أ
ستاذ التاريخ الحديث ..مدير الدراسات الإقليمية في جامعة الموصل الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف في حوار شامل
:العراق بلد الإبداع، وفيه من المبدعين ما لا يعد ولا يحصى .. لابد من ترسيخ فكرة المواطنة ..طالما هناك احتلال فأن من حق كل شعب المقاومة والمواجهة بشتى الأساليب ..في العراق رجال قادرون على إنجاز مهام التحرر والبناء والتقدم ..المثقفون العرب مطالبون بالمزج بين الأصالة والحداثة
كتابة وحوار : موفق العساف
مؤرخ متفرد، يرى أن الثقافة جملة معارف وتحصيل معرفي لأنماط السلوك ،وثوابت العقل العملي ، استحوذ على ما استله من التاريخ الاجتماعي والنفسي بعضا من خصاله، ومن التاريخ السياسي كذلك ليرتكز إلى مستويات من تحققات منجز ثقافي دمج فيه ما استقر من حياة ودمار مادي وروحي من متاهات القرون السالفة وصولا إلى التاريخ الحديث بعيدا عن ثقافة الاستنساخ، وثقافة السلطة يقدم فيها مشاهد بدلالة الشهود من رماد الذاكرة ومن اتقادها إذن نحن إزاء مروج للانطلاق من مأزق الحياة الضيقة لشخوص وأزمنة إلى آفاق شاسعة ضمن اطر الحياة اليومية بتأثيرات الهموم الذاتية بما أحاطها من حرب وسلام ومسرة وألم دأب على البحث فيها عن القيم الثابتة، وما احتوته من وقائع لحياة مرعبة تجاوزت المسرات والآلام ، إذن نحن مع رحلة لمؤرخ أكثر ما عنى به هو التاريخ من كل جوانبه ،فالأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف ،أستاذ التاريخ الحديث ومدير مركز الدراسات الإقليمية في جامعة الموصل ، هذه الجامعة العريقة والمؤسسة العلمية التي تؤاخي بين الحاضر والمستقبل في خضم بناء سليم ينهض على الماضي العريق المشرق للعراق ، والذي يعد مهدا مرموقا في ابتكار العلوم والمعارف.. وقد برز العلاف ،عبر عمله الأسبق رئيسا لقسم التاريخ، وعمله الحالي مديرا لمركز الدراسات الإقليمية ونشاطاته الواسعة شاهدا على حقائق وقف إزاءها متجردا من كل المؤثرات التي يمكن أن تغير مسار الحقيقة أو تشوهها . فكانت وقفة شجاعة تصدى لذكر الحقائق دون الالتفات إلى النتائج مهما كانت ومن هنا كان مؤرخا وكان كل شيء بالنسبة للتاريخ وآلا كيف يكون التاريخ من دون مؤرخ ،والتاريخ- كما يقول ادوار كار- حوار متصل بين الماضي والحاضر، كما انه حوار بين المؤرخ ووقائعه .
إن ما تناوله في كتبه القيمة سواء كانت في تاريخ شخصيات أو وقائع أو ما هو متداول بين الصحافة بوصفها صحافة وثقافة الصحافة فإنما سعى إلى دعم ومساندة مادية ومعنوية اثر بشكل كبير في عمله كعين يرصد بها حركة المتغيرات ولم يكن رصده تحت ضغط ما،سوى تلك الرغبة .
هذه رحلة مع رجل أرسى دعائم البحث المعرفي التاريخي بشكل علمي، وأضاء مع من أضاء من النخبة الخيرة للشباب الطريق نحو فضاءات الجامعة العريقة في الموصل هذه المدينة المحيرة التي يتحول فيها الرمز إلى سحر غريب .
في سؤال توجهت به الجريدة الموصلية الرائدة (فتى العراق) إلى الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف : لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟ أجاب أن هذا السؤال الأسطوري قد كانت إجابتي عليه قبل ربع قرن في كتابي (تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516 – 1916 ) . اليوم بعد سيادة العولمة والاحتلال الأمريكي للعراق منذ عام 2003 ، يقف الدكتور العلاف إزاء إعادة تأسيس (الخطاب الخلدوني) . والأستاذ الدكتور الذي ولد وترعرع في الموصل، لم يكن حاطب ليل، ولم يكن وراقاً في حضرة السلاطين، ولا باحثاً مدرسياً مكلف بمنهج مقرر، ولا مزايد بشعارات رخيصة، بل خرج من جلباب العراق والوطن العربي، مفكراً مهموما بهاجسه في التقدم، وجاعلا هذا التقدم مشغوليته.. لذلك جاءت نصوصه قابضة على كل صلاحياته التاريخية وإذا كان ابن خلدون قد نشر ظله على ما جاء بعده إلا أن (العلاف) ما زال مسكونا بمفاهيمه والهوية العربية لديه خارج التشكيلات العرقية وهي من عمق الإسلام، والتي تبرز لتبلغ التناقضات، وقد تحسسها عندما رأى في أمته كل شيء محذرا جراء صراع التناقضات ذاتها بين أن يكون وأن لا يكون، ومن هنا جاء منجزه استحقاقات صعبة . وترجع أهميته انه لم يعسر علينا فهمه، أو سحبه من خانة الكتب الفاعلة ، ليس لكونه طرح أسئلة ربما لا تزال تشغل الحياة والفكر في العراق والوطن العربي والعالم الإسلامي ، وهنا قد أجاب فيها عن كل شيء وأوضح أشياءها وتساؤلاتها فكتب / نشأة الصحافة العربية في الموصل 1982 ، تطور التعليم الوطني في العراق 1982 / تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1983 ، تاريخ الوطن العربي الحديث المعاصر 1987 / تاريخ العراق المعاصر 1989 / قضايا عربية معاصرة (دراسة مشتركة) / تاريخ تركيا وإيران الحديث والمعاصر مع د. خليل علي مراد / دراسات في تاريخ الخليج العربي والجزيرة العربية (بحث مشترك) / القدرات النووية في الشرق الأوسط 2006 / العراق والولايات المتحدة الأمريكية 2006 / خارطة التوجهات الإسلامية في تركيا المعاصرة 2004 / الخليج العربي دراسات في التاريخ والسياسة والتعليم 2007 / شخصيات موصلية 2007 / تاريخ الموصل الحديث 2007 –نحن وتركيا 2008 ،وأخيرا تاريخ العراق الثقافي المعاصر 2009 .
والأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف مواليد 1945 – الموصل أستاذ التاريخ العربي الحديث ومدير مركز الدراسات الإقليمية في جامعة الموصل – العراق له نشاطات كثيرة ومهمة ، رئيس جمعية المؤرخين الاثاريين-فرع نينوى الأسبق،عضو اتحاد المؤرخين العرب حيث منح وسام المؤرخ العربي في 15/7/1989، وحاصل على امتياز رعاية الملاكات العلمية / عضو مجلس جامعة الموصل،ورئيس تحرير موسوعة الموصل الحضارية / مستشار في جريدة فتى العراق ، عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب ،نائب رئيس اتحاد كتاب الانترنت العراقيين.. كتب الكثير عن نواة المؤسسات الحكومية في الاتصالات والمحاكم والتربية والصحة ، والمجموعة الثقافية كمؤسسة تربوية وعن شخصيات موصلية وعراقية ، سياسيون وأدباء وفنانون ووجوه اجتماعية أسهمت في تاريخ مدينة الموصل العربية وعن الحركة الصحفية والرياضية والثقافية والفنية ، ونشر اغلب المواضيع والمقالات والسير تلك ، في صحف ورقية والكترونية موصلية وعراقية وعربية .
إن رحلتنا السريعة مع هذه المفخرة العراقية الذي أرسى دعائم العلم والمعرفة وأضاء طريق الفكر والموسوعية في جامعة الموصل العريقة عبر ثراء كتاباته وعبر نشاطاته وظل عطاؤه لم ينضب وما زال جذوة متقدة.. ومعلما من معالم مدينة الموصل شامخا كدجلتها وكمنارتها الحدباء وآثارها واصالتها ولزاما علينا أن نشير انه أعلن عن جائزة هبة العلاف إحياء لذكرى ابنته الراحلة في عز شبابها وتتعلق ببحوث التاريخ الحديث تشجيعا للطلبة على إنجاز البحوث الأكاديمية الجادة وقيمتها مليون دينار . كذلك انه كشف عن وثيقة مهمة بين السياب وشاذل طاقة وهي رسالة عن الشعر وأحواله وتتبقى المسألة الأهم التي يدعو إليها الدكتور العلاف وهي إمكانية تطور الصحافة بشتى مستوياتها والحرص على ديمومتها مثلما هو يؤكد أن الموصل أول مدينة عراقية شهدت الصدارة في الصحافة . التقينا الأستاذ الدكتور إبراهيم العلاف وكان هذا الحوار :
س) ما هي مهام ونشاطات مركز الدراسات الإقليمية ومتى تأسس المركز؟
ج) مركز الدراسات الإقليمية ، مركز بحثي تأسس باسم مركز الدراسات التركية في 25 كانون الأول 1985 ، ثم تغير اسمه في 17ايلول 2003 إلى مركز الدراسات الإقليمية .. يهتم المركز بإنجاز بحوث استراتيجية حول شؤون العراق وجيرانه وبعض دول الشرق الأوسط بهدف تطوير العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . ويوجد في المركز حاليا (25) باحثاً متخصصاً يتوزعون على ثلاثة أقسام هي قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية ،وقسم الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، وقسم الدراسات التاريخية والثقافية .. أنجز المركز منذ تأسيسه المئات من الدراسات والبحوث كما أصدر (40) كتابا وعقد (6) مؤتمرات علمية و (30) ندوة علمية .. ويصدر مجلة محلية باسم دراسات إقليمية.. ونشرات شهرية منها الأمن الإقليمي ومتابعات إقليمية وتحليلات استراتيجية وترجمات إقليمية، كما يصدر سلسلة كتب بعنوان (شؤون إقليمية) وهو يغذ السير ليصبح من المراكز العلمية المرموقة في العالم ولا سيما وانه أصدر تقريره الاستراتيجي الأول منذ سنة2000 .
س) جائزة هبة العلاف ، هل هي لموسم واحد أم مستمرة ، وما هي أهدافها ؟
ج) جائزة هبة العلاف مستمرة وتقدم فيها بحوث في التاريخ الحديث وللشباب الذين لم يصلوا السن (40) والهدف تشجيعهم على البحث العلمي . واحياء لذكرى ابنتنا المهندسة هبة التي توفيت اثر مرضها بالسرطان .
س) الحداثة العربية ، هل هي منهج لفهم مقارن أم مصطلح نقدي؟
ج) الحداثة العربية هي حركة ثقافية القصد منها اللحاق بالحداثة العالمية وتطوير البنية الاجتماعية والثقافية العربية ، ويسعى الحداثيون العرب لان يوفقوا بين الحداثة والاصالة .. وهذا جهد ليس بالجديد إذ مارسه المفكرون العرب منذ أواخر القرن 19 وكل جهدهم انصبّ على الإجابة عن سؤال تقليدي (لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا ) وما الرؤى والاجتهادات التي نراها اليوم على الساحة العربية إلا نتاج تلك الحركة .
س) الاستشراق ، هل بات نظرية أم ضمن المفاهيم الغربية التي دخلت العالم الإسلامي والعربي ؟كيف نفهمه والتعامل معه؟
الاستشراق حركة غربية لسبر غور الثقافة العربية والإسلامية .. والاستشراق فيه جانب ايجابي وجانب سلبي وهو ليس صداما للحضارات بل تعارف وانفتاح .. ولا بد من الوقوف عند الاستشراق والاعتراف بأنه درس تراثنا بمنهجية عقلانية تحليلية نحن اليوم أحوج إليها أكثر من أي وقت مضى .
س) بعد الاحتلال الامريكي ، برزت حيثيات البحث عن الهوية الوطنية ، ثم أصبحت أزمة بعد التناحر والتوجه نحو الطائفية وتكريس التقسيم ، هل هناك جذور تاريخية للهوية ؟ وهل فقدنا الهوية؟
ج) الهوية الوطنية العراقية لم تضع ولن تضيع يوما فهناك من يحرص على ترسيخها ،وترسيخ فكرة الوطن وفكرة المواطنة والشمس في بلادي أجمل من سواها والظلام حتى الظلام فهو أجمل .. هكذا يقول شاعرنا السياب .. والعراقي مثل طائر العنقاء كلما احترق له جناح تسامى في الارتفاع .. الملك فيصل الأول قدم مذكرة قال انه سعى من اجل أن يكون هناك شعب عراقي وليس كتلا منفصلة، ونوري السعيد كان يصر على أن يلفظ العراق بالعُراق وعندما يسأل يقول انه لا يريد أن تكون (عين العراق) مكسورة ..النصوص تقرأ ضمن ظروفها.. ونوري السعيد مثلا عمل من اجل العراق ولكن برؤية خاطئة وهي الاعتماد على بريطانيا باعتبار أن العراق كان بلدا ضعيفا ولا بد له من الاستناد إلى دولة كبرى .. وبريطانيا كانت في عهده دولة عظمى .
س) ضاع مفهوم المقاومة والجهاد في تداعيات الاحتلال وسط أمور وملابسات كثيرة ، كيف تنظرون إلى مفهوم المقاومة وجدوى مقارعة المحتل عبرها ؟
ج) الاحتلال هو احتلال وبكل المقاييس لا بد للشعب العراقي من المقاومة والمقاومة أنواع وللمقاومة أساليب ووسائل .. ولكل فعل رد فعل مساو له في القوة معاكس في الاتجاه .. وللأسف نحن بحاجة إلى استراتيجية تعيننا في الخروج من مأزق الاحتلال.. وهذا يتطلب (رجال دولة) يعملون من اجل الوطن ويضعون الوطن في حدقات عيونهم وتكون مصلحة (الوطن) في مقدمة أهدافهم لا (سياسيين ) يتعاملون مع الواقع بشكل آني .
س) منذ 9نيسان 2003 ولغاية تاريخ اليوم حقق الاحتلال حالة اللاتوازن والانكسار التي كانت ضمن أجندته ، كيف الخروج من مأزق الاحتلال ؟
ج) أسئلة لا تزال تشغل الحياة والفكر في العراق ، أبرزها كيف نخرج من مأزق الاحتلال ؟ وكيف ننهض ؟ وكيف نتقدم ؟ وكيف نسعد شعبنا؟ وكيف نكون في مصاف الناس المتمدنين ؟ وكيف وكيف.. وفي العراق منذ عصر النهضة في القرن 19 رجال عملوا من اجل النهوض .. سواء في الشعر أو الأدب أو الفلسفة أو الدين أو السياسة أو التعليم أو الاقتصاد .. العراق بلد الإبداع وفيه من المبدعين ما لا يعد ولا يحصى واعتقد أنهم قادرين على إنجاز مهام التحرر والبناء والتقدم .
س) المشاريع القومية التي دخلت في منطق العنصرية ، هل سببت الشرخ في المشروع القومي النهضوي ، كيف التصدي لهذا؟
ج) النهضة كانت وراءها القومية وكان وراءها الدين وكان وراءها الاقتصاد وكان وراءها الحرية . الثقافة العربية ثقافة أصيلة ، وثقافة علمية، وثقافة عصرية ،وثقافة عقلية والعيب هو في المثقفين أو في بعضهم .. وكما يقول الشاعر :
يقولون الزمان به فساد وهم فسدوا وما فسد الزمان
الزمان هو الزمان والفساد في الأشخاص .. الثقافة تحتاج الخصوصية، وتحتاج السلفية، وتحتاج الحداثة .. والثقافة إذا لم تستند على السلف لا جذور لها والأمة بدون تاريخ ليس لها ذاكرة .. والتبعية أكذوبة، فالمثقف لا يمكن أن لا يكون إلا تقدميا ، ولا يسمى المثقف مثقفا إلا إذا كان ذو حس تقدمي، ونظرة متطورة إلى الحياة والكون والمجتمع لأنه مسكون بروح التغيير والتغيير لا يمكن إن يكون إلى الوراء ..!!
س) المعاناة التي برزت هي الأمراض المستعصية التي تعلق بها الوضع السياسي والمجتمع العراقي وهذا موقف سلبي ضد واقع الثقافة ، ما هو مشروعكم الثقافي وأين وصلتم به خاصة وانتم تمارسون التوثيق والتدوين وكتابة التاريخ ؟
ج) مشروعي الثقافي الحالي هو التاريخ للثقافة في العراق وتياراتها ورموزها وأبعادها وطبيعتها، فلقد أهمل هذا الموضوع من قبل الآخرين وبدأت الآن أركز عليه ولدي كتاب طبع في دار ابن الاثير للطباعة والنشر – جامعة الموصل صدر مؤخرا بعنوان : (تاريخ العراق الثقافي المعاصر) .. الثقافة هي روح الحياة ،وروح التاريخ ولا نستطيع أن نفهم الحياة ونفهم التاريخ إلا بسبر غور الثقافة قصة، ومقالة، وشعرا، ونقدا، وتحقيقا .. والمثقفون هم القوة الديناميكية في المجتمع .. وضمن ما يعرف بالطبقة الوسطى..هم قاطرة التاريخ .
س) العراق منارة الشرق وكان سباقا نحو الانفتاح سواء العربي أم الغربي بما يمتلكه من حضارة وارث تاريخي ، هل تحقق هذا وفق مفهوم العولمة ؟
ج) نعم الانفتاح في كل ألازمان على الآخرين مكسبا،والعرب -في عز عطائهم الحضاري- كانوا منفتحين على الغير وعلى الآخر مثلما يقال واللغة العربية لغة منفتحة تأخذ وتعطي، والانغلاق لا ينسجم مع طبائع العمران بلغة ابن خلدون الفيلسوف والمفكر الاجتماعي العربي الكبير ..
س) الحضارة العربية والمستوى التي حققته إزاء التاريخ ، هل تعثرت وسط التشرذم العربي ؟
ج) نعم التطور الحضاري العربي في أزمة وهناك استبداد وهناك استعباد وهناك ظلم وهناك تشبث بالكراسي وهناك محاولات للتوريث وهناك قمع للحريات .. فكيف يكون التطور وعلى يد من ؟ حتى المثقفين تجري اليوم محاولات لتدجينهم وجعلهم وعاظا للسلاطين .. والسعي وراء المادة هو ما يهم الكثيرين منهم .. مثقف اليوم ،على الأغلب ، مثقف سلطة يسبح ويحمد باسم الحاكم لذلك فهو ليس بمثقف عضوي كما يقول غرامشي ليقرأ المثقفون ما كان يفعله جون بول سارتر .. كان منارة وكان شمعة وكان قائدا وعلى مثقفينا أن ينتبهوا إلى حالهم ويتداركوا ما هم عليه قبل فوات الأوان.. والنهوض لا يكون إلا ذاتيا والتدخل الخارجي لا يساعد على النهضة .. لنحلق رؤوسنا قبل أن يحلقها لنا الآخرون ..
س) التنظير مفردة ضمن الموسوعة الثقافية لها مدلول فلسفي وسياسي ما مدى الحاجة إليها ضمن منطق التاريخ وفهمه ؟
ج) نحن بحاجة إلى كل شيء .. بحاجة إلى التنظير كما أننا بحاجة إلى الفعل .. والفعل بدون تنظير ليس له قيمة .. والتنظير بدون فعل ليس له تأثير .
س) كثر الحديث عن حوار الحضارات بعد الصراع المرير ومن ثم جاءت العولمة لردم الحضارات ، أين وصل هذا الحوار أم هناك مشاريع حداثة أخرى؟
ج) حوار الحضارات ليس جديدا .. الحضارات منذ أن وجدت تتحاور وتتعامل مع بعضها كما يتعامل المرء مع صديقه .. نأخذ ونعطي والمهم هو كيف نعمل من اجل الحفاظ على مصالحنا .. وكيف نسعى في الحفاظ على هويتنا .. والآخرون لا يحترموننا إذا كنا منقادين بل لا بد من إشعارهم بأهميتنا .. بتمسكنا بتقاليدنا وخصوصياتنا وبتعاملنا معهم الند للند .. وبشرط أن نعالج نحن عيوبنا .. وكما يقول الشاعر نزار قباني فان اليهود ما دخلوا من حدودنا بل دخلوا من عيوبنا .. ولا بد من سد الثغرات ومعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية قبل أن نقدم على أي شيء .. وحوار الحضارات وحوار الثقافات وحوار الأديان وحوار المصالح مطلوب .. الحوار أو الجدل مطلوب ومهم والأمم لا تتقدم إلا عندما تحتك مع بعضها وتتحاور وتقتبس وتستفيد من منجزات الآخرين .. وتقارن بين وضعها ووضع غيرها.. هكذا نبدأ النهضة .
س) تركيا من الدول المجاورة للعراق والمتشاطئة معه كذلك هناك قواسم مشتركة ، كيف تنظرون إلى مستقبل العلاقة معها؟
ج) توجهات تركيا نحو العرب اليوم جيدة وممتازة في ظل وجود حكم حزب العدالة والتنمية .. فقادته ورموزه منفتحين على العرب .. لكن العيب هو إننا لازلنا نتوجس من الأتراك .. ولا زلنا نخاف من طرح المشاكل أمام الآخرين .. ولا زلنا غير قادرين على تحديد ما الذي نريده .. هناك إشكاليات مزمنة .. المياه .. الحدود مثلا.. لنجلس مع الأتراك .. ولنتلاحم معهم ، ولنطبع العلاقات ولنسمح لكل الشرائح في المجتمع سواء في العراق أو تركيا أن تتعامل مع بعضها لتفهم بعضها وبهذا نضمن تطوير المصالح ولفائدة الطرفين .
س) جرى الحديث عن اجتهادات في تحديث الإسلام أو حركة التجديد وفق المنظور الحضاري والتطور ألمعلوماتي ، ترى ما هي ظاهرة الإسلام السياسي ، وهل تنجح؟
ج) الإسلام السياسي وقواه ليس جديدا على الساحة العربية ، فمنذ أواخر القرن الثامن عشر كانت هناك حركات دينية سياسية حاولت الإجابة على سؤال لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا .. والدين هو احد محركات المجتمع ولا يمكن تجاوز دوره .. ولكن هناك قوى أخرى .. المشكلة هي في ادعاء كل طرف احتكار الحقيقة .. ونحن نقول أن على كل قوى المجتمع وتشكيلاته أن تعمل من اجل الصالح العام .. وإذا ما قامت بذلك فليس ثمة مشكلة .. كما أن على هذه القوى أن تحصن نفسها من أن تتسرب إليها نزعات التشدد والتطرف .. فالإسلام دين الوسطية ..ودين الرحمة.. ودين المحبة.. ودين السلام .. ولا يمكن إن يكون الإسلام الا ثورة .. ثورة على الظلم ،وثورة على الاستبداد، وثورة على التخلف، ودعوة إلى العدل والمساواة والخير والسلام والقوة والمحبة.
شكرا للأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف على إتاحته هذه الفرص ة لنا للحوار والحديث عن أمور كثيرة نرى أنها تشغل بال قارئنا العزيز .