العراق في الاستشراق الحديث
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
وابتداءَ لابد لي أن اشكر (إتحاد الناشرين العراقيين ) ممثلا بالاخ الدكتور عبد الوهاب الراضي رئيس الاتحاد - رئيس اللجنة المنظمة لمعرض بغداد الدولي للكتاب 2019 على دعوته لي للحديث عن ( العراق في الاستشراق الحديث ) .وانا سعيد جدا بهذه الدعوة ، وشاكر وارجو ان اوفق في ان اقدم لكم جانبا من حالة العراق في كتابات المستشرقين المعاصرين .
وأود القول ، وبدون الدخول في تفاصيل تاريخ الاستشراق ، ومدارسه ، واهدافه ، وصلاته الاكاديمية والسياسية ، أن الحركة الاستشراقية العالمية كان لها اثرها في دفع الدراسات التاريخية الى الامام ، شئنا ام ابينا اتفقنا مع اهدافها أم اختلفنا . وهكذا ، ومنذ قرابة 100 سنة على الاقل ، وجدنا المستشرقين يقدمون الجديد مما نفع وينفع تاريخنا العريق سواء قبلنا بما يطرحه المستشرقون من افكار ورؤى وتفسيرات أم رفضناه .
والنقطة التي أود الوقوف عندها ان الدراسات الاستشراقية الحديثة ، لا بل المعاصرة ، تقترب من الدراسات التاريخية العلمية المنهجية اكثر مما تقترب من ما عرفناه من دراسات استشراقية تفرغت لمعالجة تاريخنا العربي والاسلامي في عصوره الزاهرة والمظلمة .
ويقينا انكم معي تعرفون السبب وهو ان التاريخ كعلم قد تطور تطورا ملحوظا خلال السنوات الماضية .وساعدت الثورة المعلوماتية ، وتطور وسائل التواصل الاجتماعي على اشاعة المعرفة التاريخية ، وتوسعها وتوجه كثير من كتاب الشرق والغرب نحو الدراسات التاريخية المعاصرة التي كثيرا ما تعتمد المنهجية العلمية التاريخية في الوصول الى الحقيقة التاريخية . ومن ثمار هذا التوجه اننا بدأنا نجد بين ايدينا كتابات كثيرة وباحثون ومؤرخون وكتاب يهتمون بنا اكثر من أي وقت مضى .
ومن حسن الحظ ان ما ساعد على ذلك ان الجامعات الغربية والشرقية باتت تؤسس بين ظهرانيها ، مراكز بحوث شرق اوسطية تهتم بالبلدان العربية وبتاريخها وبأوضاعها . كما تهتم بمشكلات الشرق الاوسط وشمال افريقيا على حد تعبير هذه الدوائر .
والشيء الاخر الذي أود أن اشير اليه هو ان دوائر المخابرات والاستخبارات الغربية لم تعد تخفي اهتمامها بدراسة اوضاع الوطن العربي والشرق الاوسط والتحديات التي يواجهها ، والمشاكل الذي تعترضه . وقد ازداد الاهتمام بدراسة هذه المشاكل والتحديات منذ المتغيرات التي وقعت في اواخر السبعينات واوائل الثمانينات من القرن الماضي ، والمتمثلة بإندلاع الثورة الاسلامية في ايران ومجيء صدام حسين الى السلطة والحرب العراقية –الايرانية واجتياح العراق للكويت ومن ثم حرب الخليج الثانية والحصار واخيرا الاحتلال الاميركي للعراق في التاسع من نيسان سنة 2003 واسقاط نظام البعث وصدام حسين .
لقد كان العراق الحديث ، موضوعا لكثير من الدراسات التي اقول انا عنها انها استشراقية ولكن ليس بنفس مواصفات الدراسات الاستشراقية التي نعرفها ، وقد اهتمت بالاسلام والدولة العربية الاسلامية منذ ظهور الاسلام وتكوين دولة الرسول وحكم بني امية وبني العباس وما بعد ذلك وحتى سقوط الدولة العثمانية .
ويقينا انني لااستطيع في هكذا عجالة ان استعرض معكم كل كتابات المستشرقين الذين اهتموا بتاريخ العراق واوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فهي كثيرة جدا . وقد لااستطيع ان احدد أيا من هذه الدراسات يقع في خانة الاستشراق وايا منها لايقع في خانة الاستشراق بالمفهوم الذي تريدونه ، وتركزون عليه في ندوتكم المباركة هذه لكني أرى ان العراق ، وهو بلد محوري في الاقليم والعالم يتمتع بتاريخ عريق ، وبموقع ستراتيجي ، وبثراء اقتصادي وبشري كان موضوعا لكتابات كثيرة جدا .
وقد لا احصر نفسي بمن كتب عنه من الغربيين بل ان العراق ايضا ، كان موضوعا لإهتمامات مؤرخين وباحثين من الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا الحالية . كما كان موضوعا لكتابات مؤرخين وباحثين من اليابان ومن الغرب ومن اسرائيل ومن تركيا ومن ايران لابل من كل بلدان الدنيا .
ولااريد ان ادخل في تفاصيل من كتب عن العراق من الانكليز الذين احتلوه خلال الحرب العالمية الاولى 1914-1918 ، ولااريد ان ادخل في تفاصيل من كتب عن العراق من الفرنسيين الذين كانوا قد وضعوا الخطط لاقتسامه مع الانكليز والروس سنة 1916 في اتفاقية سايكس –بيكو – سازانوف ، فما كتب عن العراق كثير وكثير والهدف هو ان يعرفوا العراق ، ويعرفوا تاريخه ، ويعرفوا رموزه ويتعلموا كيف يحكموه .
فقط اقول ان المستشرقين والمؤرخين البريطانيين ومنهم ارنولد توينبي ، وهملتون كب وغيرهما وهم من كان على صلة بالدوائر المخابراتية ، وضعوا كتبا صغيرة ( Hand Book)) توضع في ايدي الجنود عن العراق موقعه ، وضعه الاقتصادي والسياسي ، وتقسيماته الادارية ، وعشائره ، ورموزه . كما ان الضباط السياسيين الانكليز ومنذ مطلع القرن العشرين الفوا الكتب عن العراق :لوريمر – لونكريك – هالدين – هاي – ادموندز – سون – ارنولد ويلسن –هنري دوبس - المس بل – ايفنس – دانا ادمز شمدت – الميجر نوئيل- ادامسون –باركر –بولارد –كاندلر –داون كلوب – لورانس – هاملتون – لوك –ارنست مين – اليزابيث مونرو – ستافورد .
كما وضعت اطروحات للدكتوراه عن العراق منذ الثلاثينات من القرن الماضي ونذكر - كمثال - اطروحة فيليب ويلارد ايرلند (العراق :دراسة في تطوره السياسي ) .
وبنفس القوة والاهتمام ، كتب الفرنسيون عن العراق وممن كتبوا (فوصيل ) القنصل الفرنسي وبيرنارد فيرنييه عن العراق اليوم 1963 ، واندريه نوسشي والبروفيسور جاك بيرك والبروفيسور اندريه ريمون وآخرون .كما كتب الروس ومنهم لوتسكي ، وكوتولوف ، وباسيل نيكيتين ، وخالفين وفلاديمير مينورسكي .
واليوم اليابانيون يكتبون وابرز مثال ما تكتبه المؤرخة الكبيرة كاكو ساكاي .
اريد فقط ان انوه عن بعض من اجد ان لكتاباتهم عن العراق اهمية كبيرة . ومن ابرز هؤلاء بيتر سلكليت ، وفيبي مار ، واريك ديفز ، وكاكو ساكاي .
ففيما يتعلق بالاستاذ الدكتور بيتر سلكليت اقول ان هذا الرجل ، مؤرخ بريطاني متخصص بتاريخ العراق الحديث والمعاصر واطروحته للدكتوراه في كلية سانت انطوني بجامعة اكسفورد كانت بعنوان ( بريطانيا في العراق 1914-1932 )
" Britain in Iraq 1914-1932 وقد اعطاني نسخة منها ولما تزل مطبوعة على الالة الكاتبة وبعد سنوات نشرتها دار اثيكا في لندن 1976 في كتاب لدي نسخة منه عمل بيتر سلكليت في جامعة درهام وسافر الى الولايات المتحدة وصار استاذا في بعض جامعاتها ....له كتاب : العراق منذ 1958 .. من الثورة الى الدكتاتورية " .فضلا عن كتب ودراسات ومقالات اخرى .شاركته زوجته مارلون سلكليت في تأليف بعض كتبه وكانت متزوجة من عراقي يساري توفي وترك ولدين هما مروان وشعلان وقد علمت بأنها توفيت في العام الماضي .
اما الاستاذة الدكتورة فيبي مار ، فهي لمن لايعرفها بروفيسورة متخصصة بتاريخ العراق المعاصر لها كتب كثيرة عن العراق .. وقد عاشت طويلا في العراق وهي زوجة الاستاذ الدكتور لؤي يونس بحري استاذ العلوم السياسية المعروف في جامعة بغداد سابقا ويعيشان في اميركا ...فيبي مار تعمل حاليا كمستشارة لأبحاث الشرق الاوسط في احد المراكز البحثية المعنية بالدراسات الانسانية في الولايات المتحدة وقد زارت العراق في العام 2014 والتقت في جامعة الكوفة رئيس الجامعة الاستاذ الدكتور عقيل عبد ياسين مع الدكتورة فيبي مار وتبادلت معه سبل التعاون في مجال البحوث المتعلقة بدراسات التاريخ وفتح آفاق التبادل العلمي و تنفيذ البحوث العلمية مع الباحثين و العلماء الأمريكيين.
وأعربت الدكتورة فيبي مار عن اهتمام المراكز البحثية في الولايات المتحدة في تكثيف التعاون مع الجامعات العراقية لدراسة التاريخ العراقي لما يمثله من أهمية بالغة على مستوى التاريخ القديم و الوسيط و التاريخ المعاصر .
ويبقى الاستاذ الدكتور اريك ديفز Eric Davis ، واقول عنه انه الاستاذ المتخصص بتاريخ العراق المعاصر .. الاستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة دنفرز بولاية نيو جرسي ، إريك ديفز أستاذ العلوم السياسية حالياً في جامعة روتجرز، وقد عمل مديراً لمركز دراسات الشرق الأوسط في هذه الجامعة. والذي كتب كثيرا عن العراق وزاره لاول مرة ومعه الدكتور بيتر غران وتابعت مجلة "ألف باء " في عددها الصادر في تموز 1980 زيارة الدكتور اريك ديفز الذي دُعي مع مؤرخ اميركي اخر مهتم بتاريخ العراق هو "بيتر غران "استاذ التاريخ الاسلامي المشارك في جامعة "تمبل " بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الاميركية وكليهما ايريك ديفز ، وبيتر غران يتحدثان العربية وقد وصلا العراق بناء على دعوة من وزارة الثقافة والاعلام وكليهما يرفضان الصهيونية ويتعاطفان مع القضايا العربية .يقول الدكتور بيتر غران اننا لانستطيع فهم تاريخ العرب بصورة واضحة الا عن طريق العرب انفسهم ومعايشتهم والاطلاع على حياتهم كي نعطي الصورة الصادقة للشباب الاميركي وبأدة دامغة لكي يتمكنوا من رد الادعاءات المشبوهة في اميركا واوربا الغريبة المضادة للعرب .
أما اريك ديفز فقال اثناء زيارته للعراق 1980 :" قبل ان ابدأحديثي لابد ان اشير الى ان هناك عملية اكاديمية :دراسات حول الشرق الاوسط "تهتم بنشر المقالات ذات الرؤية الجديدة والمخالفة لرؤية المستشرقين القدامى ومن يسير على خطاهم في اوربا واميركا .وتابع الدكتور اريك ديفز حديثه قائلا :"اننا نعقد حلقات دراسية فصلية في الجامعة الاميركية والمراكز الثقافية نستطيع من خلالها ان نثبت للشباب الاميركي اراء موضوعية متفهمة للقضية العربية وايضا تفضح الحركة الصهيونية وتفضح طبيعة الاستعمار الذي يشوه تاريخ العرب .وعن هدف الزيارة قال اريك ديفز :"اننا بصدد اصدار كتاب عن العراق والتحولات فيه "وكتاب عن "سياسة النفط في العراق واثرها في التنمية القومية " ومعرفة وجهة نظر العرق من ناحية التكامل الاقتصادي العربي ..وغاية اخرى هي معرفة نشاطات ونتاجات الاساتذة والمفكرين العراقيين ومعرفة اتجاهاتهم الفكرية في كتابة التاريخ والادب في العراق " .وقد اجرى الحوار مع هذين المؤرخين والباحثين الاميركييين الاستاذ عبد القادر حافظ .ومما يلحظ ان علاقة الدكتور غران والدكتور ديفز ظلت مستمرة بالعراق حتى ان الدكتور ديفز زار العراق سنة 2014 والقى محاضرات في جامعة الكوفة وفي اتحاد الادباء بالنجف الاشرف وقد كتبت عن ذلك في حينه
تتركز بحوث اريك ديفز على دراسة العلاقة بين سلطة الدولة والذاكرة التاريخية في العراق الحديث، والاقتصاد السياسي والتصنيع ، والأيديولوجية والأسس الاجتماعية للحركات الراديكالية الدينية ، وتأثير الثروة النفطية في الدولة والثقافة في البلدان العربية المنتجة للنفط.
كما عمل في مؤسسات أكاديمية وبحثية عديدة، منها: معهد هوفر، جامعة ستانفورد، معهد الدراسات المتقدمة في برلين، جامعة برينستون، مركز التحليل النقدي للثقافة المعاصرة، جامعة روتجرز، مركز روتجرز للتحليل التاريخي.
أصدر ديفس عدة مؤلفات، أبرزها فيما يتعلق بالعراق كتابه المهم (مذكرات دولة: السياسة والتاريخ والهوية الجماعية في العراق الحديث) صدر عن مطبعة جامعة ( كاليفورنيا، 2005)، وقد صدرت ترجمته العربية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.زار العراق اكثر من مرة منها زيارته للنجف الاشرف في شباط 2014 والقاءه محاضرة في اتحاد أدباء النجف بعنوان " عراق ما بعد 2003.. هل من رؤية عامة للدولة؟ وكيف السبيل لبلوغها؟ .
واخيرا لابد ان اشير الى المؤرخة اليابانية الاستاذة الدكتورة البروفيسورة كيكو ساكاي مؤرخة يابانية تحب العراق ، وهي متخصصة بتاريخه الحديث والمعاصر وبتاريخ الشرق الاوسط ترتبط بعلاقات طيبة مع عدد من المؤرخين العراقيين وقد زارت العراق والقت محاضرات باللغة العربية في جامعتي بغداد والمستنصرية عن (ثورة 1920 ووجهة نظر الدكتور علي الوردي عالم الاجتماع العراقي الكبير عنها ) .. والبروفيسورة اليابانية كيكو ساكاي التي نحتفي بها اليوم عميدة مركز دراسات الازمات الدولية في جامعة تيشبا في طوكيو .
في سنة 2018 اصدرت كتابا بعنوان : ( محاولة لتحليل العالم المعاصر .. اللا تسامح في الشرق الاوسط".وفي هذا الكتاب ناقشت البروفسورة ساكاي اوضاع الشرق الاوسط وتحدثت في الصفحة المرفقة عن كاتب هذه السطور البروفسور ابراهيم العلاف مشيرة الى أنه من اشهر المدونين العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي ، وانه بدأ التدوين بعمر الثانية والستين منذ عشر سنوات ، ولم يتوقف عن النشر حتى الان. ويعتقد البروفيسور العلاف انه يمكن احداث التغيير في العراق من خلال الانترنت بغض النظر عن الجنس والعرق او الطائفة.
والبروفيسورة كيكو ساكاي من اوائل المؤرخين الذين كتبوا عن سقوط الموصل سنة 2014 بيد تنظيم داعش وكان مقالها بعنوان ( العراق: خطورة سقوط الموصل ) ترجمته الاستاذة ميسرة عفيفي ونشرته في موقع (دنيا الوطن ) والرابط هو : https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/…/06/15/333119.html وقالت المترجمة ، وهي تقدم البروفيسورة كيكو ساكاي انها ولدت في سنة 1959، وتخرجت من جامعة طوكيو القومية، ثم حصلت على ماجستير من جامعة درهام البريطانية مركز أبحاث الشرق الأوسط والإسلام. عملت كباحثة في مركز أسيا للدراسات الاقتصادية، وأستاذة في جامعة طوكيو للغات الأجنبية، وتعمل حاليا كأستاذة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية والقانون في جامعة تشيبا القومية. تعتبر البروفيسورة ساكاي أكثر اليابانيين معرفة وتخصصا في الحالة العراقية سياسيا واقتصاديا.
عملت لفترة كباحثة في السفارة اليابانية في بغداد في منتصف الثمانينات من القرن العشرين، ودرست لفترة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة كباحثة زائرة في منتصف التسعينات. وقد ابتدأت مقالها بالقول : " بدأ - ما كنت أخاف وقوعه - يقع بالفعل...الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) "ISIS"، شديدة التطرف - لدرجة قطع علاقتها مع تنظيم القاعدة نفسه - بدأت في اجتياح العراق ووضعت يدها على الموصل ثالث أكبر المدن العراقية. وكانت داعش قد أنشأت لها معاقل بالفعل في الفلوجة غرب العراق منذ بداية هذا العام، ودارت بينها وبين الجيش العراقي مناوشات ومعارك متكررة، ثم حاولت في بداية شهر حزيران - يونية 2014 اجتياح مدينة سامراء التي تبعد حوالي 125 كيلومتر شمال بغداد، موسّعة بذلك من نطاق عملياتها القتالية بسرعة كبيرة. وفي العاشر من هذا الشهر(10-6-2014 ) وصل الأمر إلى سقوط مدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى التي يوجد بها مقر المحافظة. وقد أحكمت الجماعات المسلحة التابعة لداعش سيطرتها على المراكز الحيوية في المدينة مثل مقر مجلس وبلدية المدينة والمطار. أما قوات الشرطة والجيش العراقيين، التي من المفترض أن تحمي المدينة ، فقد هرب جنودها بأجسادهم بعد أن خلعوا زيهم العسكري، وأما سكان الموصل المدنيين الذين فقدوا من يحميهم فقد حارت بهم السبل وهم يحاولون الهرب خارج حدود المدينة وحدود المحافظة. ويقال إن عدد النازحين المدنيين وصل إلى ( 450 ) ألف شخص. ولكن رغم ذلك إقليم الحكم الذاتي الكردي المجاور الذي اندفع إليه النازحين طلبا للأمان، أغلق أبوابه في وجوههم في محاولة مستميتة لتجنب التورط في الصراع
" .
ثم قالت :" بدأ الوضع الأمني في العراق يزداد سوءا مع الوقت بعد جلاء قوات الاحتلال الأمريكي في عام 2011، ولكن منذ بداية هذا العام وصل متوسط عدد القتلى من المدنيين إلى حوالي 50 شخصا في اليوم الواحد. وبالمقارنة مع متوسط عدد القتلى في اليوم الواحد في عامي 2011 – 2012 - الذي كان حوالي 10 أشخاص - نجد أن عدد القتلى تضاعف خمسة مرات. علاوة على ذلك في الأسبوع الأول فقط من شهر حزيران -ي ونية هذا (2014 ) ، تخطى متوسط عدد القتلى حاجز الثمانين شخصا، وإذا استمر الحال على ذلك، فمن السهل توقع أن يعود الوضع القهقري إلى ما كان عليه بين عامي 2006 – 2007 حيث شهدت البلاد أسوء حرب أهلية في تاريخها والتي كان متوسط عدد القتلى في اليوم الواحد وقتها يفوق المئة شخص" .
وتساءلت :لماذا وصل الأمر إلى هذا الحال؟! واجابت تقول :" من المفترض أن رغبة الحكومة العراقية والجيش الأمريكي في إنهاء الحرب الأهلية واستخدامهما كل الوسائل المتاحة، قد أنهت بشكل كبير النشاطات القتالية ل(داعش) في عام 2008. ففي محافظتي الأنبار ونينوى غرب العراق حيث كانت الجماعات المسلحة تقاوم الجيش الأمريكي بشراسة، نجحت الحكومة في قطع الطريق على وجود أي علاقة تعاون بين المواطنين وبين الجماعات المسلحة من خلال دعم وتقوية الجماعات العشائرية المتعاونة مع الحكومة العراقية والتي أطلق عليها اسم مجالس الصحوة. تلك الطريقة في "استمالة قلوب المواطنين"، أُطلق عليها وقتها اسم "معادلة بتريوس"، لدرجة أن يقال عنها إنها أكثر الأمثلة نجاحا لإنهاء الجيش الأمريكي لحروبه.ورغم ذلك، لماذا عادت الحرب الأهلية لتشتعل من جديد؟!
وختمت مقالها بالقول :" ولكن مقارنة بأحوال محافظة الأنبار تلك، فإن سقوط الموصل هذه المرة يشكل كارثة في منتهى الخطورة. والسبب أن سكان الموصل ... ورغم وجود إحساس بالغبن وعدم الرضا تجاه الحكومة، إلا أنهم ظلوا مشاركين في العملية السياسية من خلال النظام النيابي والبرلمان. بخلاف السياسيين ... في محافظة الأنبار الذين تم إبعادهم." .
ولكيكو ساكاي دراسة بعنوان : (سياسة اليابان تجاه العراق قبل 2003 رؤية يابانية )
وفيه قدمت عرضا لما كانت عليه السياسة الخارجية اليابانية تجاه العراق منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي: " The Percepetion Gap and Its Influence on Diplomatic Policies .Arab Studies Quarterly (ASQ fall 2001 Vol 23 .No.4 pp 117-136
والبروفيسورة اليابانية كيكو ساكاي Keiko Sakai المتخصصة بتاريخ العراق المعاصر ولدت في عام 1959، وتخرجت من جامعة طوكيو القومية، ثم حصلت على ماجستير من جامعة درهام البريطانية مركز أبحاث الشرق الأوسط والإسلام. عملت كباحثة في مركز أسيا للدراسات الاقتصادية، وأستاذة في جامعة طوكيو للغات الأجنبية، وتعمل حاليا كأستاذة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية والقانون في جامعة تشيبا القومية. تعتبر البروفيسورة ساكاي أكثر اليابانيين معرفة وتخصصا في الحالة العراقية سياسيا واقتصاديا. عملت لفترة كباحثة في السفارة اليابانية في بغداد في منتصف الثمانينات من القرن العشرين، ودرست لفترة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة كباحثة زائرة في منتصف التسعينات من القرن الماضي زارت العراق وكتبت عنه كثيرا ونوقشت عنها في جامعة بغداد رسالة ماجستير في كلية الاداب -جامعة بغداد بإشراف الاستاذ الدكتور محمود عبد الواحد القيسي قدمها الاخ الباحث ياسر علاء أسود بعنوان ( تطور الدراسات التاريخية العراقية في اليابان :كيكو ساكاي إنموذجا ) لها دراسات عديدة منها ما ضمه كتاب ( العراق واليابان: تاريخ وعلاقات ) الذي ترجمه الدكتور علي حسين حسون والاستاذ الدكتور محمود عبد الواحد القيسي والذي يهمني الاشارة الى الفصل الذي كتبته ونشرته البروفيسورة كيكو ساكاي سنة 2001 عن (تاريخ وتطور العلاقات العراقية -اليابانية : ازمة الفهم المتبادل واثرها على السياسات الدبلوماسية ) وقالت فيه ان سياسة اليابان الدبلوماسية تجاه العراق هي سياسة متغيرة مرتبطة بسياساها تجاه الشرق الاوسط عموما واضافت انه في سنة 1953 ارسلت الحكومة اليابانية اول وفد اقتصادي لها بعد الحرب العالمية الثانية الى بعض دول الشرق الاوسط ومنها العراق واسست قسم الشرق الاوسط سنة 1956 في وزارة الخارجية ومنذ 1960 صار العامل النفطي واعتمادها على الشرق الاوسط عنصرا اساسيا في سياستها الخارجية وفي 1990 شجبت اليابان اجتياح الجيش العراقي للكويت وركز صناع السياسة الخارجية اليابانيون على مجاراة الضغط الاميركي واعلنت انها ستتجاوز دورها الاقتصادي واخبرت الاميركان ان حرب الخليج سببت ضغطا كبيرا على مواقفها تجاه المشكلات الدولية .وتناولت الباحثة دور اليابان في تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء وكذلك دورها في لجان التفتيش وناقشت الرؤية العراقية للعلاقات مع اليابان ووصلت الى نتيجة ان العراق بسبب هذه الاوضاع لم يكن (شريكا فاعلا لليابان ) في الجوانب الاقتصادية كما ان العراق انتقد موقف اليابان السياسي منه منذ سنة 1990ومع ان اليابان اظهرت بعض التغيرات في سياستها الدبلوماسية الا ان الاستجابة العراقية في ظل النظام السابق كانت فاترة واتهم عدد من المسؤولين العراقيين اليابان بأنها بلد معاد للعراق وتوقع صانع القرار السياسي العراقي دورا سياسيا لليابان نتيجة لمصلحتها الاقتصادية مما يتطلب منها تعميق التزامها تجاه العراق الا ان اليابان رفضت رسالة العراق وظلت متشبثة بإرتباطاتها مع الغرب عامة ومع الولايات المتحدة الاميركية خاصة وانتهى الامر على هذه الصورة عشية سقوط نظام الحكم العراقي السابق .
واخير فإنني اود القول ان هؤلاء الباحثين شرقيين وغربيين وهم من المهتمين بتاريخ العراق الحديث غالبا ما يقولون ان هناك تنازعا على الذاكرة التاريخية العراقية وان النخب السياسية العراقية وخلال ال100 سنة الماضية فشلت في خلق هوية مشتركة للعراقيين وان الدولة العراقية ظلت طوال تاريخها السياسي تسعى الى التلاعب بالتاريخ والذاكرة المجتمعية )
طبعا من اكثر من كتب في هذا الموضوع الاستاذ الدكتور اريك ديفز فهذا الرجل كتب في ضوء ظروف السنوات التالية للاحتلال الاميركي للعراق 2003 ولو كتب اليوم لتغيرت وجهة نظره فأنا ارد عليه بالقول ان العراقيين يمتلكون ذاكرة تاريخية موحدة وهم يعتزون بكل تاريخهم وهم يعون ويدركون ان بلدهم العراق بلد الحضارات والعراق بلد الثورات من يختلف على ذلك والعراق له دور محوري في الوطن العربي والشرق الاوسط من يختلف على ذلك والعراقيون يؤمنون بوحدة العراق ويرفضون الخونة والمرتشين من يختلف على ذلك فأية ذاكرة تاريخية تتحدث عنها صديقي اريك ديفز ؟ نعم بعد الاحتلال ظهرت نزعات طائفية واقليمية ومذهبية ودينية وعنصرية لكن بعد ان استقرت الساحة وثبت فشل هذه النزعات ، ظهر الجوهر وظهر معدن العراقيين الحقيقيين الذين اراد الاجنبي ومن لديه اجندات ان يظهرهم وكأنهم متنافرين .السياسة قد تفرقهم ، لكن التاريخ وايمانهم بالحرية ، والاستقلال، والكرامة هو ما يوحدهم ، وهذا ما اراه انا كمؤرخ مشتغل بتاريخ العراق المعاصر طيلة نصف قرن .
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين يسعدني أنا (الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف )أن ارحب بكم في مدونتي الثانية مدونة الدكتور ابراهيم خليل العلاف ..واود القول بانني سأخصص هذه المدونة لكتاباتي التاريخية والثقافية العراقية والعربية عملا بالقول المأثور : " من نشر علما كلله الله بأكاليل الغار ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار " .
الثلاثاء، 12 فبراير 2019
العراق في الاستشراق الحديث محاضرة القاها ا.د. ابراهيم خليل العلاف في معرض بغداد الدولي 9-2-2019 بدعوة من اتحاد الناشرين العراقيين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل
الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...
-
(السسي) من جرزات الموصل المشهورة - ابراهيم العلاف * وعندما تحدثت عن جرزات او كرزات الموصل وقفت عند السسي ويبدو ان هناك من يحب السسي وسأل...
-
أهلا بنابتة البلاد ومرحبا جددتم العهد الذي قد أخلقا لاتيأسوا أن تستردوا مجدكم فلرب مغلوب هوى ثم إرتقى مدتْ له الامال من أفلاكها ...
-
وردحاق صاق ناصي ..............ورد الحق وصاغ النصيب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل حين قدمتُ حلقة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق