خليل
ابراهيم ، يقوم الاستاذ غازي فيصل بإخراجها ، وهكذا كان التعاون بين هذين المبدعين
.
كان الاستاذ غازي فيصل ايضا من اعضاء فرقة الرواد التي تأسست سنة 1969 في
الموصل برئاسة الاستاذ عبد الجبار احمد ، وكان معه الاساتذة حكمت الكلو وعصام عبد
الرحمن وعبد الوهاب ارملة ونور الدين حسين وفرقد ملكو ومحمد نوري طبو وطارق فاضل ،
وعلي احسان الجراح ومحمد البان وخليل
ابراهيم ومروان ياسين وسعد الله صبري وصباح ابراهيم وموفق الطائي وخليل ابراهيم ، وكان لهذه الفرقة
انجازاتها المسرحية الرائدة .ومن اعمالها التي اخرجها غازي فيصل مسلسل (الشموع ) من
ثمانية حلقات بالاسود والابيض سنة 1979 وتمثيلية (الحاجز ) 1991.
كما اخرج الاستاذ غازي فيصل لفرقة نقابة الفنانين
في الموصل والتي تأسست سنة 1974 مسرحية (
حنش حبيبي ) من تأليف فلاح عبد اللطيف .
لازلت
اذكر وعندما كنت رئيسا لجمعية المؤرخين والاثاريين – فرع نينوى ، انني عملت مع
الاستاذ غازي فيصل في ( اللجنة الاستشارية للثقافة والفنون) بمحافظة نينوى ، وكان الاستاذ غازي فيصل نقيبا
للفنانين . ويتحدث الاستاذ غازي فيصل عن فترة وجوده نقيبا للفنانين في الموصل
فيقول :" أما فيما يخص العمل النقابي ، فقد عملت نقيبا للفنانين في الموصل الحبيبة
بعد فوزي على موفق الجبوري (رحمه الله) وقد كان هو النقيب وقتها وبقيت في نقابة
الفنانين ثلاثة دورات انتخابية يعني تسع سنوات افوز بها على مرشحي الحزب الحاكم
انذاك مع انني لم اكن معهم في الحزب و آخرهم المرحوم الاستاذ معد الجبوري مدير المجمع الاذاعي والتلفزيوني في
نينوى وشاعر أم الربيعين الكبير رحمة الله عليه " .
ويضيف : " انه خلال وجوده نقيبا للفنانين تسع سنوات : ذهبت
الى مهرجان بابل تسع مرات كل سنة اذهب بثلاث منشئات كوادر من الموصل ومعي كوادر فرقة قره قوش للفنون وكوادر فرقة تلعفر للفنون وكوادر فرقة نقابة الفنانين
للفنون وكوادر فرقة سنجار للفنون وكوادر الفرقة
الكردية للفنون اضافة الى فرقة موسيقية جبارة ومخيفة في نفس الوقت الا وهي فرقة
النشاط المدرسي في اوج عظمتها وتألقها غضافة الى مجموعة من المطربين من الموصل منهم فخري فاضل -عامر يونس -محمد زكي -عبدالله
الاسمر – ومطربين تركمان ومطربين اكراد ومطربين مسيحيين" .
يجد صديقي واخي الاستاذ غازي
فيصل ، مثلما أجد أنا ايضا أن الانسان
المبدع ، يبدأ عمله الفعلي ونشاطه الثقافي والفني والفكري بعد إحالته على
التقاعد من العمل الوظيفي الحكومي ، فيقول أنه
أحال نفسه على التقاعد سنة 1992 ، وكان " يوما رائعا أحسست أنني اخذت حريتي
بالكامل دون زيادة او نقصان وقد فتحت انا
وزميلي حازم گلاوي ( شركة نجوم نينوى) وبدأنا بتسجيل اغانٍ وطنية ، وعاطفية و تسجيل حفلات
اعراس وغيرها ، واستمرينا في العمل التجاري ذلك العمل الذي لايمكن مقارنته بالعمل الحكومي
الوظيفي " .
وكانت قمة نجاحات أخي الاستاذ غازي فيصل تأسيسه وادارته لقناة ( الموصلية )
الفضائية بعد 2003 ، والسعي بإتجاه
تطويرها وجعلها قناة الموصليين الاولى ، وصوتهم المسموع ، وبالرغم من بعض المشاكل
والتداخلات ، إلا أنه نجح خلال معارك تحرير الموصل أن يجعلها قناة الموصليين
الاولى بلا منازع .
وبين سنتي 2007 و2013 أصدر في الموصل جريدة اسبوعية من ( 12) صفحة بأسم ( الموصلية ) وهي من اوائل الصحف التي
كانت تصدر في الموصل بالحجم المعروف (البطال ) في حين ان معظم صحف الموصل كانت
تصدر بحجم ( التابلويد ) وقد توقفت الجريدة بسبب قطع الاعلانات الحكومية عنها .
كتب الاستاذ موفق الطائي وهو من عمل
مع الاستاذ غازي فيصل يقول في رسالة ارسلها لي بناء على طلبي مانصه عن الاستاذ
غازي فيصل وبعنوان :" الفنان غازي فيصل في سطور" يقول :استطاع
الفنان غازي فيصل ، تأكيد دوره الإبداعي عبر مسارات متنوعة احتضنها المسرح
والتلفزيون ..في المسرح كان مخرجا وممثلا ،حيث نجد انجازه الفني يوشر الى إخراج
العديد من الأعمال المسرحية وللفرق الفنية في الموصل وقُدمت في متنصف سبعينيات
القرن المنصرم نذكر منها كمخرج : مسرحية (حرامي الصندوق) تأليف نجم خياط و مسرحية
(حنش حبيبي )تأليف فلاح عبد اللطيف و مســرحيـة(صـاحب المقــام والصـالح العــام)
تأليف: غوغول . و مســــرحيـــــــة(شليله وضايـــــــع رأســها) تأليف: عبد
الجبار جميل. وفي مجال التمثيل جسد شخصيات
متنوعة ،حيث امتلك حضورا مميزا فوق خشبة المسرح / ونذكر من الشخصيات التي جسدها :
شخصية (ظافر) في مسرحية (حصار الموصل) تأليف الشاعر الدكتور حيدر محمود عبد
الرزاق وإخراج الاخ الاستاذ راكان العلاف،و مســــــــرحيــــــة
( مـدحــــــــت المزيقجــي) اعداد طارق فاضل وإخراج جلال جميل وشخصية (مراد) في مسرحية
(حـــرامي الحـــــب ) إعداد فريد عبد اللطيف واخراج:عصام عبد الرحمن و مســــرحية
( حكايـة انسان مع والي السلطان) تأليف واخراج: خليل ابراهيم..وللفنان غازي فيصل
دور بارز في مجال التلفزيون ،حيث جمع بين
التصوير والإخراج التلفزيوني ، فعلى سبيل المثال
اخرج اول مسلسل تلفزيوني موصلي
وبإمكانات تلفزيون الموصل (الأسود والأبيض) مسلسل (الشموع ) غازي فيصل 1979,وسهرة درامية
تمثيلية (الحاجز ) .
وفي مجال التصوير التلفزيوني تمكن غازي فيصل
ومن خلال عمله في تلفزيون الموصل من اشتراكه في تصوير العشرات من الأعمال التلفزيونية
المنوعة بين الدراما والسهرات تلفزيونية ..حيث شارك الى جانب زملائه نورالدين حسين
والمرحوم خليل ابراهيم من تأكيد حضورهم المميز في تصوير العديد من المسلسلات
التلفزيونية (العراقية والعربية) والتي انتجت في المجمع التلفزيوني في الموصل
ويحضرنا دوره المبدع في تصوير واخراج البرنامج الأسبوعي المميز (جريدة ام
الربيعين)..هذه الجهود الفنية والخبرة المتراكمة والممتدة عبر اربعة عقود من الزمن
سخرها اخيرا في فضائيته (الموصلية)..."
اتمنى لاخي الاستاذ غازي فيصل التألق الدائم ، ولولديه الصديقين الاستاذ عمر ،
والاستاذ مراد وهما من يعاونان والدهما في إدارة القناة كل تقدم ونجاح ، ويسعدني أنني
أعد نفسي واحدا من أُسرة ( الموصلية )؛ فمنذ سنوات ، وانا اواظب على الظهور فيها وتقديم
برنامجي التلفزيوني اليومي ( موصليات ) . والله الموفق للجميع لجميع من يعمل في
هذه القناة .
...