الأربعاء، 18 ديسمبر 2019

انتشار الكثلكة في الموصل ا.د. ابراهيم خليل العلاف



انتشار الكثلكة في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
كثيرا ما يسألني البعض عن دخول الكثلكة الى الموصل والعوامل التي ساعدت على ذلك واقول جوابا على هذا السؤال ان الديانة المسيحية انتشرت في الموصل منذ بواكيرها الاولى في غضون القرن الاول الميلادي وتتوفر لدينا الكثير من السجلات التي تشير الى ان الموصل كانت واحدة من الاراضي الواقعة في ما كان يسمى ببلدان المشرق التي عرفت الديانة المسيحية وان فيها من زار القدس في فلسطين ليتعرف على موطن السيد المسيح عليه السلام والتبرك بها .
كما ان الكتب التي تناولت اخبار الرسل والحواريين تقول بوجود عدد من العراقيين بين الجماهير التي احتشدت في القدس لمناسبة عيد الخمسين بعد صعود السيد المسيح الى السماء بعشرة ايام وان هؤلاء استمعوا الى خطاب بطرس الرسول وانهم اهتدوا الى المسيحية كما يقول المطران صليبا شمعون مطران الموصل وتوابعها للسريان الارثودكس الاسبق في كتابه الموسوم ( تاريخ ابرشية الموصل السريانية ) والمنشور سنة 1984 .
ويقينا ان هؤلاء عندما عادوا الى بلادهم نقلوا تفاصيل تلك الاحداث الى مواطنيهم ملقين بذلك او بذور الايمان .
لكن النقطة المحورية في هذا المجال هي وصول طلائع المبشرين الى الموصل وبعض مدن المشرق وفي مقدمة هؤلاء ( أدي البشير ) شقيق مار توما الرسول ثم لحق به تلميذه ومساعده في التبشير والدعوة (أجي ) فالتلميذ (ماري ) .
وكما هو معروف فإن توما الرسول نفسه مر بالموصل وهو في طريقه الى الهند ونادى برسالة الانجيل وفي تكريت خاصة اقام اماكن العبادة وفي الموصل وقد اشار الى ذلك المؤرخ اوسابيوس القيصري من القرن الاول الميلادي وعلى هذا النحو تكونت نواة المسيحية في بلاد المشرق واخذت رقعتها بالاتساع والانتظام وفي الربع الاول من القرن الثالث الميلادي انتظمت كنيسة المشرق ونشأت فيها عدة ابرشيات ومنها ابرشية الموصل .
وبغض النظر عن الانشقاقات التي حدثت ، فإن ابرشية الموصل تأسست رسميا سنة 628 ميلادية وبرزت شخصيتها القوية منذ تأسيسها تحت رئاسة (المطران خريسطفورس) المقيم في دير مار متي ويعتبر الشهيد برسهدي اول اساقفتها المعروفين وكان يلقب بمطران الدير ونينوى والموصل ومن الطريف ان مكانة الموصل كمركز من مراكز المسيحة الاولى كانت تبرر تسميتها ب (مدينة الله ) كما دعيت ايضا ب( المُحبة للمسيح) وجاء ذلك في ما سمي بيان العهد الذي اصدره بعض الاساقفة مع رهبان دير مار متي وبعض ابرشيات نينوى والموصل والمرج وباعذرا الذين اجتمعوا في الموصل على اثر خلاف نشب بين مفريان تكريت ورئيس دير مار متي وقرروا رسامة الراهب سرجيس التكريتي اسقفا وتعهدوا بعدم التخلي عنه .
وهكذا كانت الموصل وما تزال جزءا من ابرشية دير مار متي ونينوى منذ اتخذت سنة 1153 مقرا لكرسي مفريانية المشرق بصورة رسمية .
الذي يهمني هنا ان اقوله هو كيفية دخول الكثلكة الى الموصل ولهذا الموضوع قصة طويلة ارتبطت بوضع الوحدة المسيحية وتركزها ولكن الحديث في التاريخ لابد ان يجرنا الى تناول هذه المسألة واقول مع المطران صليبا شمعون ان كنيسة المشرق ظلت امينة على معتقداتها الايمانية الاولى وكانت خاضعة للكرسي الانطاكي بإدارتها وشؤونها الروحية منذ اواسط القرن الخامس الميلادي حين ظهر المذهب النسطوري ونما حتى فاق عدد تابعيه الارثودكسيين .
وقد ظل المذهبان السريانيان ( الارثودكسي) و( النسطوري ) المذهبين الوحيدين السائدين في بلاد المشرق .ويقول المؤرخ الكبير الصديق الاستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في كتابه الموسوم : (الموصل في العهد العثماني فترة الحكم المحلي اي الجليلي 1726-1834 ) والمطبوع في النجف الاشرف سنة 1975 وهو بالاصل رسالته للماجستير التي قدمها الى كلية الاداب – جامعة القاهرة 1973 : " لقد بقي نصارى الموصل كغيرهم من نصارى العراق منقسمين في ولائهم الديني بين الكنيستين القديمتين السريانية النسطورية والسريانية الارثودسية بيد ان خضوع الموصل للسيطرة العثمانية سنة 1516 وتوفر حد ادنى من الاستقرار والامن ادى الى تهيئة الظروف الملائمة الى احدث حركة حضارية وهي نجاح البعثات التبشرية الاوربية بمد نفوذها الديني الى الموصل والى سكانها من النصارى والبدء بتحويلهم الى الايمان بتعاليم الكنائس الغربية القائمة ومن هذه البعثات الكبوشيون والدومنيكان وقد نجح الكبوشيون في فتح مركز لهم في الموصل سنة 1636 وبذلك تكونت النواة الكاثوليكية الاولى في الموصل ومنذ منتصف القرن السابع عشر ضم كرسي بطرياركية القوش النسطوري الوراثي الى الكنيسة الارثودسية .
اما اليعاقبة فيشير المؤرخ روفائيل بابو اسحاق في كتابه ( تاريخ نصارى العراق) الى انهم شرعوا خلال الفترة ذاتها في التقرب من الكنيسة الكاثوليكية حتى تم لهم اختيار بطريارك كاثوليكي خاص بهم .
نعم شهدت الفترة التي سبقت تسلم الاسرة الجليلية حكم الموصل سنة 1726 ميلادية ظهور انشقاقات طائفية خطيرة شملت اتباع الكنيستين الرئيسيتين : النسطورية واليعقوبية لكن لابد من ان اقول ان المتثكلكين تميزوا عن اخوانهم من الذين ظلوا متمسكين بعقائدهم القديمة بتسميات جديدة فتسمى السريان النساطرة المتكثكلين وبإقتراح من البابا اوجينيوس الرابع سنة 1445 كلدانا بإعتبار ان هذا هو اسمهم الاصلي قبل اعتناقهم النصرانية في حين عرف اليعاقبة الكاثوليك بالسريان فقط .
اما بالنسبة الى دخول الكثلكة في صفوف ابناء الكنيسة السريانية الارثودكسية في العراق عامة والموصل خاصة فقد كان ذلك في غضون القرن الثامن عشر على يد المرسلين اللاتين والدومنيكان الذين جاؤوا الموصل بصفة مبشرين نحو سنة 1750 واسسوا لهم مركزا في الموصل واخذوا يقدمون الخدمات التعليمية والصحية والثقافية للاهالي اهالي الموصل دون تفريق بين المسلمين والمسيحيين .
ومن الطريف ان يتحدث المؤرخ الموصلي الكبير ياسين العمري عن دخول الكثلكة الى الموصل فيقول انه في سنة 1779 دخل مذهب جديد يسمونه (المسيحي) ويراد به الشخص الذي يتكثلك تمييزا له عن الذين بقوا على عقائدهم القديمة وهم ( النصارى) وان سبب ظهوره الباتري اي المبشر روفائيل ويوسف الافنص الباتري ويوسف بن الياس التاجر الموصلي وكان المبشرون الكاثوليك وهم من الاباء الدومنيكان قد قدموا الموصل لغرض التبشير بالكثلكة في منتصف القرن الثامن عشر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...