الجمعة، 21 أكتوبر 2011

الاستاذ حسن طه حسن السنجاري مربيا وباحثا وشاعرا

ا.د.إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
     اللغة العربية لغة القران الكريم ،وقد شرفها الله بذلك وقد حظيت هذه اللغة بالاهتمام ليس من العرب وحسب بل من أقوام أخر  . ولست بحاجة إلى التذكير بما قدمه الكورد من خدمة عبر العصور وإذا ما قلبنا سجلات التاريخ فأننا سنقف عند جمهرة واسعة من الكورد الذين كتبوا وألفوا تصانيفهم باللغة العربية .هذا فضلا عن أنهم مارسوا تدريس اللغة العربية واهتموا بنحوها ، وصرفها ،  وبيانها ،وبلاغتها ، ونقدها ، وعروضها، وشعرها،  ونثرها . ويمكن في هذا الصدد أن نذكر بالمجهودات اللغوية والأدبية لعدد كبير من الكورد أمثال الأساتذة  محمد كرد علي ،ومحمود تيمور ،وعباس محمود العقاد ، وعلاء الدين السجادي وغيرهم . وأود أن أقرر هنا أنني جايلت اثنين من الأصدقاء لم أجد أكثر منهم غيرة على اللغة العربية وهما الأستاذ حسن طه حسن السنجاري ،والأستاذ الدكتور رشيد جليل فالح . ويسعدني اليوم ان أقف عند الأستاذ الصديق العزيز حسن طه حسن السنجاري .
      في موسوعته : "موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين "  قال زميله الدكتور عمر الطالب أن  الأستاذ حسن طه حسن السنجاري ولد في سنجار ، المدينة العظيمة ذات التاريخ المجيد سنة 1935 ، وأكمل دراسته الأولية في مدرسة سنجار الابتدائية وبعدها جاء  مدينة الموصل ليلتحق بالمتوسطة الفيصلية  الدينية ومديرها آنذاك الأستاذ الشيخ عبد الله النعمة . وقضى الإعدادية في الإعدادية النجيبية في بغداد .وبعد إكماله الإعدادية  دخل كلية الشريعة –جامعة بغداد ، وكان عميدها آنذاك المؤرخ الكبير الدكتور ناجي معروف ، وقد تخرج فيها  سنة 1959 ،حاملا لشهادة البكالوريوس في الشريعة واللغة العربية .
    بعد تخرجه عمل مدرسا في كركوك ثم في ثانوية سنجار وفي الإعدادية  الشرقية  في الموصل .وعندما أحال نفسه على التقاعد سنة 1994  كان يعمل مدرسا للغة العربية في إعدادية الزهور .
     لم يكن الأستاذ حسن طه السنجاري مدرسا تقليديا  ، بل كان مربيا فاضلا ،وأستاذا متمكنا من مادته، وباحثا ،ومؤلفا للعديد من الكتب اللغوية والنحوية وفوق هذا ، فأنه  شاعر كبير يشار اليه بالبنان .وقد عرفته  كذلك كاتبا،  وباحثا وتشهد له الأوساط العلمية والتربوية والثقافية بالتميز والإبداع .له دراسات قرآنية،  وفقهية، ونحوية، ولغوية يعتد بها في الأوساط الأكاديمية .
  عرف النقاد الأستاذ السنجاري شاعرا متمكنا ، يتقد شعره صدقا وحبا وحماسة  للدين والوطن والأمة .كتب الشعر في بداية حياته ملتزما بالعمود لكنه سرعان ما انساح ليكتب شعر التفعيلة والشعر الحر أو ما يسمى بقصيدة النثر  ، لكنه-  في هذا وذاك - ظل غير متسامح مع من يستهين باللغة العربية وكنت كثيرا ما أدرك سر حماسته  وإصراره على تصويب ما كنت اكتبه أنا وغيري في جريدة فتى العراق(الموصلية ) ، وفي حضرة شيخ الصحفيين الموصليين الأستاذ الراحل احمد سامي ألجلبي  . ومما يفرح حقا أنني كثيرا ما سمعت من شعراء  أفذاذ أن بداياتهم كانت مع الأستاذ السنجاري وخاصة عندما كان مدرسا في الإعدادية الشرقية ..كان يشجع الشباب، ويأخذ محاولاتهم الشعرية الاولى مأخذ الجد ، ويهتم بها ويصححها ويتفاجأوا بنشرها في "نشرة الشروق " المدرسية التي كانت تصدرها لجنة اللغة العربية في الإعدادية الشرقية .
      له من الأعمال المطبوعة : "الاستثناء في القرآن الكريم ..أنواعه ،أحكامه ،إعرابه" ،1991 و" توكيد مضمون الجمل بتتبيع الترادف في القرآن الكريم " ، 2005 و" الشافي الوجيز في إعراب كتاب الله العزيز" ، 2005،و" معجم الأساليب من قاموس الاعاريب " ،2004 و" غنيت شرعك" - ديوان شعر 2004، و"للمكرم..الإنسان.. الخليفة"-ديوان شعر 2004. – و"أجداث السيد الطبال"..قصائد ،دار اراس –اربيل 2007 .ومن أعماله كذلك : "أقباس قرآنية". و"شذرات من كتاب الله". و"أساليب لغوية- دراسة وتطبيق".
  نشر مجموعة من دواوينه الشعرية منها : "أفاويه ربع قرن" . و" توقيعات على زجاج العصر" . و" وجهك ينتظر المهدي" . و" آفاق ..رباعيات السنجاري". و"الأوتار.. راضية.. مرضية" . و " فليسامحك إلهي" .و" قصائد كانت مخفية " (ديوان شعر )2004، و" وجهك ينتظر الوقدة " .
     أبحر عدد من النقاد في أعماق  بحار الأستاذ حسن طه حسن السنجاري من خلال  الوقوف عند قصائده وخاصة تلك التي كانت حبيسة الصدر والتي كشف عن مكنوناتها مؤخرا وعكست ما كان يواجهه الإنسان العراقي في سنوات طويلة من الفقر والحرمان والجوع بسبب الحروب والحصارات ولعل الأستاذ القاص والناقد الصديق أنور عبد العزيز من الذين درسوا شعر السنجاري ومن ذلك ديوانه : "قصائد كانت مخفية " ،وقال عنها انه كأي قارئ حصيف صدم بعنوانها المثير والمحزن المثير للأسى، ولأقسى الحالات النفسية التي يواجهها الشاعر ، فلا يستطيع إطلاقها بل ويعجز عن منحها نسمة من حياة لتتصل بأعين وأرواح وضمائر القرّاء ، فتظل حبيسة مخنوقة بغضبها وعذاباتها وصمتها الرهيب المخيف الذي يحمل كل معاني الرفض والتمرد والانقياد الأعمى لواقع فجائعي قاسٍ موجع وأليم خلفته حروب دموية رهيبة للإنسان والأرض حتى للماء والطير والشجر ، محارق متعاقبة بلا هدنة أو استراحة ولو لأيام من أزمنة سوداء مرّة ، مرت على هذا الوطن الجريح ومع ذلك الحصار الاقتصادي الخانق الذي فرضه الأعداء ورافقه حصار داخلي أشدّ قسوة وإيلاماً فرضه التجار الكبار الجشعون الفاسدون وكبار المزارعين ومن بيدهم مقاليد التحكم باقتصاديات البلد المنكوب حتى بات (الجوع)  وصفاً غير مخجل دفع بالكثير من العلماء والأساتذة والمثقفين  والموظفين والمتقاعدين والعمال الأجراء لبيع غالبية مقتنيات بيوتهم ومنها كتبهم العزيزة عليهم ، وباتوا حائرين بائسين برواتبهم الشحيحة في إيجاد أي حل يقيهم خزي المسغبة ومدّ اليد استدانة وصلت عند بعضهم التسوّل وضاعت الفروق وامتلأت الساحات والأزقة (ببسطات) يبيع فيها المعلمون والمدرسون والمتقاعدون السجاير وعلب الشخاط وبعض السكاكر ، وصار أستاذ الجامعة يسرع بعد الانتهاء من إلقاء محاضراته ليصبح سائق (تاكسي) وهي مهنة لم يكونوا يجيدونها وكم من ذهب ضحّية وقتيلاً بعد أن سرقوا سيارته..." .
    يقول الأستاذ أنور عبد العزيز ان الأستاذ السنجاري شاعر (عروضي) متفوق بموسيقاه ..يتقن اللغة العربية بأسلوبية وروحية دقيقة .. لن يعجز عن كتابة (الشعر الحر) و(قصيدة النثر) و(شعر التفعيلة) وحتى ( النص) المنفلت من كل تسمية والجامع لعدة أجناس .. فالشاعر )شاهد ) على عصره وزمنه ..."وهكذا هو الأستاذ السنجاري .

     لقد حرص الأستاذ حسن طه حسن السنجاري على أن يقدم شيئا مفيدا لدارسي القران الكريم فمن خلال كتابه : " الشافي الوجيز في إعراب كتاب الله العزيز " والذي يقع في 772 صفحة من القطع الكبير وقضى في تأليفه ثلاث سنوات امتدت من 2002 إلى 2005 وأهداه إلى "محبي كتاب الله ..إلى من يشغله الاعراب " ذكر كل أوجه إعراب القران الكريم المختلفة وقال بأنه لم يدع كلمة تستوجب البيان إلا وذكرها ،وان تعددت اوجهها الاعرابية ،بل لم يدع  جملة او شبه جملة الا وتناول موقعها ما رأى ذلك ضروريا غير غافل عن الرأي الأخر ان وجد  .وعلى هذا الأساس فأن جهده في هذا الكتاب يمكن أن يعد مجمعا للآراء دون ترجيح رأي على رأي " وكل همه حفظه الله كان " الاستقصاء المركز الشديد لهذه الآراء ،فهذه الآراء هي آراء علماء في الإعراب لهم وزنهم وشأنهم ...انه –بحق – "لباب المطولات في إعراب الآيات القرآنية الكريمة " وكما هو معروف فأن كتب الإعراب اقصد إعراب القران الكريم كثيرة لكن ما جاء به الأستاذ السنجاري يعد فتحا جديدا في هذا الباب .
   أما في كتابه "معجم الأساليب من قاموس الاعاريب "  ويقع في 742 صفحة من القطع الكبير ،والذي كتبت عنه نشرة "روافد ثقافية"  في دار الكتب والوثائق –بغداد  "فقد حاول فيه السير على طريقة المعـــاجم ، وهو من ( قاموس الأعاريب ) أي من بحر الاعرابات ، وفيض أساليبها التي لا تحصى ، بحثا عن الكنوز واللآلىء في أعماق محيطات اللغة خلال عملية الغوص ، لالتقاط كل جوهر ثمين ، ودر نفيس. وفي هذا الكتاب ما يزيد عن ألف مادة لغوية، لا يجوز تجاهلها .  جمع  المؤلف  شتات الأساليب والتي تعني ما هو دائر على الألسنة لشيوعه التراثي أو المعاصر . فضلا عن حروف المعاني ، وبنى بحثه على القرآن الكريم أولا مكثراً من شواهده لاختلاف المواقع وذلك لأنه الأصفى ، ووضع آياته بين هلالين وبحرف معمق وبخط المصحف وان لم يجد ذهب إلى الشعر مكتفياً بموضع الشاهد منه أحيانا ، فان لم يجد لجأ إلى الأمثلة من النثر الفني ، أو الأمثلة المصنوعة من جمل القدامى ، أو ناسجا على غرارها ، لتكون أكثر معاصرة ، ويستشهد أحيانا بالحديث الشريف أو المثل الشائع .
وقد تناول الحروف جميعها ، وذكر الأفعال التي تتعدَد صور أساليبها ودلالاتها واعراباتها ، أما ما كان منها على وضع واحد فأهمله ، وكذلك فعل مع الأسماء وفي  المعجم خمسة ملحقات لها علاقة بالبحث تضفي عليه ما لا بد من معرفته، وأخذ المؤلف الكلمة في هذا المعجم كما تنطق ، غاضاً النظر عن جذورها ."
    إن مما نفخر به نحن الموصليين أن الأستاذ المربي الشاعر الإنسان حسن طه حسن السنجاري له سمعة متميزة في الموصل ..ومن الطريف أن له قصائد كثيرة في "حب الموصل والموصل الحب "  .وأكاد أقول بأن  الكثيرين ممن لهم  صلة بالتعليم، والشعر، واللغة العربية ، يعرفون الأستاذ حسن معرفة دقيقة فقد تخرجت على يديه أجيال وأجيال. وقد لااكون مبالغا إذا قلت انه إذا ماذكرت اللغة العربية في الموصل ذكر حسن طه ، فدروسه إن كان ذلك في المدارس أو في الدورات التعليمية معروفة ومشهورة وهذا دليل على تمكنه وتميزه بين أقرانه مدرسي وأساتذة اللغة العربية .
·       كلمة القيت في الندوة الموفقية التي عقدت في دار السيد علي فخري النومة عصر يوم الجمعة 14 تشرين الاول –اكتوبر 2011 لمناسبة تكريم المربي والباحث والشاعر الاستاذ حسن طه حسن السنجاري .
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...