صديق اسماعيل افندي العمري
تاريخ جمعية البر الاسلامية في الموصل 1928
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
نشطت الحركة الثقافية والاجتماعية في العراق بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة . وفي الموصل تشكل ( النادي الادبي) سنة 1921 ، وهو من تصدر المشهد الثقافي في الموصل من خلال الاهتمام بعقد اللقاءات ، وتنظيم الندوات والقاء المحاضرات والاهتمام بالمسرح وفتح صفوف مسائية لمكافحة الامية واستقبال ضيوف الموصل من الشخصيات العلمية والثقافية العراقية والعربية .
وقد سعى الموصليون الى ان يجعلوا هذا النادي ، واجهة لنشاطهم السياسي وهم الذين شكلوا من قبل جمعية العلم السرية ، وجمعية العهد السرية خلال الحرب العظمى اي الحرب العالمية الاولى ، وبعد الاحتلال البريطاني وظهرت حركات مقاومة سياسية ومسلحة ضد المحتلين والمستعمرين الانكليز توجت بمساهمتهم بالثورة العراقية الكبرى ثورة العشرين 1920 الكبرى .
وبعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة ، وتتويج فيصل ملكا على العراق في آب سنة 1921 ، وانتهاء مشكلة مطالبة تركيا بولاية الموصل سنة 1926 وتأسيسهم حزب الاستقلال العراقي ، وجمعية الدفاع الوطني للاسهام في الدفاع عن عائدية ولاية الموصل وصيرورتها جزءا من المملكة العراقية الهاشمية ، وظهور احزاب جديدة في بغداد ومنها الحزب الوطني بزعامة السيد جعفر ابو التمن وحزب النهضة بزعامة السيد امين الجرجفجي ، اتجهوا في الموصل الى تأسيس الجمعيات الانسانية الخيرية ، ومنها الجمعية التي اريد ان اتحدث لكم عنها الان وهي (جمعية البر الاسلامية ) .
وكان وراء تشكيل هذه الجمعية رجل وطني موصلي معروف هو السيد صديق اسماعيل افندي العمري ، وكان يريد من هذه الجمعية إعانة ضعفاء ومحتاجي الموصل ، والعمل على رعاية الايتام والارامل من الفقراء والمعوزين .
وقد ارخ الاستاذ عبد المنعم الغلامي الباحث والمؤرخ الموصلي الكبير لهذه الجمعية في الجزء الاول من كتابه ( اسرار الكفاح الوطني في الموصل ) والذي صدر ببغداد سنة 1958 .
تأسست جمعية البر الاسلامية يوم 25 من حزيران سنة 1928 ، حين اجتمع صديق اسماعيل العمري مع محمد رؤوف الغلامي محرك النشاط السياسي والثقافي والاجتماعي في الموصل ومع عبد المجيد شوقي البكري الرجل التربوي الوطني المعروف ، واتفقوا على تأسيس الجمعية واستحصال رخصتها من الحكومة ، ووضع منهاج لها .
ثم تمت دعوة عدد من رجالات الموصل المعروفين ليشكلوا الهيئة العامة للجمعية وهم صديق اسماعيل العمري وعبد المجيد شوقي البكري ومحمد رؤوف الغلامي وفريد الجادر وسعيد الصفار ومحمود الحكيم والشيخ عبد الله النعمة ويونس البكري ومحمد الحاج علي النعيمي وسليم الحاج حمو الابراهيم والحاج احمد الحامد وحميد الرزو وهاشم الحاج يونس والشيخ بشير الصقال وعبد الرحمن كركجي ، واجتمعوا عدة اجتماعات ، واعتبارا من يوم 26 حزيران 1928 وبعد الانتهاء من مناقشة منهاج الجمعية ونظامها الاساسي ووقعوه ارسلوه الى متصرفية لواء الموصل للحصول على الرخصة الرسمية .
كان منهاج الجمعية يتألف من (21) مادة منها " ان غاية الجمعية إسعاف الفقراء والعجزة وتهذيب اليتامى الفقراء وحماية الاطفال وما يماثل ذلك " وأن مركز الجمعية مدينة الموصل ، ونصت مواد المنهاج على كيفية انتخاب الهيئة الادارية والاشتراكات ومالية الجمعية وان لادخل للجمعية بالامور السياسية ووظيفة رئيس الجمعية ونائب الرئيس وكاتب الجمعية والمحاسب والمعتمد وامين الصندوق وغير ذلك من الامور التي تتعلق بعمل الجمعية وسياقات العمل فيها ونشاطاتها .
وفي يوم 31 من تموز سنة 1928 ، صدرت الموافقة على تشكيل الجمعية واجتمعت الهيئة الادارية في يوم 4 من اب سنة 1928 في دار صديق اسماعيل العمري ، وقررت ان يكون مركز الجمعية مؤقتا في مدرسة الخياط بمحلة الامام ابراهيم واتفق الجميع على اصدار نشرة عامة تحث الناس من اهالي الموصل المسلمين على مناصرة الجمعية واقامة حفل افتتاح يليق بالجمعية .
اقيم حفل افتتاح الجمعية في خان المفتي ، وكان يعد من أجمل خانات الموصل التجارية وكان ذلك يوم الاحد 12 من اب سنة 1928 وقد زين الخان واقيم سرادق للخطابة زين بالرياش والاثاث الفاخر ، ووضعت الارائك والكراسي واسهم تجار الخان في دفع نفقات الاحتفال الذي كان بحضور ورعاية متصرف الموصل انذاك عبد الله الصانع ، وعدد كبير من المدعوين وجماعات من الموظفين والتجار والادباء وعلماء الدين ومن سائر طبقات المجتمع .
وقد افتتح الاحتفال بآيات من الذكر الحكيم ثم بكلمة الشيخ عبد الله النعمة رحب بها بالمتصرف والحاضرين وشكرهم على تلبيتهم الدعوة ودعا الى دعم الجمعية ووضح أهميتها ودورها في المجتمع الموصلي ، وحاجة الناس اليها في وقت لم تمض على الموصل فترة قصيرة على خروجها من الحرب ومشكلة الموصل وملابساتها وكانت كلمته مؤثرة بالحضور .
بعدها اعتلى المنصة السيد صبري محمد الصافي فالقى كلمة الاستاذ عبد المجيد شوقي البكري والذي كان مريضا انذاك ، وبعده القى الشاعر فاضل الصيدلي قصيدة بديعة ، واختتمت الحفلة بآيات من القران الكريم تلاها الملا احمد حموشي .
ومن اجل جمع مبالغ مالية للجمعية ابتدأ الاكتتاب فتبرع المتصرف بمائة روبية مقدما ( الروبية عملة نقدية هندية جاء بها الانكليز بعد احتلالهم العراق 1914-1918 وتساوي 75 فلسا عراقيا ) وبخمس روبيات شهريا ودارت اواراق الاكتتاب على الحاضرين الذين تبرعوا بما سمحت به اياديهم .
داوم اعضاء الجمعية بعد ان اختاروا من بينهم خمسة اشخاص لإاستقبال الزائرين والمهنئين في مركز الجمعية بمدرسة الخياط واخذ هؤلاء يداومون في المقر كل ايام الاسبوع وصباحا ومساءا وهم محمد رؤوف الغلامي وسعيد الصفار وصديق العمري ويونس صدقي البكري وعبد المجيد شوقي البكري .
حاولت الجمعية فتح قنوات مع اصحاب الحرف ودعتهم لمساعدة الجمعية .كما فتحت الجمعية في 27 من تشرين الاول 1928 ميتما اسلاميا انتظم فيه اول الامر قرابة عشرين يتيما واستؤجرت للميتم بناية في محلة الخاتونية واتخذ القسم الخارجي للميتم مركزا جديدا للجمعية وافتتح الميتم باحتفال تحدث فيه الشيخ عبد الله النعمة ، ومعتمد الجمعية وكاتبها السيد رؤوف النقيب وقد استعرض السيد رؤوف النقيب أعمال الجمعية ونشاطاتها وحث الحضور على الاخذ بيدها ودعمها وشد ازرها .
لقد خطت جمعية البر الاسلامية بعد تشكيلها ، خطوات واثقة في سبيل تحقيق اهدافها وتمكنت من الحصول على دعم شهري من صندوق بلدية الموصل الخاص بالفقراء والمحتاجين وقدره مبلغ (200) روبية شهريا وقبل انتهاء الدورة الانتخابية للهيئة الادارية الاولى بلغ عدد الايتام الذين ضمهم الميتم الاسلامي التابع للجمعية نحو سبعين يتيما .
لقد نجحت جمعية البر الاسلامية في مسعاها الطيب واستطاعت ان تحصل على دعم مالي جديد من مديرية الاوقاف العامة فضلا عن ما كان يصلها من عطايا من المحسنين ومن اعضاء الجمعية والمؤازرين .
كما استطاعت الجمعية بما توفر لديها من مال ان تشتري من البلدية دارا للميتم المذكور ، وكان انذاك البناية الموجودة في تل اكناس بباب سنجار وكانت من قبل وايام العهد العثماني مدرسة للصنائع ثم صارت بعد ذلك مقر سكنى للاجئين الفلسطينيين .
ثم تمكنت الجمعية من تشييد بناية جديدة وفخمة للميتم على أرض مساحتها (5200) متر مربع بالقرب من مرقد الامام يحيى بن القاسم القريب من باشطابيا وقد قامت وزارة المالية بتمليك الجمعية بناية هذا الميتم .
وقد بلغت تكاليف البناية مبلغ ( 872و15 ) دينارا وجرى افتتاحها في 22 من شباط سنة 1957 في احتفال كبير برعاية وكيل متصرف الموصل انذاك الاستاذ صبحي علي وعند ذلك الافتتاح جاد المدعوون الى هذا الاحتفال بمبالغ كبيرة ساعدت الجمعية جمعية البر الاسلامية وميتمها على تطوير نشاطاها وتوسيع قاعدتها لخدمة اليتامى والارامل والفقراء والمعوزين .
وهكذا هم اهل الموصل دوما يدهم ممدودة الى فعل الخير يتقدمهم عدد كبير من رجالات الموصل ونسائها وهم ممن اعتادوا على فعل الخير واليوم في الموصل جمعيات نشير اليها بالبنان وقد نجحت في استقطاب اليتامى والارامل والفقراء ومن هذه الجمعيات (جمعية فعل الخيرات ) التي سبق ان تحدثت عنها في واحدة من حلقات برنامجي هذا برنامج ( موصليات ) والذي اقدمه عبر قناة ( الموصلية ) الفضائية .
______________________________
*صورة السيد صديق اسماعيل العمري صاحب فكرة انشاء جمعية البر الاسلامية في الموصل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق