مع الشاعر الدكتور محمد مردان *
بقلم : سامر الياس سعيد
***************************************
للدكتور محمد مردان تجربة شعرية زاخرة بالكثير من الملامح التي ازدانت بها قصائده ويدرك أنها مرت بالعديد من المحطات التي توزعت على بيئات مختلفة فأغنت تلك التجربة وجعلتها حافلة بالكثير من الصور رغم انه يقترن بصداقات مع مختلف المشاهد التي حفلت بها حياته وزادتها ثراء محطاته الوظيفية عبر أكثر من منطقة ومدينة فكان النهر والسوق وغيرها من المشاهد رموزا يرتكز عليها الشاعر محمد مردان الذي كتب قصيدته الى جانب اللغة العربية باللغة التركية فضلا عن أغنائه للمكتبات بالكثير من الدراسات التي تناولت جوانب من الحكايات الشعبية التركمانية
كما قدم دراسة عن الشعر الشعبي التركماني بالإضافة الى رصده المسرح التركماني المعاصر وما قدمه من تلك المسرحيات عبر سنوات عديدة وفي هذا يشير مردان انه غرار ما قاله كانت بأنه طالما يفكر فهو موجود إلا ان مردان وبما انه مسكون بشغف الكتابة فهو موجود وطالما انه عاشق فهو موجود .. لقد أفصح مردان عبر سلسلة من نتاجاته الأدبية عن شغف برصد ما أنتجه الأدب التركماني محاولا كشف اللثام عن الطاقات التي أنتجت قصصها وقصائدها بهذه اللغة فقدم بناء على هذا الواقع فضلا عن أعماله الشعرية الكاملة التي أصدرها عام 2008 الكثير من المؤلفات التي اختصت بمتابعة الشأن الأدبي التركماني ولعل من أبرزها ( ملامح من الشعر التركماني في العراق ) بجزئين صدر الأول عام 1985 عن وزارة الثقافة والإعلام فيما صدر الجزء الثاني منه عن نادي الاخاء التركماني في عام 1987 كما اصدر كتاب (أغاني وطقوس التركمان ) الذي صدر في كركوك عام 2002 فضلا عن إصداره مجموعة دراسات حملت عنوان (انطباعات عن الشعر التركماني ) وصدر هذا المؤلف باللغة التركمانية أما مجاميعه الشعرية التي أصدرها في سنوات مختلفة فكان أولها ديوان شعر بعنوان ( أسفار الشجر ) الذي صدر عام 1982 بينما تلاه ديوان شعري أخر صدر عام 1987 بعنوان ( ثانية يتألق الإشراق ) واصدر بالإضافة لتلك المجاميع مجموعة شعرية باللغة التركمانية عنونها (نيران أزلية) صدرت عام 1993 فضلا عن ديوان شعري أخر أصدره بهذه اللغة حمل عنوان ( افتقدتك أيضا هذا المساء) صدر عام 2000 وجمع أعماله الشعرية بمؤلف كامل صدر عام 2008 بينما اصدر مجموعته الشعرية الأخيرة التي حملت عنوان (منازل الغرق ) عام 2012 ..
ويصف النقاد تجربة مردان الشعرية بأنها تماثل جلوس الشاعر على مصطبة في حديقته الشعرية ساكبا همومه في كلماته الممتدة ناقلا صوره الشعرية الى فضاء واسع شغوفا بزرع الخلل في الحواس .. في مؤلفاته التي عنيت بتسليطك الضوء عن مجمل الأدب التركماني يتحدث مردان عن فضاءات الحكايات الشعبية التركمانية في كتابه الذي يقدم (حكاية أرزي وقمبر مع دراسة في ضوء المنهج المورفولوجي) الصادر عام 2008 فيشير الى ان الأدب التركماني زخر بالكثير من الحكايات التي تميزت بثراء في مضامينها وخصوصيتها وتلك الميزتين جعلت من الناس تقبل على تداولها في كل المناطق التي سكنها التركمان كونها كانت تجسد همومهم ومثلت تنفيسا عن كربهم واحباطاتهم اما عن الشعر الشعبي التركماني الذي قدم عنه دراسة فيعد هذا الكتاب الصادر عام 2008 في كركوك امتدادا للكتاب الذي سبق له ان أصدره بجزئين وحمل عنوان ملامح من الشعر التركماني المعاصر في العراق وتناول في هذين الجزئين نتاج العديد من الشعراء على مختلف مدراسهم التي انتموا إليها دون الاستناد على منهج معين او مدرسة واحدة حيث كان الهدف كما أشار مردان من وراء ذلك الإصدار تعريف القارئ العربي والعراقي بابداع من يقاسمونه المواطنة والمصير المشترك ليعي هذا الجانب الإبداعي مشيرا بان الشعر التركماني كان الأداة الأكثر تعبيرا عن الهواجس والمكابدات والقضايا السياسية والوطنية متأثرا بالأحداث ومواكبا التحولات التي مر بها الوطن لأنه لم يكن في أية مرحلة من مراحل التاريخ منفصلا عن القضايا التي من شانها التأثير على المسيرة التي تحقق للوطن سيادته..
وفي الجانب المتعلق بالمسرح قدم مردان في سياق كتابه المعنون بـ(من المسرحيات التركمانية المعاصرة ) والصادر عن نادي الاخاء التركماني في بغداد عام 2008 أربعة من النصوص المسرحية المعاصرة منها مسرحية (هنا كركوك) للشاعر قحطان الهرمزي ومسرحية ( مجالا) للشاعر صلاح نورس ومسرحية (ايكو) للشاعر والقاص نصرت مردان إضافة الى مسرحية (الطريق) التي كتبها مردان وتناول في دراسته إبراز القاسم المشترك لهذه المسرحيات مشيرا بان الدافع هو الهم السياسي وتوظيف كل القنوات للتعبير عن هذا الهم حتى تلك التي تندرج تحت عنوان المسرحيات الفكاهية وكان المبعث وراء ذلك هو لتمرير هذه المسرحيات وإيصالها الى المتلقي دون ان تقع تحت رحمة الرقيب ليصادرها ويمنع عرضها فقد كان للخطاب المسرحي التركماني هدف واضح يتجلى من خلال إبراز الهوية التركمانية ورسم ملامحها من خلال طرح المواضيع التاريخية والسياسية والاجتماعية وتوظيف كل الإمكانات الفنية والموضوعية لخدمة هذا الطموح.. وفي مجموعته الشعرية الأخيرة التي حملت عنوان (منازل الغرق ) والتي احتوت خمسة منازل استلهم الشاعر من خلالها همه الشعري فكان الأول منزل الكشف الذي استهلته هذه المجموعة الصادرة عن دار تموز للنشر بدمشق في عام 2012 بينما كان المنزل الثاني خاصا بالشاعر والقصيدة اما المنزل الثالث فحمل عنوان منزل العاشق والمعشوق اما المنزلين الأخيرين فكان أولهما منزل الماء والتالي منزل منال ومن هذه المجموعة ومنازلها استلهمنا سؤالنا الأول للشاعر الدكتور محمد مردان والذي اختص في المنزل او المكان وحضوره المتكرر في الكثير من القصائد التي قدمها فقال :
- المكان بالنسبة لي ولقصائدي يعني الكثير وهو بلا شك يقودني لمسالة ارتباطي بالجذور الأولى ويركز الشعراء على مسالة الجذور في إبداع قصائدهم وتمتلك هذه المسالة التي تتعلق بالارتباط مكانة مهمة في تجربة كل شاعر وكثيرا ما عنيت قصائدي بالتأكيد على المكان المعاش او المتخيل لأنه يمثل ركيزة تستند عليها حياتي وربما تلمس إنني كثير الارتباط برمزية النهر حيث اعتبره أول صديق لي واختزنت ذاكرتي الشي الكثير عنه حينما زاملته في مرحلة الطفولة التي امتدت على أربعينيات القرن الماضي وكان هذا النهر هو نهر الزاب الصغير وعلى ضفافه القريبة كان والدي يعمل في شركة النفط وانعكس النهر على المراحل التالية لتجده في اغلب قصائدي لكنه لم يكن الرمز الوحيد الذي استعنت به فكانت هنالك رموز أخرى استقيتها من أمكنة عايشتها في كركوك وكانت تمتلك خصائص دينية وتراثية استفدت منها وتأثرت بها ..
{ الرمزية التي طالما اعتمدتها في قصائدك ، هل استعانتك بها تبرز خوفا من انبلاج تمثل تابوهات ومحظورات لدى الاخرين ؟
- ان تلك الرموز لطالما كانت تقطن في أعماقي وفي كل تجربة شعرية أمر بها أحاول البوح بها ولطالما وجدت ان هنالك اسما لامرأة يتكرر في الكثير من هذه المكنونات او القصائد الشعرية وهو يمثل البعد الذي لايقترب والمقترب البعيد وهو يعبر عن تجربة عشتها في شبابي ومازلت تواقا لان استعيد تلك التجربة التي تعني لي الكثير كما لااتحدد بهذا الرمز فحسب بل حتى للأسواق وقرية (القورية) مواضع أحاول من خلالها سكب ما يعنيني تجاه تلك الأمكنة وأحاول خلال استذكارها ان امنح نفسي وحتى قصائدي التي اكتبها نوعا من التجدد والتواصل والاستذكار ..
{ ربما كنت قريبا خلال سني حياتك في كركوك من الشعراء الذين تسموا بالمدينة وأطلقوا تجربتهم الشعرية التي حفلت بالكثير من الثراء الشعري وجسدت همومهم واحلامهم فلماذا كانت كركوك عنوانا للتعريف عن هذه الجماعة ؟
-لان كركوك تبدو بالنسبة للمثقفين كخارطة تكتنز ثرائها من التنوع الثقافي والقوميات وهو الذي يمنحها هذه الخصوصية والتميز المعروف وجماعة كركوك حينما عبرت عن نفسها كانت رغبتها تتحدد بكسر هيمنة القطب الأوحد بالخروج عن المألوف حتى أنهم اختاروا التعبير عن ذلك الخروج باختيارهم قصيدة النثر لكسر النمطية السائدة في ذلك الوقت وحتى يبرزا رغبتهم بأنهم موجودون ويقاوموا بذات الأسلحة التي كانت ترفع بوجودهم عبر المشهد الثقافي الذي كان رائجا في تلك الفترة وقد كانت محاولة إطلاق جماعة كركوك بمثابة رد فعل ثقافي استعانت به الأقليات لإثبات وجودها ومما تزخر به ذاكرتي عن احد رموز تلك الجماعة وهو الشاعر (جان دمو) خصوصا وانه كان يجاورني في المنطقة التي كنت اقطنها فلاحظت انه قرر الاعتزال من اجل اتخاذ قرار مهم عبر عنه فيما بعد بأنه قرر العزلة من اجل تكوين ذاته وكان اعتكافه مخاضا للخروج بتجربة شعرية أكثر ثراء ..
{ ما القاسم الذي يجمع هم الكتابة باللغتين العربية والتركمانية كونك زاوجت في الكتابة الشعرية مستخدما هاتين اللغتين ؟
- هو التأثر بالواقع رغم ان للقصيدة التركمانية نمط له خصوصية كبيرة لكنني وعلى الصعيد الشخصي متأثر بتلك الأنماط التي تبرزهما الكتابة بهاتين اللغتين حتى امتازت تجربتي الشعرية بالتفرد ..
{ وما هو الموضوع الذي يبدو الأكثر استهلاكا في القصيدة التركمانية وما السبب في ان يعتمده الشعراء كأهم أدواتهم الشعرية ؟
-لاشك في ان الحزن يحتل موقعا رئيسيا في اغلب القصائد المكتوبة باللغة التركمانية ولعلي احسبه متجذرا في هذه القصائد فالأحداث التي مر بها التركمان ولاسيما المجازر التي فقدوا من خلالها أعدادا كبيرة من الضحايا والشهداء جعلتهم تواقين للميل نحو قصائد الحزن المكسوة بالشجن وحتى الشعر الشعبي عالج هذا الأمر وهنالك أنماط شعرية تكون متداولة وقريبة من الإنسان البسيط وهو ما اصطلح عليه بالقوريات ويحمل شعرا اجناسيا ويمثل عروضا قوميا تركمانيا بينما تحتل القصيدة الحديثة موقعها في أوساط النخبة ..
{ وما مدى حضور الأسطورة في هذه القصائد وحتى في فنون الأدب التركماني خصوصا وان لك دراسة في هذا الجانب تناقش بعض تلك الحكايات الشعبية التي ترتكز على هذا الأساس ؟
-أدرك ان للأسطورة حضور مهم في مجمل الأدب التركماني وقد كانت والدتي راوية تتميز بالمهارة في سرد تلك الحكايات الشعبية المقتبسة من تراث التركمان وقد وظفت تلك الحكايات في الكثير من القصائد سواء تلك التي كتبتها باللغة العربية ام باللغة التركمانية في فترة الخمسينيات لكنني ابتعدت عن هذا التوظيف في الفترة اللاحقة ..
{ لماذا لم يرتق الأدب التركماني الى أفق أوسع من التداول فحتى هذه اللحظة تبدو الكثير من الأسماء الأدبية التي اشتغلت في مجال الكتابة بهذه اللغة مجهولة لدى الكثير بينما أعمالها محددة بين تلك الأوساط فحسب ؟
-قدرنا يتعلق بالبيئة التي لم تمنح الواقع الأدبي التركماني أفقا واسعا بغية تجاوزها وأشير أيضا الى الترجمة كون المشتغلين في هذا الجانب قلة لم يسهموا بإتاحة تلك النتاجات عبر ترجمتها أضف الى ذلك قلة الدراسات النقدية التي تسهم بلاشك في الارتقاء بالواقع الأدبي التركماني رغم إنني وبالتعاون مع بعض النقاد تصدينا لهذا الواقع عبر الإسهام بعرض بعض النتاجات من قصائد كتبها شعراء تركمان وحاولنا ان نرفقها بدراسات نقدية أسهمت بتعزيز هذا الجانب وقد مثلت محاولة أولى سيكون لها أصداء أخرى عبر قوادم الأيام..
{ عبر الفترة السابقة شهدت أروقة جامعتي الموصل وتكريت اصداء أكاديمية تمثلت بمناقشة بعض الرسائل الجامعية للعديد من الجوانب الأدبية التي قدمتها في منجزك الأدبي فما هي تأثيرات تلك الدراسات على اشتغالاتك القادمة؟
- بلاشك ستعمل تلك الرسائل الجامعية التي تم مناقشتها في هاتين الجامعتين على ترسيخ المنجز الأدبي الخاص بي ففي جامعة تكريت تم مناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة بالطالب محمد جواد علي والتي تناول فيها توظيفي للأساطير والأمكنة والطقوس التي زخرت بها دورة الحياة التي عاشها التركمان بالإضافة لخصوصيتهم الإسلامية في هذا الجانب وما انعكس بناء على ذلك في تقاليدهم المتوارثة من خلال هذا الجانب في مجمل الإعمال الشعرية التي قدمتها كما تم في كلية التربية بجامعة الموصل وقبل فترة ليست بالقصيرة مناقشة رسالة الطالبة ريم محمد طيب الحفوظي التي تقدمت بها الى مجلس هذا الكلية والتي تناولت من خلالها الجانب المسرحي لقصائدي عبر الرسالة المعنونة بالبنية المسرحية في شعر محمد مردان وقد أسهمت هاتان الرسالتان اللتان أشرت إليهما بإنارة جوانب غير مرئية بالنسبة لي فنحن حينما نكتب في حالات اللاوعي تغيب عنا تلك الرموز والإشارات التي عالجتها هذه الدراسات الأكاديمية ولاسيما انها تغني التجربة الشعرية ..
{ ايهما يبرز في شخصية محمد مردان رجل القانون الذي يعني بالقضايا القانونية في رحلة امتدت بين أروقة المؤسسات الاكاديمية في تقديم المحاضرات والإشراف على الاطاريح الجامعية التي تعنى بهذا الجانب أم شخصية الشاعر ؟
- انا شاعر أولا وأخيرا رغم إنني معروف في الأوساط القانونية كوني عملت تدريسيا في كلية القانون بجامعة الموصل ولي عدد كبير من الإسهامات في هذا المجال لكنني أجد ان بحر الشعر غالبا ما يجذبني اليه فهنالك مقولة مأثورة لكانت حيث يشير فيها الى انه مادام يفكر فهو موجود وانا اردد دائما وأقول طالما إنني اكتب فانا موجود وما دمت عاشقا فانا أيضا موجود ورغم حضور الشخصيتين الذي ذكرتهما كرجل قانون بالإضافة لكوني شاعرا فانا امتلك شخصية مستقلة عن الأخرى فالقصيدة تنمو لدي كلما مررت بحالة حزن واستبدت بي صورمن محطات عشتها فأحاول إبرازها من خلال القصيدة حينها أجد ان القصيدة بدت تنمو لدي شيئا فشيئا وأحاول ان استكملها وأشير الى ان الحزن دائما ما يلعب وفق المعادلة الفيزيائية دور الفعل فتجد ان القصيدة تمثل حينها رد الفعل المناسب ..
{ وهل هنالك في خضم هذا المشوار الزاخر قصيدة تمنيت ان تعود اليها لتعيد كتابتها من جديد بعد ان وجدت قالبها الشعري غير مكتمل ؟
-نعم هنالك قصيدة كنت قد استحضرت فيها ما تعرض اليه النبي يوسف (عليه السلام ) وعنونتها( في جب الأحزان) وكنت قد نشرتها في مجلة تصدر في البصرة باسم المرفأ وبعد سنوات من كتابتها استهواني العودة اليها لاعيد كتابتها من جديد من اجل ان امنحها عمقا وتفاصيلا كانت تحتاجها لتبدو اكثر تأثيرا ..
{ تتقن الى جانب اللغة العربية والتركمانية اللغة السريانية بحكم إقامتك فترة لاباس بها في كركوك وكنت فيها على تماس مع بعض العوائل ممن سكنت في هذه المدينة والتي كانت تتحدث بهذه اللغة ، الى أي مدى أسهم هذا بالاطلاع على القيمة الشعرية التي قدمتها القصــــــــائد المكتوبة بهذه اللغات ؟
- لقد أسهم هذا الإتقان بالاطلاع على نماذج عديدة من تلك القصائد لكنني أؤكد على دور الترجمة في إبراز تلك القيم التي تحاول إتاحتها تلك القصائد لكنني أجد ان القصائد المكتوبة باللغة العربية تمتلك عمقا اكبر يمنح المتلقي فهما أسرع لكلمات القصيدة المكتوبة بهذه اللغة ..
{ مامدى انعكاس العديد من المحطات على تجربتك الشعرية ولاسيما في تــــــنقلاتك الوظيفية التي تعبر عنها بأنها حملت تأثيرا مهــــــــــــــما على هذه التجربة ؟
- انا أجد ان الحياة تبدو كقطار سريع يجوب الإنسان من خلاله العديد من محطات العمر وقد أدركت من خلال هذا القطار العديد من المحطات التي تأثرت بالواقع السياسي والاجتماعي وأبرزت من خلال تلك المحطات قصائد كانت تمتلك منظورا سياسيا جعلتني استعين بالرمز من اجل وصولها الى المتلقي بعيدا عن أعين السلطة وربما كانت هنالك الكثير من القصائد التي كتبتها بداعي إبراز بعض المواقف التي انبثقت عن حالات سلبية عايشتها وقد أسهمت تنقلاتي من خلال العمل الوظيفي بالكثير من التأثير الايجابي على مجمل الأعمال الشعرية التي قدمتها فما بين السليمانية وديالى والكوت وكركوك كانت هنالك قصائد استقت بيئتها من هذه المناطق وقد زخرت تلك المحطات بقراءات متنوعة أنتجت خواطرا وإرهاصات شعرية وبعد تلك الفترة انتقلت الى الموصل قبل ما يقارب الأربعين عاما حيث استقريت أخيرا فكانت لي في هذه المدينة ما يماثل الولادة الثانية او تجربة أخرى مع الشعر فقد وجدت ان بركان الشعر بدا ثائرا في هذه المدينة من خلال انها تعيش ثرائا مهما في الكثر من مشاهدها ولاسيما تلك التي اقتبسها من أسواقها او من خلال شواخصها الاثارية التي تتحدث عن عــــظمة الأيام الغابرة..
*http://www.alefyaa.com/?p=13964
بقلم : سامر الياس سعيد
***************************************
للدكتور محمد مردان تجربة شعرية زاخرة بالكثير من الملامح التي ازدانت بها قصائده ويدرك أنها مرت بالعديد من المحطات التي توزعت على بيئات مختلفة فأغنت تلك التجربة وجعلتها حافلة بالكثير من الصور رغم انه يقترن بصداقات مع مختلف المشاهد التي حفلت بها حياته وزادتها ثراء محطاته الوظيفية عبر أكثر من منطقة ومدينة فكان النهر والسوق وغيرها من المشاهد رموزا يرتكز عليها الشاعر محمد مردان الذي كتب قصيدته الى جانب اللغة العربية باللغة التركية فضلا عن أغنائه للمكتبات بالكثير من الدراسات التي تناولت جوانب من الحكايات الشعبية التركمانية
كما قدم دراسة عن الشعر الشعبي التركماني بالإضافة الى رصده المسرح التركماني المعاصر وما قدمه من تلك المسرحيات عبر سنوات عديدة وفي هذا يشير مردان انه غرار ما قاله كانت بأنه طالما يفكر فهو موجود إلا ان مردان وبما انه مسكون بشغف الكتابة فهو موجود وطالما انه عاشق فهو موجود .. لقد أفصح مردان عبر سلسلة من نتاجاته الأدبية عن شغف برصد ما أنتجه الأدب التركماني محاولا كشف اللثام عن الطاقات التي أنتجت قصصها وقصائدها بهذه اللغة فقدم بناء على هذا الواقع فضلا عن أعماله الشعرية الكاملة التي أصدرها عام 2008 الكثير من المؤلفات التي اختصت بمتابعة الشأن الأدبي التركماني ولعل من أبرزها ( ملامح من الشعر التركماني في العراق ) بجزئين صدر الأول عام 1985 عن وزارة الثقافة والإعلام فيما صدر الجزء الثاني منه عن نادي الاخاء التركماني في عام 1987 كما اصدر كتاب (أغاني وطقوس التركمان ) الذي صدر في كركوك عام 2002 فضلا عن إصداره مجموعة دراسات حملت عنوان (انطباعات عن الشعر التركماني ) وصدر هذا المؤلف باللغة التركمانية أما مجاميعه الشعرية التي أصدرها في سنوات مختلفة فكان أولها ديوان شعر بعنوان ( أسفار الشجر ) الذي صدر عام 1982 بينما تلاه ديوان شعري أخر صدر عام 1987 بعنوان ( ثانية يتألق الإشراق ) واصدر بالإضافة لتلك المجاميع مجموعة شعرية باللغة التركمانية عنونها (نيران أزلية) صدرت عام 1993 فضلا عن ديوان شعري أخر أصدره بهذه اللغة حمل عنوان ( افتقدتك أيضا هذا المساء) صدر عام 2000 وجمع أعماله الشعرية بمؤلف كامل صدر عام 2008 بينما اصدر مجموعته الشعرية الأخيرة التي حملت عنوان (منازل الغرق ) عام 2012 ..
ويصف النقاد تجربة مردان الشعرية بأنها تماثل جلوس الشاعر على مصطبة في حديقته الشعرية ساكبا همومه في كلماته الممتدة ناقلا صوره الشعرية الى فضاء واسع شغوفا بزرع الخلل في الحواس .. في مؤلفاته التي عنيت بتسليطك الضوء عن مجمل الأدب التركماني يتحدث مردان عن فضاءات الحكايات الشعبية التركمانية في كتابه الذي يقدم (حكاية أرزي وقمبر مع دراسة في ضوء المنهج المورفولوجي) الصادر عام 2008 فيشير الى ان الأدب التركماني زخر بالكثير من الحكايات التي تميزت بثراء في مضامينها وخصوصيتها وتلك الميزتين جعلت من الناس تقبل على تداولها في كل المناطق التي سكنها التركمان كونها كانت تجسد همومهم ومثلت تنفيسا عن كربهم واحباطاتهم اما عن الشعر الشعبي التركماني الذي قدم عنه دراسة فيعد هذا الكتاب الصادر عام 2008 في كركوك امتدادا للكتاب الذي سبق له ان أصدره بجزئين وحمل عنوان ملامح من الشعر التركماني المعاصر في العراق وتناول في هذين الجزئين نتاج العديد من الشعراء على مختلف مدراسهم التي انتموا إليها دون الاستناد على منهج معين او مدرسة واحدة حيث كان الهدف كما أشار مردان من وراء ذلك الإصدار تعريف القارئ العربي والعراقي بابداع من يقاسمونه المواطنة والمصير المشترك ليعي هذا الجانب الإبداعي مشيرا بان الشعر التركماني كان الأداة الأكثر تعبيرا عن الهواجس والمكابدات والقضايا السياسية والوطنية متأثرا بالأحداث ومواكبا التحولات التي مر بها الوطن لأنه لم يكن في أية مرحلة من مراحل التاريخ منفصلا عن القضايا التي من شانها التأثير على المسيرة التي تحقق للوطن سيادته..
وفي الجانب المتعلق بالمسرح قدم مردان في سياق كتابه المعنون بـ(من المسرحيات التركمانية المعاصرة ) والصادر عن نادي الاخاء التركماني في بغداد عام 2008 أربعة من النصوص المسرحية المعاصرة منها مسرحية (هنا كركوك) للشاعر قحطان الهرمزي ومسرحية ( مجالا) للشاعر صلاح نورس ومسرحية (ايكو) للشاعر والقاص نصرت مردان إضافة الى مسرحية (الطريق) التي كتبها مردان وتناول في دراسته إبراز القاسم المشترك لهذه المسرحيات مشيرا بان الدافع هو الهم السياسي وتوظيف كل القنوات للتعبير عن هذا الهم حتى تلك التي تندرج تحت عنوان المسرحيات الفكاهية وكان المبعث وراء ذلك هو لتمرير هذه المسرحيات وإيصالها الى المتلقي دون ان تقع تحت رحمة الرقيب ليصادرها ويمنع عرضها فقد كان للخطاب المسرحي التركماني هدف واضح يتجلى من خلال إبراز الهوية التركمانية ورسم ملامحها من خلال طرح المواضيع التاريخية والسياسية والاجتماعية وتوظيف كل الإمكانات الفنية والموضوعية لخدمة هذا الطموح.. وفي مجموعته الشعرية الأخيرة التي حملت عنوان (منازل الغرق ) والتي احتوت خمسة منازل استلهم الشاعر من خلالها همه الشعري فكان الأول منزل الكشف الذي استهلته هذه المجموعة الصادرة عن دار تموز للنشر بدمشق في عام 2012 بينما كان المنزل الثاني خاصا بالشاعر والقصيدة اما المنزل الثالث فحمل عنوان منزل العاشق والمعشوق اما المنزلين الأخيرين فكان أولهما منزل الماء والتالي منزل منال ومن هذه المجموعة ومنازلها استلهمنا سؤالنا الأول للشاعر الدكتور محمد مردان والذي اختص في المنزل او المكان وحضوره المتكرر في الكثير من القصائد التي قدمها فقال :
- المكان بالنسبة لي ولقصائدي يعني الكثير وهو بلا شك يقودني لمسالة ارتباطي بالجذور الأولى ويركز الشعراء على مسالة الجذور في إبداع قصائدهم وتمتلك هذه المسالة التي تتعلق بالارتباط مكانة مهمة في تجربة كل شاعر وكثيرا ما عنيت قصائدي بالتأكيد على المكان المعاش او المتخيل لأنه يمثل ركيزة تستند عليها حياتي وربما تلمس إنني كثير الارتباط برمزية النهر حيث اعتبره أول صديق لي واختزنت ذاكرتي الشي الكثير عنه حينما زاملته في مرحلة الطفولة التي امتدت على أربعينيات القرن الماضي وكان هذا النهر هو نهر الزاب الصغير وعلى ضفافه القريبة كان والدي يعمل في شركة النفط وانعكس النهر على المراحل التالية لتجده في اغلب قصائدي لكنه لم يكن الرمز الوحيد الذي استعنت به فكانت هنالك رموز أخرى استقيتها من أمكنة عايشتها في كركوك وكانت تمتلك خصائص دينية وتراثية استفدت منها وتأثرت بها ..
{ الرمزية التي طالما اعتمدتها في قصائدك ، هل استعانتك بها تبرز خوفا من انبلاج تمثل تابوهات ومحظورات لدى الاخرين ؟
- ان تلك الرموز لطالما كانت تقطن في أعماقي وفي كل تجربة شعرية أمر بها أحاول البوح بها ولطالما وجدت ان هنالك اسما لامرأة يتكرر في الكثير من هذه المكنونات او القصائد الشعرية وهو يمثل البعد الذي لايقترب والمقترب البعيد وهو يعبر عن تجربة عشتها في شبابي ومازلت تواقا لان استعيد تلك التجربة التي تعني لي الكثير كما لااتحدد بهذا الرمز فحسب بل حتى للأسواق وقرية (القورية) مواضع أحاول من خلالها سكب ما يعنيني تجاه تلك الأمكنة وأحاول خلال استذكارها ان امنح نفسي وحتى قصائدي التي اكتبها نوعا من التجدد والتواصل والاستذكار ..
{ ربما كنت قريبا خلال سني حياتك في كركوك من الشعراء الذين تسموا بالمدينة وأطلقوا تجربتهم الشعرية التي حفلت بالكثير من الثراء الشعري وجسدت همومهم واحلامهم فلماذا كانت كركوك عنوانا للتعريف عن هذه الجماعة ؟
-لان كركوك تبدو بالنسبة للمثقفين كخارطة تكتنز ثرائها من التنوع الثقافي والقوميات وهو الذي يمنحها هذه الخصوصية والتميز المعروف وجماعة كركوك حينما عبرت عن نفسها كانت رغبتها تتحدد بكسر هيمنة القطب الأوحد بالخروج عن المألوف حتى أنهم اختاروا التعبير عن ذلك الخروج باختيارهم قصيدة النثر لكسر النمطية السائدة في ذلك الوقت وحتى يبرزا رغبتهم بأنهم موجودون ويقاوموا بذات الأسلحة التي كانت ترفع بوجودهم عبر المشهد الثقافي الذي كان رائجا في تلك الفترة وقد كانت محاولة إطلاق جماعة كركوك بمثابة رد فعل ثقافي استعانت به الأقليات لإثبات وجودها ومما تزخر به ذاكرتي عن احد رموز تلك الجماعة وهو الشاعر (جان دمو) خصوصا وانه كان يجاورني في المنطقة التي كنت اقطنها فلاحظت انه قرر الاعتزال من اجل اتخاذ قرار مهم عبر عنه فيما بعد بأنه قرر العزلة من اجل تكوين ذاته وكان اعتكافه مخاضا للخروج بتجربة شعرية أكثر ثراء ..
{ ما القاسم الذي يجمع هم الكتابة باللغتين العربية والتركمانية كونك زاوجت في الكتابة الشعرية مستخدما هاتين اللغتين ؟
- هو التأثر بالواقع رغم ان للقصيدة التركمانية نمط له خصوصية كبيرة لكنني وعلى الصعيد الشخصي متأثر بتلك الأنماط التي تبرزهما الكتابة بهاتين اللغتين حتى امتازت تجربتي الشعرية بالتفرد ..
{ وما هو الموضوع الذي يبدو الأكثر استهلاكا في القصيدة التركمانية وما السبب في ان يعتمده الشعراء كأهم أدواتهم الشعرية ؟
-لاشك في ان الحزن يحتل موقعا رئيسيا في اغلب القصائد المكتوبة باللغة التركمانية ولعلي احسبه متجذرا في هذه القصائد فالأحداث التي مر بها التركمان ولاسيما المجازر التي فقدوا من خلالها أعدادا كبيرة من الضحايا والشهداء جعلتهم تواقين للميل نحو قصائد الحزن المكسوة بالشجن وحتى الشعر الشعبي عالج هذا الأمر وهنالك أنماط شعرية تكون متداولة وقريبة من الإنسان البسيط وهو ما اصطلح عليه بالقوريات ويحمل شعرا اجناسيا ويمثل عروضا قوميا تركمانيا بينما تحتل القصيدة الحديثة موقعها في أوساط النخبة ..
{ وما مدى حضور الأسطورة في هذه القصائد وحتى في فنون الأدب التركماني خصوصا وان لك دراسة في هذا الجانب تناقش بعض تلك الحكايات الشعبية التي ترتكز على هذا الأساس ؟
-أدرك ان للأسطورة حضور مهم في مجمل الأدب التركماني وقد كانت والدتي راوية تتميز بالمهارة في سرد تلك الحكايات الشعبية المقتبسة من تراث التركمان وقد وظفت تلك الحكايات في الكثير من القصائد سواء تلك التي كتبتها باللغة العربية ام باللغة التركمانية في فترة الخمسينيات لكنني ابتعدت عن هذا التوظيف في الفترة اللاحقة ..
{ لماذا لم يرتق الأدب التركماني الى أفق أوسع من التداول فحتى هذه اللحظة تبدو الكثير من الأسماء الأدبية التي اشتغلت في مجال الكتابة بهذه اللغة مجهولة لدى الكثير بينما أعمالها محددة بين تلك الأوساط فحسب ؟
-قدرنا يتعلق بالبيئة التي لم تمنح الواقع الأدبي التركماني أفقا واسعا بغية تجاوزها وأشير أيضا الى الترجمة كون المشتغلين في هذا الجانب قلة لم يسهموا بإتاحة تلك النتاجات عبر ترجمتها أضف الى ذلك قلة الدراسات النقدية التي تسهم بلاشك في الارتقاء بالواقع الأدبي التركماني رغم إنني وبالتعاون مع بعض النقاد تصدينا لهذا الواقع عبر الإسهام بعرض بعض النتاجات من قصائد كتبها شعراء تركمان وحاولنا ان نرفقها بدراسات نقدية أسهمت بتعزيز هذا الجانب وقد مثلت محاولة أولى سيكون لها أصداء أخرى عبر قوادم الأيام..
{ عبر الفترة السابقة شهدت أروقة جامعتي الموصل وتكريت اصداء أكاديمية تمثلت بمناقشة بعض الرسائل الجامعية للعديد من الجوانب الأدبية التي قدمتها في منجزك الأدبي فما هي تأثيرات تلك الدراسات على اشتغالاتك القادمة؟
- بلاشك ستعمل تلك الرسائل الجامعية التي تم مناقشتها في هاتين الجامعتين على ترسيخ المنجز الأدبي الخاص بي ففي جامعة تكريت تم مناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة بالطالب محمد جواد علي والتي تناول فيها توظيفي للأساطير والأمكنة والطقوس التي زخرت بها دورة الحياة التي عاشها التركمان بالإضافة لخصوصيتهم الإسلامية في هذا الجانب وما انعكس بناء على ذلك في تقاليدهم المتوارثة من خلال هذا الجانب في مجمل الإعمال الشعرية التي قدمتها كما تم في كلية التربية بجامعة الموصل وقبل فترة ليست بالقصيرة مناقشة رسالة الطالبة ريم محمد طيب الحفوظي التي تقدمت بها الى مجلس هذا الكلية والتي تناولت من خلالها الجانب المسرحي لقصائدي عبر الرسالة المعنونة بالبنية المسرحية في شعر محمد مردان وقد أسهمت هاتان الرسالتان اللتان أشرت إليهما بإنارة جوانب غير مرئية بالنسبة لي فنحن حينما نكتب في حالات اللاوعي تغيب عنا تلك الرموز والإشارات التي عالجتها هذه الدراسات الأكاديمية ولاسيما انها تغني التجربة الشعرية ..
{ ايهما يبرز في شخصية محمد مردان رجل القانون الذي يعني بالقضايا القانونية في رحلة امتدت بين أروقة المؤسسات الاكاديمية في تقديم المحاضرات والإشراف على الاطاريح الجامعية التي تعنى بهذا الجانب أم شخصية الشاعر ؟
- انا شاعر أولا وأخيرا رغم إنني معروف في الأوساط القانونية كوني عملت تدريسيا في كلية القانون بجامعة الموصل ولي عدد كبير من الإسهامات في هذا المجال لكنني أجد ان بحر الشعر غالبا ما يجذبني اليه فهنالك مقولة مأثورة لكانت حيث يشير فيها الى انه مادام يفكر فهو موجود وانا اردد دائما وأقول طالما إنني اكتب فانا موجود وما دمت عاشقا فانا أيضا موجود ورغم حضور الشخصيتين الذي ذكرتهما كرجل قانون بالإضافة لكوني شاعرا فانا امتلك شخصية مستقلة عن الأخرى فالقصيدة تنمو لدي كلما مررت بحالة حزن واستبدت بي صورمن محطات عشتها فأحاول إبرازها من خلال القصيدة حينها أجد ان القصيدة بدت تنمو لدي شيئا فشيئا وأحاول ان استكملها وأشير الى ان الحزن دائما ما يلعب وفق المعادلة الفيزيائية دور الفعل فتجد ان القصيدة تمثل حينها رد الفعل المناسب ..
{ وهل هنالك في خضم هذا المشوار الزاخر قصيدة تمنيت ان تعود اليها لتعيد كتابتها من جديد بعد ان وجدت قالبها الشعري غير مكتمل ؟
-نعم هنالك قصيدة كنت قد استحضرت فيها ما تعرض اليه النبي يوسف (عليه السلام ) وعنونتها( في جب الأحزان) وكنت قد نشرتها في مجلة تصدر في البصرة باسم المرفأ وبعد سنوات من كتابتها استهواني العودة اليها لاعيد كتابتها من جديد من اجل ان امنحها عمقا وتفاصيلا كانت تحتاجها لتبدو اكثر تأثيرا ..
{ تتقن الى جانب اللغة العربية والتركمانية اللغة السريانية بحكم إقامتك فترة لاباس بها في كركوك وكنت فيها على تماس مع بعض العوائل ممن سكنت في هذه المدينة والتي كانت تتحدث بهذه اللغة ، الى أي مدى أسهم هذا بالاطلاع على القيمة الشعرية التي قدمتها القصــــــــائد المكتوبة بهذه اللغات ؟
- لقد أسهم هذا الإتقان بالاطلاع على نماذج عديدة من تلك القصائد لكنني أؤكد على دور الترجمة في إبراز تلك القيم التي تحاول إتاحتها تلك القصائد لكنني أجد ان القصائد المكتوبة باللغة العربية تمتلك عمقا اكبر يمنح المتلقي فهما أسرع لكلمات القصيدة المكتوبة بهذه اللغة ..
{ مامدى انعكاس العديد من المحطات على تجربتك الشعرية ولاسيما في تــــــنقلاتك الوظيفية التي تعبر عنها بأنها حملت تأثيرا مهــــــــــــــما على هذه التجربة ؟
- انا أجد ان الحياة تبدو كقطار سريع يجوب الإنسان من خلاله العديد من محطات العمر وقد أدركت من خلال هذا القطار العديد من المحطات التي تأثرت بالواقع السياسي والاجتماعي وأبرزت من خلال تلك المحطات قصائد كانت تمتلك منظورا سياسيا جعلتني استعين بالرمز من اجل وصولها الى المتلقي بعيدا عن أعين السلطة وربما كانت هنالك الكثير من القصائد التي كتبتها بداعي إبراز بعض المواقف التي انبثقت عن حالات سلبية عايشتها وقد أسهمت تنقلاتي من خلال العمل الوظيفي بالكثير من التأثير الايجابي على مجمل الأعمال الشعرية التي قدمتها فما بين السليمانية وديالى والكوت وكركوك كانت هنالك قصائد استقت بيئتها من هذه المناطق وقد زخرت تلك المحطات بقراءات متنوعة أنتجت خواطرا وإرهاصات شعرية وبعد تلك الفترة انتقلت الى الموصل قبل ما يقارب الأربعين عاما حيث استقريت أخيرا فكانت لي في هذه المدينة ما يماثل الولادة الثانية او تجربة أخرى مع الشعر فقد وجدت ان بركان الشعر بدا ثائرا في هذه المدينة من خلال انها تعيش ثرائا مهما في الكثر من مشاهدها ولاسيما تلك التي اقتبسها من أسواقها او من خلال شواخصها الاثارية التي تتحدث عن عــــظمة الأيام الغابرة..
*http://www.alefyaa.com/?p=13964
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق