الأربعاء، 19 يونيو 2013

ذكريات الاستاذ سامي مهدي ( الحلقة الاولى والحلقة الثانية )

ذكريات
بقلم :الاستاذ سامي مهدي

1. عالم الكلمات

عالم الكلمات عالم مدهش عجيب ، وأبي هو الذي قادني إلى أبوابه . كان شبه أمي ، معرفته بالقراءة والكتابة جد ضئيلة ، ولكنه علمني أن أكتب اسمي واسمه ، وكلمات أخرى قليلة ، وأنا بعد في أواخر العام الرابع من عمري . يومها حسبت الكتابة لعبة من اللعب فأحببتها واستمرأتها . جعلتني أحس إحساساً غامضاً بأن وراء كل كلمة سراً من الأسرار ، وباباً يختفي وراءه عالم سحري غريب ، فصرت ألح على أبي ، المرة بعد المرة ، بأن يشتري لي قلماً ودفتراً لأخط على الورق ما يحلو لي خطه . وأظن أن هذا لم يكن يضايقه ، بل يسعده ، فكان يستجيب لطلباتي وعلامات الرضا بادية على وجهه .
في العام الخامس من عمري قرر أبي أن يلحقني بكتّاب من كتاتيب ذلك الزمان . كانت الكتاتيب يومئذ تقوم بالمهام التي تقوم بها اليوم رياض الأطفال وأكثر . فتعلمت في ( كتاب الملا قاسم في باب السيف ) القراءة والكتابة ، و العمليات الحسابية الأربع بأشكالها الأولية البسيطة ، وحفظت أجزاء كثيرة من القرآن ، وصرت أردد آيات من سورة الكهف ، وآيات سورة النجم كلها ، بطرب واستمتاع يبلغ حد النشوة . ورحت أقرأ بلا صعوبة كل ما يقع في يدي من الصحف والمجلات التي كان خالي يحملها معه إلى بيتنا في زياراته الأسبوعية ، ومنها مجلة المختار الأمريكية ( النسخة العربية من مجلة : ريدر دايجست ) ومجلة الهلال المصرية ومجلات خفيفة أخرى . وهكذا تعلقت بعالم الكلمات حتى صرت من أهله .
ما كان أجملها من أيام !

2. مجلة الآداب


صلتي بعالم الثقافة والأدب انعقدت ، وأنا في عامي الثالث عشر ، وارتبطت بمجلة الآداب اللبنانية دون غيرها . اكتشفت هذه المجلة حين جاء بأحد أعدادها إلى صفنا مدرس اللغة العربية القدير الأستاذ عباس علي القرغولي . كان الدرس درس مطالعة ، فوضع المجلة أمامي وطلب مني أن أقرأ على زملائي قصيدة عن فلسطين كانت منشورة فيها ، أظنها كانت للشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد ، فقرأتها ، وبعد أن قام هو بشرح القصيدة والتعليق عليها ، طلب منا الانصراف إلى كتابنا الغني الجميل المقرر أيامئذ لدرس المطالعة . ولكنني رجوته أن يسمح لي بالقراءة في المجلة حتى نهاية الدرس ، فوافق وهو يبتسم ابتسامة عريضة وتنفرج نواجذه عن سنه الذهبية . وعندها رحت أقرأ في المجلة سطوراً من هنا وأخرى من هناك ، فوجدتني أشبه بمن يدخل غابة مجهولة غامضة ، ولكنها مغرية بما تنطوي عليه من سحر الغموض ، ومن يومها ، من يومها تماماً ، صرت أجمع الفلس إلى الفلس حتى أقتني أعدادها بلهفة وانتظام .
كان ذلك في أواخر عام 1953 ، وكنت في الصف الأول المتوسط ، وكانت المجلة ما تزال في سنتها الأولى ، فصرت أترقب صدور كل عدد من أعدادها بلهفة ، وأقرأه من الغلاف إلى الغلاف بلا ملل ، بما في ذلك ما نشر فيه من إعلانات عن الكتب الجديدة ، وكثيراً ما كنت أعيد قراءة بعض موضوعاته وقصصه وقصائده مرة واثنتين . فأنا لم أكن أفهم الكثير مما يرد فيها ، ولكن كان حسبي ما كنت أفهمه منها . وكان هذا الذي أفهمه ينمو ويتسع عدداً بعد عدد وقراءة بعد أخرى .
في وسعي الآن أن أقول : إن هذه المجلة هي التي فتحت لي باب الأدب وأغرتني بدخوله ، وهي التي دربتني على الصبر والتساؤل والتفهم في أثناء القراءة ، وأدخلتني عالم الأدب الحديث دون مقدمات ، وأثرت في ذوقي وفي تكويني الثقافي . فقد صرت أقتني ما يلفت نظري من كتب تعلن عن صدورها أو تنشر عروضاً لها أو نقوداً عنها . وهي لم تهدني إلى كتب بعينها فقط ، بل قادتني إلى مجلات أخرى بما أثارت في من فضول ومن رغبة في المعرفة ، فرحت أقتني ، إلى جانبها ، شتى المجلات الأدبية : عراقية ولبنانية ومصرية وسورية . وهكذا اتسعت دائرة اهتماماتي وتنوعت ، ولكن الآداب بقيت مجلتي الأولى ، وبقيت هي الأساس والمحور ، مثلما كانت هي نقطة الانطلاق .
آه كم أحسست بالألم يوم أعلن الدكتور سماح إدريس بعد عقود اضطراره إلى إيقاف المجلة التي أسسها أبوه عن الصدور !
Top of Form

Bottom of Form


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صورة فوتوغرافية رائعة للفنان الفوتوغرافي الاخ والصديق الفنان الاستاذ هيثم فتح الله عزيزة 2013

                                         صورة فوتوغرافية رائعة للفنان الفوتوغرافي الاخ والصديق الفنان الاستاذ هيثم فتح الله عزيزة 2013 وتصبح...