الأحد، 4 مارس 2012

" ماانجزه العرب في ميدان الدراسات التاريخية المعاصرة: الدوري والعلي وفوزي أنموذجا".


" ماأنجزه العرب في ميدان الدراسات التاريخية المعاصرة: الدوري والعلي وفوزي انموذجا
                                         الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث و مدير مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل
مقدمة :

     أجاب المؤرخ والناقد الكبير الأستاذ الدكتور هشام جعيط ( 1935-1962) على سؤال يتعلق بما أنجزه العرب في القرن العشرين فقال): ( أن الانجاز الوحيد هو في ميدان الدراسات والبحوث التاريخية العربية، وفي هذا المجال لا نجد إلا عددا قليلا من المؤرخين الجيدين، منهم عبد العزيز الدوري وصالح احمد العلي، وتلاهما فاروق عمر فوزي وكتابات هؤلاء المؤرخين ، وكلهم عراقيون ، هي تقريبا الوحيدة في كل الإنتاج العربي في ميدان العلوم الإنسانية المعترف بها عالميا كبحوث جدية مسيطرة على مادتها...))
     واستنادا الى هذا التقييم أو التقويم المنصف والجريء، نقدم بحثنا هذا الذي نكرسه لعرض وتأصيل أعمال المؤرخين العراقيين الثلاثة البارزين وأولهم :
  المؤرخ الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري :
    فالأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري، والذي لازال يواصل عطاءه، ليس مؤرخا وحسب، بل ومفكرٍاً وأنسانا، له انجازات أكاديمية غزيرة على صعيد التاريخ العربي والإسلامي، والتكوين التاريخي للأمة العربية، والتاريخ الاقتصادي العربي.   
     والدكتور الدوري مؤرخ متميز ،ومرب فاضل، وإداري، وقيادي جامعي من الطراز الأول . رأس جامعة بغداد ردحا من الزمن ، فكان له دور فاعل في تطويرها ووضعها في مكان لائق بين جامعات العالم .
     والأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري ،بحق ، علم من أعلام التاريخ الإسلامي ، وصاحب مدرسة تتميز بالدقة والعمق وسعة الموضوع والاهم من ذلك هو تركيزه في دراساته على (العوامل الاقتصادية) في فهم حركة التاريخ والمجتمع .
      ولد في بغداد سنة 1908، وبعد أن أكمل دراسته الثانوية ، حصل على بعثة علمية في المملكة المتحدة ، فسافر إلى لندن ونال شهادة البكالوريوس من جامعتها سنة 1940 . واستمر في دراسته وحصل على شهادة الدكتوراه سنة 1942 ولما عاد إلى بغداد عين مدرسا للتاريخ الإسلامي في دار المعلمين العالية ( كلية التربية حاليا) في بغداد . وقد بقى فيها حتى رقي إلى مرتبة أستاذ .
      أصبح رئيسا لدائرة التاريخ في جامعة بغداد ، فعميدا لكلية الآداب والعلوم من 1949 ـ 1958 ورئيسا لجامعة بغداد 1962 ـ 1966 .
     ولم تقتصر جهود الأستاذ الدكتور الدوري العلمية على بلاده ، العراق ، إنما عمل أستاذا زائرا في جامعة لندن بين سنتي 1955 ـ 1956 وأستاذا زائرا في الجامعة الأمريكية في بيروت 1959 ـ 1960 واستقر أخيرا أستاذا للتاريخ في الجامعة الأردنية بعمان .
       للدكتور الدوري مؤلفات عديدة طبع الكثير منها طبعات كثيرة منها :
      1 . العصر العباسي الأول ( بغداد 1943)
      2 . دراسات في العصور العباسية المتأخرة ( بغداد ، 1945)
      3 . مقدمة في تاريخ صدر الإسلام (بغداد ، 1950)
      4 . تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري (بغداد ، 1948)
      5 . النظم الإسلامية (بغداد ، 1950)
      6 . دراسات في علم التاريخ عند العرب ، (بيروت ، 1960)
      7 . الجذور التاريخية للقومية العربية ، (بيروت ، 1960)
      8 . تفسير التاريخ مع آخرين ، (بغداد ، لا .ت )
      9 . التكوين التاريخي للأمة العربية : دراسة في الهوية والوعي (بيروت ، 1984)
     10 . الجذور التاريخية للشعوبية ، ط1 ، ( بيروت ، 1962) وط2 (بيروت ، 1980)
     11 . ناصر الدين الأسد بين التراث والمعاصرة ، ( بيروت ، 2002) 
     12 . نشأة علم التاريخ عند العرب ( طبعة جديدة ، 2005)
            كما أن له إسهامات فاعلة في كتابة التاريخ الموسوعي العالمي .. ومن ذلك انه كتب موادا عديدة في موسوعات عالمية منها مثلا ( دائرة المعارف الإسلامية ) منها مواد (بغداد) ، (الانبار) ، ( أمير) ، (ديوان) ، (عامل ) ، وغيرها . كما كلف من قبل منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ، لتحرير مشروع كتاب عام يتناول (تاريخ الأمة العربية) والمشروع لم يستكمل بعد .
     يعتمد منهج الدوري في تدوين التاريخ على الرجوع إلى المصادر الأصلية ومحاكمتها محاكمة منطقية ، واستخلاص الحقائق التاريخية منها . لذلك اتسمت كتاباته بالدقة والعمق . وقد اهتم بالتاريخ الاقتصادي منذ بواكير حياته العملية وهو يرى بان موضوع التاريخ ، موضوع حي ، ولذلك ينتظر أن تختلف الآراء حول مفهومه ، وأسلوب كتابته وتفسيره ، هذا فضلا عن انه موضوع يتصل بصورة وثيقة بالاتجاهات الفكرية والتطورات العامة ، فيتأثر بها وقد يكون له أثره في بعضها . ويؤكد بان ثمة صلة بين المؤرخ وحقائق التاريخ ، فالمؤرخ دون حقائق لا جذور له والحقائق دون مؤرخ مجردة من الحياة والمعنى .
     ويقول الدكتور الدوري إن المؤرخين العرب القدامى قدموا تفاسير عديدة للتاريخ العربي، وللتاريخ البشري كله ، فهناك من رأى بان التاريخ تعبير عن (المشيئة الإلهية) المتمثلة بتوالي الرسالات . وهناك من قال أن التاريخ تعبير عن دور ( النخبة) . وفسر آخرون التاريخ تفسيرا أخلاقيا , وأخيرا جاء عبد الرحمن بن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي ليفسر التاريخ تفسيرا حضاريا اجتماعيا . ويضيف الدوري إلى ذك قوله إن ( التفسير الاقتصادي ) لايعني بالضرورة (التفسير المادي) . ومع انه كان يدرك بان البعض من المؤرخين ذهبوا في كتاباتهم إلى التركيز على ( الوعي القومي) و(النزعة القومية) وحتى هو نفسه اتهم بذلك إلا انه في نهاية الأمر لايحبذ الالتزام بـ
 ( فلسفة تاريخية معينة وتطبيقها على التاريخ ) . فالفلسفات التاريخية ، برأيه ، رهينة بظروف نشأتها وقد يؤدي تطبيقها إلى قسر التاريخ ليماشيها والى إخراجه عن نطاقه ، فنحن ، يقول الدوري ، ((حين ندرس تاريخنا نريد فهمه، وبالتالي تكوين فكرة واضحة عن جذور حاضرنا ، وفهم إمكانياتنا وتقدير دورنا في سير البشرية)) .
    إن مثل تلك الدراسة تتطلب ، لتكون جدية ، توفر عناصر عديدة ، منها أن لا تكون دراسة خارجية أي من قبل أناس من خارج المجتمع العربي ، وان ندرس تاريخنا بروح النقد والتفهم في أن واحد ، ومعنى هذا انه لا يريد إضفاء القدسية على هذا التاريخ فهو تاريخ بشر . وأخيرا يؤكد الأستاذ الدوري ، على أن التاريخ العربي عج بالتيارات والاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والنفسية وقد مر بفترات توثب وفترات ركود .
      لقد تمتع الأستاذ الدوري بمكانة متميزة ، حتى انه لقب بـ ( شيخ المؤرخين العرب) . كما نال الكثير من التكريم وقد قال عنه المؤرخ البريطاني والمتخصص بتاريخ الشرق الأوسط ، برنارد لويس ((انه أي الدوري أصبح حجة في موضوعه .. بل هو نفسه قد غدا وثيقة تاريخية )) .
     لم يكن الدكتور الدوري ، وما يزال ، بعيدا عن النشاطات الثقافية والسياسية والفكرية العربية ، بل كان يشارك فيها، باحثا ،ومناقشا ومحاورا وقد عرف عنه انه لايتعصب لرأي حتى انه وعد في السنوات الأخيرة ومن خلال مؤتمر عالمي حضره ، انه سيعيد النظر في موقفه من الحركة الشعوبية .. وحتى دراساته ذات الطابع القومي فإنها اتسمت بالبعد الإنساني فكان يركز على المنجزات العلمية للعرب على المستوى الإنساني .
    لقد كان الدوري في كل كتاباته، يؤكد بان تاريخ الأمة العربية كل، متصل ،مترابط ، يكون سلسلة حلقات يؤدي بعضها إلى بعض .. أما حاضر الأمة فهو نتاج سيرها التاريخي وبداية طريقها إلى المستقبل ، ولذا فلا انقطاع في التاريخ ولا ظاهرة تبدو فيه دون جذور وتمهيد . كما أن الاتصال في تاريخ الأمة لايعني ان التاريخ حركة رتيبة ، أو أن الأمة سارت بالخطوات نفسها خلال تاريخها ، بل أن فيها فترات تزخر بالحيوية والتوثب وأخرى تتصف بالحركة التدريجية والتطور الهادئ .  ولكل امة فتراتها الثورية ، هي في الواقع انطلاق صاخب لقوى تجمعت خلال فترات من الكبت أو من التطور السريع الواسع أو هي تعبير عن غليان داخلي انفجر في ثورة صاخبة ، وقد تكون لهذه الفترات آثارها البعيدة في الفترات التي تعقبها أو في فترات تالية . ومن هنا تتباين فترات تاريخ الأمة في مسيرتها عبر العصور ، فقد يكون اثر فترة بعيدة أقوى في حاضر الأمة من فترة قريبة من هذا الحاضر .
    وحول التطور التاريخي للأمة العربية ، يرى الدكتور الدوري أن ثمة عناصر أو عوامل أسهمت في هذا التطور منها :
     1 . الحركة الإسلامية
     2 . خروج العرب بالفتوح وانتشارهم
     3 . تكوين الثقافة العربية
     4 . التحولات الاجتماعية والاقتصادية وأثرها في التكوين
     5 . مشكلة السلطة والصراع السياسي والفكري
     6 . ظهور مفهوم الأمة العربية في الإطار الثقافي كنتيجة لتشابك العناصر المذكورة
            ويؤكد الدكتور الدوري بان ((العروبة والإسلام كانا مصدر الحركة والحيوية في تاريخ المجتمعات العربية الإسلامية )) .
      يظل الأستاذ الدكتور الدوري ، بحق ، رائدا من رواد التحليل التاريخي ـ الاجتماعي، كما يقول الدكتور غانم الرميحي . وحسنا فعل مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عندما أقدم على إصدار الأعمال الكاملة للدكتور الدوري، ففي ذلك فائدة كبيرة لحركة التاريخ والمؤرخين . كما أن من المناسب الإشارة إلى أن منتدى عبد الحميد شومان في عمان بالأردن قد أقام ندوة موسعة تكريما للأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري سنة 1999 باعتباره ((يعد بحق من ابرز الذين وضعوا الأسس الحديثة لإعادة قراءة التاريخ العربي بمنظور جديد)) . وقد قام الدكتور إحسان عباس بجمع وتحرير البحوث التي ألقيت في تلك الندوة ثم أقدمت المؤسسة العربية للدراسات والنشر (2000) ببيروت على نشرها بعنوان : ((عبد العزيز الدوري : إنسانا ومؤرخا ومفكرا )) .
      ومن البحوث التي ضمها الكتاب ، بحث المرحوم الأستاذ الدكتور صالح احمد العلي الموسوم : ((الدكتور عبد العزيز الدوري : سجاياه الأصلية وعمله )) وبحث الأستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي الموسوم : (( محاورة منهجية حول مساهمة الدوري في تفسير التاريخ العربي الإسلامي في ضوء التفاسير التاريخية ،  وبحث الدكتور مسعود ضاهر الموسوم : (( مساهمة الدوري في تطوير الفكرة العربية )) .
     وقد اختتم الدكتور الدوري الاحتفالية التكريمية له بكلمة مهمة وقيمة تعكس رؤاه التاريخية أكد فيها ((أن كتابة التاريخ لا يمكن أن تكون خارج سياق تيارات الحاضر وهمومه ، وهذا يصدق على التاريخ الإسلامي وكتابة التاريخ الحديث ، فتلميذ التاريخ ابن بيئته في الأساس ينطلق من الماضي إلى الحاضر وبالعكس ، ويختار موضوعاته ويفسر مشاكله بمفاهيم عصره )) .
     وفي يوم الجمعة 15 كانون الأول 2000 منحت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم جائزتها التقديرية للثقافة العربية للدورة 2000 للمؤرخ الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري نظرا ((لجهوده في دراسة الفكر القومي وجذوره التاريخية ولتأكيده على إبراز علاقات الشعوب العربية بالأمم والشعوب والثقافات الإسلامية ، ولاهتمامه بدراسة النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الحضارة العربية والإسلامية )) . وقد ألقيت في احتفال التكريم الذي تم في بيروت كلمات منها كلمة الدكتور خير الدين حسيب مدير عام مركز دراسات الوحدة العربية قال فيها : (( أن الدوري ... هو نموذج رائع للعلم الملتزم الذي يخدم المبدأ ولا يستخدمه .. العلم الذي ينفع الناس فيمكث في الأرض لا العلم الذي يفيد صاحبه فيمكن أن يذهب جفاء ، كان الدوري نموذجا للعلم الذي يهب نفسه لخدمة قيم إنسانية ومثل عليا ، فضلا عن أن يجعل العلم باستمرار في خدمة المجتمع )) .
  
المؤرخ الأستاذ  الدكتور صالح احمد العلي :     

     أما الأستاذ الدكتور صالح احمد العلي،  فله  دراسات قيمة وممتازة على صعيد التنظيمات الاقتصادية والاجتماعية العربية، وطبيعة التحديات التي واجهت العرب عبر تاريخهم الطويل .

وهو ، رحمه الله ، مؤرخ ، ومرب ، وباحث من الطراز الأول ، كان آخر ما تولاه من مناصب قبل وفاته ، رئاسته للمجمع العلمي العراقي أعلى هيئة أكاديمية علمية عراقية . 
      في سنة 1989 فاز الدكتور العلي بجائزة الملك فيصل العالمية ، وجاء في حيثيات منحه الجائزة )): أن الدكتور العلي يستحق الجائزة لتفوقه الرائع على جميع المؤرخين العرب والمسلمين في غزارة ، وجودة ما أنتج من دراسات رائدة ومعتمدة)) . عرفته منذ أن كنت طالباً في كلية التربية أبان الستينات من القرن الماضي،وأقتربتُ منه في دراستي العليا،حيث كان يرأس قسم التاريخ بكلية الآداب ، جامعة بغداد ، في أواسط السبعينات من القرن الماضي ، وقد أُعجبت به ، وبفكره الوقاد ، وبحرصه ، وجديته ، ونظرته الثاقبة لأحداث التاريخ ، وفوق هذا وذاك صدقه ، وتواضعه ، وحبه لطلبته وزملائه ، وثقافته الموسوعية التي أفدنا منها كثيراً .
      ولد في مدينة الموصل سنة 1918 ، وأكمل فيها دراسته الابتدائية والمتوسطة ، ثم تابع دراسته في بغداد حيث التحق بدار المعلمين الابتدائية وبعدها في دار المعلمين العالية ، وقد حصل على شهادة الليسانس منها سنة 1941 .
      اشتغل بعد تخرجه مدرساً في متوسطة البصرة ، وفي المتوسطة الغربية ببغداد . وقد اختارته وزارة المعـارف ( التربية ) ليكون ضمن بعثتها العلمية التي أرسلتها إلى جامعة فؤاد الأول ( جامعة القاهرة ) 1943ـ1945،وقد حصل على الماجستير منها ، ثم أكمل دراسته في جامعة إكسفورد وحصل على الدكتوراه سنة 1949 ، وكان مشرفه المستشرق الانكليزي المعروف السر هاملتون جب Gibb ، ولمّا عاد إلى بغداد عيّن في كلية الآداب بجامعة بغداد ، وقد رقي إلى مرتبة الأستـاذية سنة 1955 ، وعيّن رئيساً لقسم التاريخ أكثر من مرة ، كما عمل عميداً لمعهـد الدراسات الإسلامية العليا بجامعة بغـداد 1963 ـ 1968 ورئيساً للمجمع العلمي العراقي منـذ 1978 وحتى 2001 . درّس في جامعات عربية وعالمية عديدة منها جامعة هارفرد ( 1956 ـ 1957 ) ، وحرر في موسوعات عالمية منها ( الموسوعة البريطانية ) و ( دائرة المعارف الإسلامية ) وكتـبَ مواداً كثيـرة في هاتيـن الموسوعتين منهـا المواد ( عريف ) و
( البطائح ) و ( دير الجماجم ) و ( عوانة بن الحكم ) .
     كانت أطروحته للدكتوراه عن ( التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في القرن الأول الهجري1954 ) وقد نشرت .كما طبع كتاباً بعنوان : ( محاضرات في تاريخ العرب ) ، وقد ظلَّ كتاباً منهجياً ومساعداً في الجامعات العراقية منذ سنة 1955 وحتى يومنا هذا .
      وفي سنة 1983 نشر له في بيروت كتابه : ( دراسات في تطور الحركة الفكرية في صدر الإسلام ) ، ومن كتبه كذلك : ( الدولة في عهد الرسول محمد r ) و
( المعالم العمرانية في مكة المكرمة ) .
      نشر بحوثاً عن ( خطط البصرة ) و ( خطط بغداد ) و ( أحكام الرسول محمد r  في الأراضي المفتوحة ) و ( استيطان العرب في خراسان ) و ( ما ساهم به العرب في المائة سنة الأخيرة في دراسة تاريخ الأدب العربي ) . 
      كما ترجم كتباً عديدة ، منها محاضرات الأستاذ ستيفن رونسيمان عن " المدينة البيزنطية ) و( الحروب الصليبية )، كما ترجم لأرنست رامزاور كتابه: ( تركيا الفتاة )   ولروزنثال كتابه: ( علم التاريخ عند المسلمين ) .
      يرفض الدكتور العلي الأفكار المسبقة عند كتابة التاريخ.. وفلسفته في تفسير التاريخ تقوم على أساس أن لكل حادثة تاريخية أسباب متعددة ودوافع معقدة ، كما أن نتائج كل حادثة قد تباين نتائج غيرها ، فقد تكون نتائجها متعددة أو محدودة كبيرة أو بعيدة المدى بعضها ظاهر سهل إدراكـه وبعضها خفي يتطلب ذكاء وفطنة لكشفه وإظهاره . ويرى الدكتور العلي أن تاريخ العراق، كـان ولا يزال موضع اهتمام واسع منذ أقدم الأزمنة ، وان كثيراً من الأمم والشعوب قد اقتبست من حضارته وأفادت من إبداعاته ، وقد توسع في توضيح ذلك من خلال إسهامه مع كـل من الدكتور عبد العزيز الـدوري والدكتور جعفر خصباك والدكتور ياسين عبد الكريم في تأليف كراس أصدرتـه جمعية المؤلفين والكتّاب العراقيين ببغداد سنة 1959 بعنوان ( تفسير التاريخ ) أكد فيه اهتمام الإنسان العراقي بدراسة الماضي منذ العصور القديمة .  
        أسهم الدكتور العلي في مشاريع وزارة الثقافة والإعلام العراقية أبان الثمانينات من القرن الماضي ، والتي اهتمت بالتاريخ منها : ( العراق في التاريخ ) و ( حضارة العراق ) و ( العراق في مواجهة التحديات ) و ( الجيش والسلاح ) وله مقالات وبحوث عديدة في أهمية إعادة كتابة التاريخ وآليات ذلك . كتبتُ عنه مقالة في جريدة فتى العراق الموصلية ( العدد 35 الصادر في 25 حزيران 2004 ) بعنوان ( الدكتور صالح أحمـد العلي وكتابة التاريـخ ) قلت فيها : أن الدكتور العلي خـدم ، من خلال التاريخ ، وطنه وأمته والإنسانية جمعاء . كان عضواً في مجامع وهيئات ومجلات ومؤسسات علمية عديدة منها عضويته في المعهد الأسباني العربي في مدريد ، وعضويته في الجمعية الاركيولوجية (الاثارية )، في الهند ، وقد ترجم الكثير من أعماله إلى لغات متعددة . توفي ، رحمه الله ، في مطلع سنة 2004 .
المؤرخ الأستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي :
     
 يبقى  الأستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي والذي  قدم  دراسات منهجية حول الثورة العباسية وجذورها وطبيعتها ونتائجها.
       فمنذ  أكثر من (30) عاما ، وأنا أعرف الزميل والصديق الأستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي ، وقد وجدته مؤرخا متميزا وباحثا جادا وأستاذا فاضلا وإنسانا ودودا .. وفي الحقيقة فان الصلة انقطعت بيننا منذ بضع سنوات بسبب سفره إلى خارج العراق واستقراره في عمان بالأردن.
       وفاروق عمر فوزي ، نال من الاهتمام الكثير ، وقد أحدثت كتبه التي أصدرها في السبعينات من القرن الماضي حول ( الدعوة العباسية ) صدى كبيرا ، وتصدى البعض لمناقشة مضامينها وتسفيه الأسس الفكرية التي استندت إليها ولعل من ابرز الذين انتقدوها الأستاذ الدكتور حسين قاسم العزيز الذي انطلق في نقده من المدرسة الماركسية التي تعطي العامل المادي الارجحية في تفسير التاريخ . لكن ناقدا معروفا وهو الدكتور هشام جعيط ، وجد في كتابات الدكتور فاروق عمر فوزي من التميز ما تجعله يحتل مكانة متقدمة بين المؤرخين العالميين، لذلك وضعه مع الأستاذين الدكتورين عبد العزيز الدوري وصالح احمد العلي،وقال إن كتابات فوزي والدوري والعلي تشكل ، بحق ، أعظم إنجاز قدمه العرب عموما على المستوى العالمي في القرن العشرين .
      فاروق عمر فوزي موصلي ، ولد في الموصل سنة 1938 وأكمل دراساته الأولى فيها ثم التحق بدار المعلمين العالية (التربية) ببغداد وحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ بدرجة الشرف .. وقد أكمل الدكتوراه في جامعة لندن سنة 1967 وعين في كلية الآداب ، جامعة بغداد ورقي إلى رتبة الأستاذية سنة 1979 وترأس قسم التاريخ لمرتين الأولى سنة 1978 والثانية سنة 1980 وقد اختير سنة 1976 ليكون سفيرا في ديوان وزارة الخارجية .
    كتب عنه صديقنا الأستاذ حميد المطبعي في موسوعته الشهيرة : (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين ) وقال انه أسهم في عدة مشاريع تاريخية علمية منها كتابة مواد في دوائر معارف مهمة من قبيل دائرة المعارف الإسلامية ودائرة المعارف البريطانية والموسوعة الفلسطينية وموسوعة حضارة العراق (13 مجلدا) .
     لقد شاع اسم الأستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي بعد نشر كتابه في بيروت سنة 1974 والموسوم: ( طبيعة الدعوة العباسية)، ومما ساعد على ذلك ،انه أحدث انقلابا في شكل النظرة إلى هذا الحدث التاريخي المهم وخاصة في تأكيده على عروبة هذه الدعوة .
أصدر الدكتور فاروق عمر فوزي كتبا عديدة منها ( الخلافة العباسية) باللغة الإنكليزية وهي أطروحته للدكتوراه (1969) و(العباسيون الأوائل) (1970ـ1972) والخلافة العباسية في عصر الفوضى العسكرية(1979) و( الخلافة العباسية في العصور المتأخرة ، 1982) وبحوث في التار  يخ العباسي (1977) ، وعباسيات (1976) بالإنكليزية والتاريخ الإسلامي وفكر القرن العشرين (1980) ، والخليج العربي في العصور العباسية (1982) ، و(النظم الإسلامية) .
    كما ترجم عن الإنكليزية كتبا كثيرة منها ( تاريخ فلسطين في العصور الوسطى) لبار تولد وله دراسات وبحوث كثيرة منشورة في مجلات عراقية وعربية وأجنبية .
     الذي يهمنا هنا في هذا الحيز المحدود ، أن الدكتور فاروق عمر فوزي أسهم إسهاما فاعلا في إرساء أسس المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة . ولهذه المدرسة معالم متميزة وواضحة أبرزها ، أنها لا تستند إلى نظرة تقليدية جامدة للتاريخ وهي ليست عالة على ما تصدره المؤسسة الاستشراقية من أفكار وآراء باتت قديمة ومرفوضة حتى في أوساط المثقفين في الغرب .
     وقد أجهد الدكتور فوزي نفسه في فرز الاتجاهات الخاطئة في كتب ومؤلفات المؤرخين العرب الذين وقعوا تحت تأثيرات المدرسة الأوربية في التاريخ ويقول أن الاتجاه الذي يتبناه في كتابة التاريخ يعتمد إلى (( نظرة ذاتية عربية شمولية موضوعية وبمنهجية علمية تعتمد فلسفة للتاريخ تربط فيها الوقائع والإحداث التاريخية الجزئية بتاريخ الأمة ككل وتحاول أن تفسر دورها وأثرها في مسيرة هذا التاريخ وتكوينه عبر القرون والأجيال ))
      ويعد الدكتور فاروق عمر فوزي بان المؤرخين العراقيين ((مقتدرين)) و((أكفاء)) في مجالات معينة في حقول التاريخ ((ولا يقلون في مستواهم وعلميتهم عن مواصفات أحسن المؤرخين في العالم )).
     ويرى الدكتور فوزي بان للمؤرخ رسالة تربوية وطنية فما يكتبه ينبغي أن يستهدف ((إعداد المواطن للعيش في حاضر متطور نحو مستقبل أفضل .. وهذا الواجب في اعتقادي الوظيفة الوطنية والقومية للتاريخ وهي وظيفة لا يؤديها غير التاريخ من بين العلوم الإنسانية )) . ويمكن أن يكون للبطل دور في التاريخ فبعض الإبطال لعبوا في التاريخ دورا حاسما وكان العرب في عصورهم الإسلامية الأولى ينظرون إلى( البطل) على انه قائد يدرك المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقه ، ولذلك كانوا يتحرون فيه سجايا وصفات فاعلة ومؤثرة منها الشرف، والشجاعة، والعدالة، والإخلاص، والحلم، والمقدرة، وإنكار الذات ،والاقتدار، والحنكة ،والتجربة .
     وللدكتور فوزي رأي طريف في القارئ العراقي فيقول انه (( قارئ ذواق ينتقي بدقة ما يرغب في قراءته ولهذا نلاحظ أن كتب التاريخ على العموم تأتي في مقدمة ما يقتنيه القاري في العراق ))..

خاتمة :
  مما يلحظ على أعمال المؤرخين الثلاثة، أنهم كانوا مربين قبل ان يكونوا مؤرخين لذلك اتسمت رؤيتهم بالنزعة الإنسانية .كما أنهم   لم يحصروا أنفسهم في زاوية ضيقة من زوايا التاريخ، وإنما انصرفوا الى معالجة كل جوانب التاريخ، بحقبه المختلفة، فضلا عن أن لديهم اجتهاداتهم الخاصة والتي اشرنا إليها وخاصة على صعيد التفسير التاريخي الذي يأخذ بالدوافع المختلفة والمرتكز  على  أسس علمية،ووطنية، وقومية، وإنسانية وهذا ما جعلهم يحتلون مرتبة متقدمة في مسار الفكر التاريخي العالمي .  

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم
    يقول د.عمر فوزي في كتابه الخلافة العباسية، ج2، (...انفصلت الكيانات السياسية عن بغداد... و لا شك فإن هذه الظاهرة لها جوانبها السلبية و الإيجابية على حد سوا... أعطت ثقلا إلى عوامل الهدم و الإنهيار، و لكن... لعبت بعض هذه الكيانات دورا هاما في الجهاد، و إذا كانت هذه الظاهرة تبدو و كأنها سيف ذو حدين سلبي و إيجابي من الناحية السياسية... فهي كذلك من الناحية الحضارية...

    ردحذف
  2. فكيف لعبت هذه الكيانات دورا جهاديا و قد كانت معاول هدم و انهيار و كيف نتبين الجوانب الإيجابية من السلبية فيها؟

    ردحذف

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...