الدكتور عماد عبد السلام رؤوف والتاريخ العثماني
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
منذ الستينات من القرن الماضي، وأنا اعرف الصديق الأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف ،وذلك عندما كنت أقرأ له ، وعنه في" مجلة المكتبة" التي كان يصدرها الأستاذ قاسم محمد الرجب صاحب مكتبة المثنى العامرة .وكانت اغلب مقالاته، وأخباره في المجلة تتعلق بما كان ينجزه الكتاب والباحثون العراقيون المهتمون بالتاريخ العثماني، وبتراث العراق ومنجزات مؤرخيه في هذا العصر المزدحم بالأحداث والوقائع والأفكار والمؤلفات والمصادر .وبعد التحاقي بالدراسات العليا في كلية الآداب –جامعة بغداد مطلع السبعينات ، توثقت علاقتي معه، وبعدها عملنا سوية في مشاريع وزارة الثقافة العراقية ذات الطابع التاريخي ومنها : موسوعة" حضارة العراق "و"العراق في مواجهة التحديات" .كما اشتركنا سوية ولأكثر من مرة في الندوات والمؤتمرات التاريخية ومناقشات رسائل وأطروحات الماجستير والدكتوراه .وأكاد اجزم أن العلاقة بيني وبينه كانت قوية، وحميمة، وقائمة على الإعجاب والاحترام المتبادل . وقد فرحت كثيرا قبل مدة عندما قرأت له إطراءا على منهجي التاريخي الذي وصفه بالقول انه منهج يعتمد التوازن بين المبدأ والمنهج معا وقال : " تميز المؤرخ الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف بمزايا شخصية وعلمية كثيرة عرفها طلابه وزملاؤه وكل من كانت له فرصة اللقاء به، وفي تقديري فإن أهم تلك المزايا هو الجمع المبدع بين الإخلاص لمبادئه الوطنية والقومية والإسلامية، والإخلاص لقواعد المنهج العلمي في كتابة التاريخ" .
الأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف، مؤرخ من الموصل ينتمي إلى آل العطار ،وهي أسرة عباسية سكنت في محلة باب النبي جرجيس . ولد في سنة 1948 ..جده الأستاذ محمد رؤوف العطار(1878-1965 ) من رواد التربية والتعليم في العراق .. كان مديرا لأقدم وأبرز ثانوية موصلية هي "ثانوية الموصل" .كما عمل في سنة 1927 مديرا لمعارف (تربية ) البصرة .درس الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في مدارس الموصل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية .وبعد حصوله على الشهادة الثانوية سافر إلى بغداد حيث لم تكن في الموصل جامعة ودخل كلية الآداب –قسم التاريخ وتخرج سنة 1970. ولم يقف عند هذا الحد وإنما قرر إكمال دراسته العليا ، فالتحق بجامعة القاهرة ونال الماجستير سنة 1972 عن رسالته الموسومة : " ولاية الموصل في عهد آل ألجليلي 1726-1834 " . وقد نشرت في النجف الاشرف سنة 1975 بعنوان: "الموصل في العهد العثماني :فترة الحكم المحلي الحكم المحلي " .كما حصل على الدكتوراه سنة 1976 عن أطروحته الموسومة : " الحياة الاجتماعية في العراق أبان عهد المماليك 1749-1831" .عمل رئيسا لمركز إحياء التراث العلمي في جامعة بغداد.. ودرس في كلية التربية بجامعة بغداد .. ثم نقل خدماته إلى كلية الآداب بجامعة صلاح الدين بأربيل- ولايزال هناك حتى كتابة هذه السطور .
ألف عددا كبيرا من الكتب أبرزها كتبه : " "مدارس بغداد في العصر العباسي" 1966 ،و"الآثار الخطية في المكتبة القادرية "بخمسة أجزاء 1974-1980 و"التاريخ والمؤرخون في العصر العثماني" 1983و"فهرست مكاتب بغداد الموقوفة" 1985 و"كتابة العرب لتاريخهم في العصر العثماني " 1989و"الأصول التاريخية لأسماء محلات بغداد"1994 و"صفاء الدين عيسى البندنيجي : حياته وآثاره" و" مراكز ثقافية مغمورة في كردستان " و"ضياء جعفر.. سيرة وذكريات" و"العراق في وثائق محمد علي باشا " و"معالم بغداد في القرون المتأخرة " و "من رواد التربية والتعليم في العراق محمد رؤوف العطار" 1988 و"المدرسة العلية في بغداد "1988 ولمحات من تاريخ العراق الحديث " 1983 و"معالم بغداد في القرون المتأخرة "2000.كما حقق مجموعة طيبة من كتب المؤرخين الأوائل منها كتاب" زبدة الآثار الجلية في الحوادث الأرضية"لياسين العمري 1975، و"الدرر المنظومة والصور المختومة " لخليل بن علي البصير1974 ،و"تاريخ حوادث بغداد والبصرة من 1186-1192 هجرية" لعبد الرحمن السويدي والجواهر وصفاتها ليحيى بن ماسويه و" تذكرة الشعراء " لعبد القادر الشرباني و" التحفة المسكية في الرحلة المكية" لعبد الله السويدي و" تاريخ الزبير والبصرة" لعبد الله بن الغملاس و " مطالع السعود : تاريخ العراق من سنة 1188 إلى سنة 1242 هجرية -1774-1826 ميلادية تأليف عثمان بن سند " 1991 و " معركة عين جالوت / رمضان 655 هجرية –أيلول-سبتمبر 1260 ميلادية " 1986 و" المملكة العربية السعودية بين الحربين في ضوء تقارير المفوضية العراقية في جدة " و" العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع" لعبد الحميد بن عبادة .وقدم لكتبا كثير آخرها تقديمه لكتاب "الشيخ عبد القادر الكيلاني :رؤية تاريخية معاصرة" لمؤلفه السيد جمال الدين فالح الكيلاني 2011 .
وللدكتور رؤوف كم كبير من المقالات والدراسات والبحوث المنشورة في المجلات ليس من السهولة حصرا ويحتاج ذلك إلى وقت وجهد كبيرين . لكن مما لابد من الإشارة إليه أن معظمها يدور حول تاريخ وتراث العراق في العصر العثماني . فثمة دراسات عن مساجد بغداد ،وسجلات المحكمة الشرعية ،وتاريخ مشاريع مياه الشرب القديمة في بغداد، ونظم المدارس العثمانية ،ومؤرخي الكوفة ،وصفحات مجهولة من تاريخ النجف الاشرف في القرن الثالث عشر الهجري ، وصمود البصرة أثناء حصار نادرشاه، والعلاقات الزراعية في العراق إبان القرن الثامن عشر، وعبد الرحمن حلمي ومخطوطته في تاريخ بغداد في القرن التاسع عشر ،ومن تاريخ الخدمات النسوية العامة في الموصل ،وأضواء على انتفاضة الموصل المنسية سنة 1839 ،وعن العملات المستعملة في الموصل وأقيامها في العصر العثماني" ونشأة التنظيمات السياسية في أواخر العصر العثماني" و"الأصناف والتنظيمات المهنية " . وهنا لابد من الاشادة بما قدمه الزميل الدكتور احمد ناجي الغريري حينما ألف كتابا عن أستاذه الدكتور رؤوف مؤخرا بعنوان : "الدكتور عماد عبد السلام رؤوف ..أربعون سنة في دراسة التاريخ وكتابته "، وفيه ركز على سيرته ومنهجه ، ومؤلفاته واهتماماته بتوثيق البنية الاجتماعية للعراق وتطور العلاقات بين شرائح المجتمع وانعكاس ذلك على التحولات السياسية .
أجرى الأستاذ طارق كاريزي حوارا مع الأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف نشر في مجلة الصوت الآخر (الاربيلية ) وفي عددها 303 الصادر في 23 تموز 2007 جاء فيه :إن أهمية التاريخ تتأكد في حياة الشعوب من خلال تقديمه صورة الجذور التي ينتمي اليها ذلك الشعب فالتاريخ يمثل الهوية لكل شعب وليس بالضرورة ان يمثل التاريخ حافزا للأمة لكي تنهض بواقعها، ربما كان العكس صحيحاً ايضاً، فيكون التأريخ عبئاً على هذه الأمة، يعيق حركتها ويضيق عليها سبلها في التقدم.
لكن التأريخ إذا وظف توظيفاً جيداً فأنه يعد قوة دافعة وهوية ثابتة تدفع الأمة إلى الأمام..
وحول فيما إذا كانت الأمة العربية قد أسلمت حياتها ومستقبلها للتاريخ قال الأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف : هذا صحيح الى حد ما، وغير صحيح الى حد ما، كيف؟ لقد انبعثت النهضة العربية في القرن التاسع عشر من خلال محاولة النُخب المثقفة الاقتداء بالقمم البارزة من أعلام الأمة في العهود السابقة. ويمكننا القول أنه في القرن التاسع عشر كان التأريخ حافزاً، وتالياً تحول إلى محراب توقد فيه البخور، ففقد الإنسان القدرة على التفاعل مع الماضي .
وحول الفرق بين الإنسان الغربي والإنسان العربي في النظرة إلى التاريخ قال : أن الإنسان الغربي يرى
حلمه في أفق المستقبل، بينما الإنسان العربي لايرى الا الماضي ..ونحن نقول أن التأريخ هو ابن التفاعل، حيث لا تفاعل لا تأريخ .. والتفاعل لا يجري بين كيانات متشابهة، والتمايز ضروري لاستمرار ذلك كله. وهذا التنوع أساس لاستمرار التأريخ والحياة. وعن العلة في التأخر قال : "العلة في العمل، هم عملوا فصنعوا حاضرهم ومستقبلهم، أفادوا من ماضيهم وتفاعلوا معه وصنعوا حاضرهم، وهم الآن يبنون لمستقبلهم، ونحن لا نعمل، ولا فرق بيننا وبينهم سوى العمل، وحتى لا نندثر علينا أن نعمل، لأننا في حال اندثارنا سيخسر العالم نفسه، لأنه سيفقد عنصراً يمكن أن يؤدي دورا في استمرار التاريخ.
تمنياتنا للدكتور عماد عبد السلام رؤوف بالموفقية والاستمرارية في ترسيخ أسس المدرسة التاريخية العراقية والعربية التي تستند إلى المنهجية العلمية الصارمة ، وتقدم كل ماهو مفيد لإقالة الأمة من عثراتها ، وتوضيح طرق التقدم والتنمية اللازمة بالاستناد إلى الدرس التاريخي والاستفادة من تجارب الأمم في البناء والإسهام في منجزات الحضارة الإنسانية المعاصرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق