الخميس، 1 سبتمبر 2011

الدكتور حاتم الكعبي والمدرسة العراقية في علم الاجتماع



 الدكتور حاتم الكعبي والمدرسة العراقية في علم الاجتماع
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل

     منذ السنوات الأولى من ستينات القرن الماضي ،وعندما كنت طالبا بقسم التاريخ –كلية التربية (دار المعلمين العالية سابقا ) بجامعة بغداد ،عرفت الأستاذ الدكتور حاتم عبد الصاحب الكعبي عندما درسني مادة علم النفس الاجتماعي .وقد ركز على موضوعين خصص الفصل الأول من السنة لدراسة كارل ماركس. وكرس الفصل الثاني لدراسة سيغموند فرويد. وكان يعتمد كذلك على كتاب البروفسور برجس وكتابه الشهير : " العائلة " وهو باللغة الانكليزية وقد حظيت بفضل صديقي الدكتور دانييل وولك بنسخة جيدة من الكتاب مؤخرا .وعندما سألنا الدكتور الكعبي عن السبب الذي جعله يدرسنا ماركس وفرويد قال إن الاقتصاد والجنس هما من يسيطر على حضارتنا اليوم .ولازلت اعتز بمحاضرات الدكتور الكعبي، وأتلمس كل ما يكتب عنه مع أن ما كتب ويكتب عنه يعد قليلا جدا بالقياس إلى ما قدمه الرجل من إبداعات أسهمت في ترسيخ مدرسة عراقية متميزة في علم الاجتماع وباعتقادي، وأرجو  وان لايزعل احد ،انه كان أكثر علمية ورصانة وأكاديمية منهجية من الأستاذ الدكتور علي الوردي لكن الدكتور الوردي كان اقرب إلى الناس بسبب أسلوبه التلغرافي السهل وارتباطه بما  كان عليه المجتمع في العراق من قضايا واشكالات نفسية وسسيولوجية ، فنال  وكتبه  ،  الشهرة الكبيرة مع أهمية انجازاته العلمية الكبيرة .
    وللأمانة أقول أن عددا قليلا من الكتاب والباحثين كتبوا عن الدكتور الكعبي وحتى ما كتب عنه  لم يحظ كثيرا بالشيوع واذكر ممن كتب عنه صديقي الأستاذ الدكتور معن خليل عمر في كتابه عن " رواد علم الاجتماع في العراق " 1990 ،والدكتور هادي صالح محمد في أطروحته للدكتوراه الموسومة : " آفاق علم الاجتماع في الوطن العربي"، والتي نوقشت في قسم علم الاجتماع بكلية الآداب –جامعة بغداد سنة 1990 .كما كرست الزميلة الدكتورة ناهدة عبد الكريم حافظ دراسة موسعة لها لتناول بعض جوانب اهتمامات الدكتور الكعبي في مجال دراسة السلوك الجمعي وقد نشرت الدراسة في مجلة "دراسات اجتماعية"التي  يتولى قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة اصدارها2002 .وقد عنونت دراستها ب" الدكتور حاتم الكعبي بين رؤية الشاعر ومنهجية الباحث في السلوك الجمعي " .

     الأستاذ الدكتور حاتم عبد الصاحب الكعبي ولد في مدينة الحلة  ( محافظة بابل  ) *سنة 1917، وتوفي ببغداد سنة 1979 وبين 1917 و1979 ، عاش الدكتور الكعبي حياة حافلة بالأحداث والمنجزات والإسهامات العلمية فعدا عن دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية فأنه دخل دار المعلمين العالية ببغداد ونال الليسانس في العلوم الاجتماعية . وقد حظي ببعثة علمية  في الولايات المتحدة الأميركية، ونال الدكتوراه من جامعة شيكاغو سنة 1954 وكان عنوان أطروحته : " الحركة القومية العربية في العراق " .
     ومن الطريف أن الكعبي وقبل أن يحصل على الدكتوراه ترجم عن بتريم سوروكن  كتابين أو قل كراسين أولهما بعنوان : " المدرسة الميكانيكية في علم الاجتماع " .وثانيهما : " المدرسة الاقتصادية في علم الاجتماع " ونشر الكراسين سنة 1948 .وبعد قيام ثورة 14 تموز –يوليو 1958 وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق ظهر الدكتور الكعبي مناصرا للثوار مؤيدا للثورة  وخاصة في تحطيمها أسس النظام الملكي الإقطاعي الرجعي وذلك من خلال إصداره كتابه المهم الموسوم : " علم اجتماع الثورة " . ومما تضمنه الكتاب دعوته إلى خلخلة بنيان النظام السابق، وبناء مجتمع عراقي جديد والطلب  من المثقفين الإسهام في ذلك مع ضرورة إبعاد "المثقفين الأذناب" الذين ارتبطوا بالنظام السابق وأسهموا في خدمة مصالحه الطبقية .
      أعجبت بكتابه الصغير "نمو الفكر الاجتماعي " ولازلت ارجع إليه والاستفادة منه ،وهو كتاب رائع يدرس تطور الفكر الاجتماعي عبر العصور، واعتقد انه لم يترك مفكرا أو حركة أسهمت في ترسيخ أسس الفكر الاجتماعي العالمي إلا وتناوله مما يدل على عمق ثقافته وموسوعيته واطلاعه على إبداعات الإنسان في هذا العلم  الفتي اقصد علم الاجتماع وخاصة في صيغته الحديثة. .
    اهتم الدكتور الكعبي بدراسة"واقع حال الزعامة " ،وكتب في هذا المجال .كما قدم دراسة أكاديمية رائعة عن "مصادر فكر كارل ماركس وموقفه من الطبقية الاجتماعية"، واحتفظ بنسخة من هذه الدراسة القيمة التي نشرت في مجلة "الأستاذ" التي كانت تصدرها كلية التربية 1964 .
    وتنقل الدكتورة حافظ عن الدكتور هادي صالح محمد قوله أن كتابات الدكتور الكعبي تصنف إلى اتجاهين الأول هو التفاعل ألتوليفي، والثاني التفاعل الرمزي. وهو يرى أن مؤلفاته مثل" علم اجتماع الثورة" 1959 ودراسته عن "الطبقية الاجتماعية وكارل ماركس " 1964 وكتابه "نمو الفكر الاجتماعي " 1964 وكتابه "مبادئ علم الاجتماع " 1965 ودراسته " الحركات التي تدور حول منقذ منتظر " 1966 وكتابيه : " حركات المودة " 1971 و" السلوك الجمعي " 1972 تعد من الاتجاه الأول .أما الاتجاه الثاني فيتمثل في دراسته : " دراسة حال زعامة " وفي هذه الدراسة يبرز فكره الاجتماعي المتأثر بأنجازات علم النفس .ويقينا أن الدكتور الكعبي كان فضلا عن انه ابن بيئته العراقية ،متأثرا بمدرسة شيكاغو الاجتماعية المتمثلة بعدد من الأساتذة أمثال بارك وكليفورد وبرجس وهربرت ميد وشلز وبارسونز وبلومر  .
    إن مما ساعد الدكتور الكعبي على الغور في أعماق المجتمعات انه كان شاعرا وناقدا لاذعا وكنا كطلبة نحس بنقده اللاذع .
وأكاد اجزم بأن  أعمال الدكتور الكعبي اليوم ينبغي أن تحتل مكانتها في الدراسة، فمعظمها تهتم بدور"الجماهير" ، فعصره كان عصر الجماهير واليوم وبعد 50 عاما من التسلط والاستبداد والدكتاتورية  تعود الجماهير لتأخذ المبادرة ..
     إن أعمال الدكتور الكعبي وخاصة تلك التي كرسها لدراسة حالات الرعب والغوغاء والرأي العام والمودة والحركات الاجتماعية مهمة اليوم وتتطلب منا الدراسة وقد كتب الدكتور الكعبي عنها بشكل دقيق .ومما يؤكد ذلك أن الأفراد يتبادلون التأثير وتقف اليوم وسائل الاتصال الجماهيري كالفيسبوك والتويتر في مقدمة انجازات العقل البشريوهي مما لم تكن معروفة في زمنه . وكما هو معروف فأن الفعل أي كان ، لايمكن ان يتم في فراغ ولابد من فهم الفرد للموقف وتفسيره له وهذا –بحق- هو أساس التلاحم بين توجهين هما التفاعلية الرمزية والامبريقية التجريبية  المنهجية .
    وتذهب الدكتورة ناهدة عبد الكريم حافظ إلى أن الدكتور الكعبي كان إلى جانب كونه شاعرا  ،مفكرا تفاعليا رمزيا ويتضح هذا في أسلوب الدكتور الكعبي ، سواء في كتبه أو محاضراته ،الذي يغلب عليه الطابع الأدبي الجميل .
    ولم يكن الدكتور الكعبي ملتزما بما كانت تؤمن به المدارس الاجتماعية وإنما كان ملتزما بقضايا شعبه وانحيازاته نحو الجماهير والثورة ودور هذه الجماهير في إحداث  التغيير الاجتماعي social change .
    لم ينظر الدكتور الكعبي إلى الجماهير كما نظر بعض علماء الاجتماع الغربيين نظرة شك ، وإنما توصل إلى حقيقة ثابتة وهي أن الثورات وحركات الجماهير هي مصدر التغير في المجتمع .ويرفض الدكتور الكعبي فكرة البطل ويبالغ في فهمه للوظيفة الاجتماعية والتاريخية للجماهير ويقول مثلا : " أن التراث الاجتماعي في كل مجتمع ينطوي على رواسب ومخلفات ومتحجرات ومقدسات وشعائر وطقوس ومراسيم وطوائف دينية وعقائد ومشاعر ومااليها ،هي من خلق الجماهير في الأعم الأغلب ".
   مما يؤلم  حقا أن الدكتور الكعبي ترك مايقارب ال40 كتابا ودراسة غير منشورة معظمها يدور حول الحركات الثورية، والطبقات الاجتماعية، ومذاهب علم النفس الاجتماعي ،والفكر الطوبائي، والفكر الماركسي، والطوائف الاجتماعية، والجماهير، والتعصب، والدعاية، وعلم اجتماع الإجرام، والتحليل الاجتماعي والشخصي، والحركات الطوعية .وحبذا لو تضطلع مؤسسة بيت الحكمة  في العراق بطبعها ونشرها . وللدكتور الكعبي مؤلفات مخطوطة عن تجربته الشعرية وله ديوانه  الخاص به .كما انه اعد معجما باللغتين العربية والانكليزية لمصطلحات ومفاهيم علم الاجتماع. ومهما يكن من أمر فالدكتور الكعبي صاحب مدرسة في علم الاجتماع وقد أسهم إسهاما فاعلا في ترسيخ أسس علم الاجتماع في الدوائر العلمية العراقية والعربية الحديثة .
*شكرا للسيدة نسرين حاتم الكعبي التي صححت المعلومة  واتي كنت قد ذكرتها سابقا وهي ان الكعبي رحمه الله من مواليد العمارة .وقالت انه من مواليد الحلة وليس العمارة  .كما اشكرها على تزويدي ببعض المعلومات عن والدتها السيدة زهرة باقر جعفر الجلبي 1920-2011 وكانت استاذة في كلية العلوم -جامعة بغداد حتى تقاعدها سنة 1978 .








هناك تعليق واحد:

  1. رحمك الله يا استاذ حاتم الكعبي العالم النحريرواسكنك فسيح جناته والهمنا واهليك الصبر والسلوان وعلى روحه الطاهرة الفاتحة

    ردحذف

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...