الأربعاء، 26 فبراير 2014

البلتيقة و البراكسيس الزلق ؟! بقلم :أ. د. إسماعيل نوري الربيعي

البلتيقة و البراكسيس الزلق ؟!
بقلم :أ. د. إسماعيل نوري الربيعي
( من السكوتي موتي ، من المطكطك لا تخافين ) من أمثال نساء العراق.
في وزارة عبد الرحمن النقيب الأولى ، دخل وزير بلا وزارة إلى بناية البنك العثماني ، لا ستلام مرتبه الأول. وعند استلام الرزم المالية . كان الوزير هذا قد بدأ يتساءل و الدهشة قد عقدت لسانه ، و هل من مزيد ؟! فكان الموظف كلما قدم له رزمة جديدة . كان صاحبنا الوزير لا يتمالك نفسه من الصراخ الهستيري : ( اللهم انصر الدين و الدولة ، اللهم انصر الدين والدولة !! ) ، كان صراخا صاخبا جنونيا . لفت إليه الأنظار. جُن الرجل وهو يشاهد هذا السيل من المال ( الحلال الطيب ) ، يتنزل على أم رأسه في غفلة من الزمان، ماكان يحلم بها ، لا هو و لا أجداد أجداه؟! لكنها اللعبة التي تمت صياغة قواعدها في مطبخ الاستخبارات البريطانية ، من خلال مؤتمر القاهرة ، حيث المسعى نحو بناء المملكة العراقية . و ما أشبه اليوم بالبارحة ؟! و إيييييه ، بلابوش دنيا.
في ترصداته اللامعة ، يشير ابن خلدون : ( إلى أن من يحوز المال ، يسعى إلى الجاه) . و هكذا بدأت ملامح نشوء الطبقة السياسية في العراق الملكي ، بناء على محاولة الولوج في النخبة السياسية الحاكمة . تلك التي لم تكن لتخل من أول عملية اغتيال سياسي ، حين تعرض توفيق الخالدي وزير الداخلية إلى الاغتيال على يد ثلة من اللصوص و قطاع الطرق و الأشقياء في أحد أزقة بغداد . حيث أشير أصبع الاتهام نحو نوري السعيد ، بدعوى أنه من سعى للتحريض على قتله وازاحته عن الطريق . ولم تختلف نهاية طالب النقيب صاحب الشخصية المهابة ، و المتحصل على شبكة العلاقات الواسعة مع ( رجال الليل من الزلم الخشنة ) . لكن لعبة الشقاوات و الهيوات ، لم تكن لتجدي نفعا مع ( الخاتون ) المس بيل الهادئة الرصينة الحاصلة على التدريب المخابراتي العالي والصارم في ( صناعة الملوك و حكم الشعوب) . حتى كانت النهاية التراجيدية لهذا الرجل الذي ملأ قلوب معاصريه من السياسيين رعبا و فرقا. المهم أن حقل اللعب في المال سيقود إلى توسيع إنتاج الدلالة التداولية ، ليكون الانقياد نحو التعامل المباشر مع مفاهيم مثل ؛ الفرهود ، الغنيمة ، الريع ، المعاش ، المصالح .
كيف يمكن الوقوف على تمييز محدد و واضح لطبيعة الممارسة السياسية في العراق المعاصر و كيف يمكن تطبيق الــ Praxis ) العرف ، العادة ، الاتفاق ، الممارسة العملية ، التطبيق واستخدام المعرفة والمهارات) على الواقع السياسي ، حيث التطلع نحو ترصد نشأة ، طبيعة النظرة السائدة نحو مفردة سياسة في حقل التداول العام والشعبي . و ليس أدل من التوقف عند جريدة الزوراء الصادرة في بغداد عام 1869 ، لمفردة Political حيث وضعت كـ ( بلتيقة ) ، حيث التصحيف المباشر لتلك المفردة اللاتينية ، وغدت حالها كحال سيارة International و التي أحالها لسان التداول العراقي إلى عنتر ناش ، حيث الاستحضار لرمز البطولة عنتر بن شداد ، أو تصحيف Driver و جعلها دريول ؟! أو sorcerer الساحر أو المشعوذ ، و جعلها ( سرسري) .
ارتبطت البلتيقة في العرف العراقي بوصفها ( الكلاوات على أصولها ) . حتى شاعت الجملة الأشهر ( لا تسوي براسي بلتيقة ؟!) . فيما غابت ساس يسوس سوسا ، و تصدر المشهد السياسي ثنائية ( السكوتي و المطكطك ) فكان الوزير بلا وزارة الذي هاله الحصول على المرتب المهول من نوع ( المطكطك) ، والذي لا يثير الخشية أو الخوف ، فهو مجرد ترس في عجلة . فيما تعرض الوزير الخالدي إلى الاغتيال كونه ( سكوتي ) و على المنافس أن يواجهه بكل ما أو تي من قدرة و ألاعيب ، و لا ضير أن يتم قتله بدم بارد . فالملك عقيم ولنا في ذلك القولة الشهيرة التي أطلقها هارون الرشيد بوجه ولده المأمون : ( يا بني الملك عقيم ، و لو نازعتني أنت على الحكم لأخذت الذي فيه عيناك ) .
لم يكن نوري السعيد ( سكوتيا ولا مطكطكا ) بل عمد و بكل احترافبة نحو الجمع بين الصفتين ، فتارة تراه مطكطك حد اللعنة ، حتى أنه لا يتورع عن شرب العرق العراقي الرخيص ، و هو يعتلي زورق دعبول بصحبة الملك غازي . و أخرى يستحضر السكوتية عند مواجهته لشقي آثر أن يواجهه في ساعة متأخرة من الليل ، دون أن يعرف هوية الباشا . بعد أن تشهى شرب قدح من الشاي . بل أنه لا يتورع عن استخدام سلاح ( الطكطكة) للهزء و السخرية من مناوئيه إذ كان يجمع حفيديه ( صلاح و فلاح ) ، و يرقصهما على أنغام أهزوجة ( نوري السعيد القندرة ) .
أين نحن اليوم من الممارسة العملية والتطبيقية المقبولة في مجال السياسة ، هل ظهرت عندنا أعراف سياسية ، و خصائص مميزة يمكن الركون لها بوصفها تقاليد عمل ؟ أم أن سياسيو الصدفة أدمنوا لعبة ( الثعلب فات) و راحوا يتفنون في التسابق للحصول على المزايا و احتجان الأموال من دون وجه حق. و هل يوجد بين ظهرانينا سياسي تشرب الصنعة ، و له القدرة على إدارة الدفة لمنظومة الحكم؟ كيف السبيل وقد شقت بنا الدار؟! هل نبقى نلقي باللوم على ما جناه النظام السابق ، بعد العقد و السنة المضافة إليه؟! و كيف يمكن لنا أن نواجه هذا المجمل من التحديات و المفارقات المبكية والمضحكة ، والتي جعلت من العراقيين فرجة لخلق الله .
و تبقى قضية استخدام المصطلح الأعجمي ، فهل دعته الضرورة العلمية ؟ أم هو مجرد توشية و سقوط في فخ العجمة ؟! نقول الـ Praxis يا سادتي الكرام تمثيل معرفي خصب لما يمكن وصفه ( لفرد خلق لهذه الصنعة ) أو ما يطلق عليه باللسان العراقي ( الأسطة ) المحترف . إنها الممارسة و التطبيق العملي النائي بنفسه عن التنظير و التقعير . وعلى هذا نجد رجل السياسة المحترف القادر على إدارة الأزمات و مواجهة التحديات و المخاطر و الأزمات ، باجماع الأمة . و لنا في ذلك الشخصيات الكاريزمية ، مثل تشرشل أو ويلسون أو ابراهام لنكولن ، فيما يفشل في ذات الحقل من تحصل على أعلى الدرجات العلمية و أرفعها . إنها الإمكانات الذاتية القادرة على مواجهة الصراعات المعقدة خلال اللحظة الحرجة . إنها التاريخ في لحظة تشكله و رؤية العالم ، و التفاعل العميق والسلس للمجمل من الخبرات و الإمكانات و توظيفها سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا و اجتماعيا . و هي (العلاقة الجادة مع الضرورة )، كما يذهب في ذلك أنطونيو غرامشي.
1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صورة فوتوغرافية رائعة للفنان الفوتوغرافي الاخ والصديق الفنان الاستاذ هيثم فتح الله عزيزة 2013

                                         صورة فوتوغرافية رائعة للفنان الفوتوغرافي الاخ والصديق الفنان الاستاذ هيثم فتح الله عزيزة 2013 وتصبح...