قرية محسن المرير...قرية الابطال
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
وأنا أجول في محلات ، وأحياء ، ونواحي وقرى
وبلدات محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل ، أجد لزاما عليً ان أوثق لقرانا ، وقصباتنا
ومدننا ، وأُسرنا وعوائلنا ، ونكتب تاريخها ونستعرض دورها في الماضي والحاضر
ونتطلع الى مستقبلها من خلال توضيح إحتياجاتها وخاصة في الجوانب الخدمية .
كما يتوجب علينا ان نقف عند ملامحها ومعالمها
وما تتميز به على صعيد وضعها الاقتصادي والاجتماعي ...نقف عند شعرها وادبها
ومثقفيها ومواقفها . وكما تعلمون فإنني قدمت الكثير من الحلقات التلفزيونية ضمن
برنامجي ( موصليات ) والذي أُقدمه من على شاشة قناة ( الموصلية ) الفضائية منذ آب
سنة 2017 كما كتبت الكثير من المقالات عن بلدات وقصبات وقرى ونواح منها حمام
العليل والقاضية والسفينة وتلول ناصر والفاضلية واجحلة والشورة وغيرها من قرى ريف
الموصل .
واليوم اقف عند قرية طيبة مباركة قدمت الكثير
من الشهداء على مستوى العراق وفيها من الرموز والشخصيات المحترمة ذات المواقف
الوطنية تلك هي ( قرية محسن المرير ) إحدى
قرى ناحية القيارة الحبيبة .
وقرية محسن المرير تتبع إداريا ناحية القيارة
– محافظة نينوى وتقع جنوبها وتبعد عنها بحدود ( 20 ) كيلومترا وعن مركز مدينة
الموصل بحدود (80 ) كيلومترا .
إن معظم سكان قرية محسن المرير ،هم من قبيلة
اللهيب القبيلة العربية الاصيلة الكريمة . وعشيرة المرير تعتبر إحدى أبرز رئاسات عشيرة اللهيب ليس في محافظة نينوى ، وانما على
صعيد العراق كله حيث يعد الشيخ علي المرير ، هو الشخص الاول في الاسرة .كان كريما
شجاعا ذو حظ وافر من الجاه والمال ، وقد أعقبه في الرئاسة إبنه (كلش) وبعدهما
حفيده (مرير ) الذي طغى اسمه منذ اربعة أجيال على اسم القرية واسم العشيرة حيث
اصبحت الاسرة تعرف ب( آل مرير ) .
تولى رئاسة العشيرة كل من الشيخ خلف المرير
والشيخ محسن خلف المرير والشيخ عبد محسن المرير ونحتاج الى صفحات عديدة لكي نتحدث
عن هذه الرئاسات لكن لابد ان اقول ان لكل تلك الرئاسات تاريخ طويل ومواقف طيبة
ومباركة .
ففيما يتعلق بالشيخ خلف المرير الذي تولى
الرئاسة بين سنتي 1856 -1936 ؛ فأقول ان حضوره في العشيرة كان متميزا فقد تميز
بالذكاء والشجاعة والكرم وكان محكما عشائريا من الطراز الاول أي كان من العارفة
المعدودين حكمه نافذ في فصل النزاعات العشائرية والقبلية ...وضع اغلب ثوايا قبيلة
اللهيب وشكل مع الشيخ معيد الطرفة افضل ثنائي في قيادة القبيلة وكانت له مكانة
محترمة عند الحكومة العثمانية حيث كانت ولاية الموصل ومنذ 1516 حتى 1918 ولاية
تابعة للدولة العثمانية .وقد منحته
الحكومة العثمانية سنة 1910 ( النجمة الحميدية ) تقديرا لمواقفه في ضبط الامن
واستقرار العشائر في المنطقة .
كما كان للشيخ خلف المرير دور كبير في تحريك
المقاومة ضد المحتلين الانكليز الذين كانوا يتقدمون لإحتلال ولاية الموصل بعد احتلالهم للبصرة 1914 وبغداد
1917 وقد دفع الثمن باهضا عندما اصدر القائد البريطاني في الجرناف أمرا بإطلاق النار على بيت الشيخ خلف المرير
فإستشهد شقيقه الاصغر الشيخ عبد الله المرير في حزيران 1917 واصيب آخرون في هذا
الهجوم .
وبعد وقوع الاحتلال البريطاني للموصل سنة
1918 حصل الشيخ خلف المرير على دخالة المضطر أُسوة بشيوخ شمر بأمر من الشيخ عاي
فرحان الجربا وكان على صلة ايضا بالشيخ عجيل الياور شيخ مشائخ شمر آنذاك .
توفي الشيخ خلف المرير سنة 1936 تاركا رئاسة
العشيرة لولده الشيخ محسن خلف المرير .
كان الشيخ محسن المرير ، والذي تولى العشيرة بين سنتي 1910
و1993 ، رجلا معروفا بذكائه وحفظه لجوانب مهمة من التاريخ العربي الاسلامي وتاريخ
البادية ورموزها وزعاماتها وما قيل فيها من شعر وقصيد .وكان من العارفة ايضا رفيع
المستوى في أداءه ، نافذ الحكم فيما يقرره وكثيرا ما انتخب محكما في قضايا
ومنازعات مهمة .وكانت الحكومة تستعين به وخاصة في السنوات 1966 -1970 و1974 و1992
.
التقى الرئيس العراقي الاسبق المشير الركن
عبد السلام محمد عارف 1963-1966 .. كما
التقى شقيقه الرئيس العراقي الاسبق الفريق عبد الرحمن محمد عارف 1966-1968 مع عدد
من شيوخ محافظة نينوى ومدينة الموصل .
ولابد ان أشير الى ان الاستاذ ابراهيم المرير
كتب عنه وعن عشيرة المرير سنة 1994 كتابا جميلا بعنوان ( الشيخ محسن المرير ..سيرة
وذكريات ) .
تولى رئاسة العشيرة بعد وفاته سنة 1993 الشيخ
عبد محسن المرير وهو الشيخ الحالي .
والشيخ عبد محسن المرير من مواليد سنة 1935
تولى الزعامة ورئاسة قبيلة اللهيب بعد وفاة الشيخ محسن المرير سنة 1993 .وهو رجل
هادئ وكفوء وكريم وطيب ومعروف بالحكمة والمقدرة سار على نهج والده . وعند وقوع
الاحتلال الاميركي للعراق 2003 ، حافظ مع ابناء قبيلته على الكثير من المؤسسات
الخدمية في المنطقة من النهب والسلب .وكان السند واليد اليمنى له ابن عمه اللواء
الركن الشهيد ابراهيم المرير وكان ضابطا كبيرا في الجيش العراقي لغاية دخول المحتل
2003 وكان – رحمة الله عليه – من الضباط الذين يُشهد لهم بالوطنية والكفاءة
والشجاعة والنزاهة .
وقد شارك في العمل السياسي سنة 2005 وفي زمن
صعب للغاية وفاز بمقعد في مجلس محافظة نينوى عن (قائمة مجلس عشائر الموصل الموحد)
وقد خدم المحافظة محافظة نينوى بين سنتي 2005-2009 وقد اغتاله الارهابيون يوم 18
من تموز سنة 2010 أمام مسجد القرية خلال توجهه لإداء فريضة صلاة العشاء في المسجد
المجاور لداره .
قرية محسن المرير ، قرية لها تاريخ عريق
وفيها أبناء بررة قدموا الكثير من
التضحيات إن كان ذلك على مستوى المؤسسة العسكرية أو المؤسسة المدنية .وقرية
محسن المرير تسكنها قبيلة اللهيب هذه القبيلة العربية الكريمة المنتشرة في كل
قصبات العراق .
وخلال سيطرة عناصر داعش على محافظة نينوى بين
سنتي 2014-2017 ، كان لابناء قرية محسن المرير دور في المقاومة والتحرير ونحتاج
الى صفحات كثيرة لسرد تفاصيل تلك المقاومة .
قرية محسن المرير قرية زراعية حالها حال قرى
ريف الموصل وخاصة الجنوبي لكن كثرا من ابنائها توجهوا للخدمة في الجيش فأثر ذلك
سلبا على الزراعة والحياة الاقتصادية .
ومجتمع قرية محسن المرير مجتمه عربي اسلامي
محافظ متماسك له دور في الخارطة السياسية لمحافظة نينوى وفي بناء المحافظة وتأكيد
دورها.
وفي قرية محسن المرير مسجد اسسه الشيخ محسن
سنة 1970 بمعاونة اهل القرية يسمى (مسجد الرحمن ) في وسط القرية وهو مسجل في سجل
مساجد محافظة نينوى في دائرة الاوقاف .
ويرتبط تاريخ قرية محسن المرير بتاريخ وادي
المر وهو الوادي الذي شهد وفاة الشيخ عجيل الياور وهو يعبر بسيارة الوادي في حالة
الفيضان عندما قال لسائقه (مر) وغرق عندما حاصر الفيضان سيارته سنة 1943 فأصبح
الوادي منذ ذلك الحين يسمى ( وادي المر )) ويرى البعض ان اسم القرية مأخوذ من
(المر) لكن الحقيقة ان الاسم مأخوذ من اسم جد العشيرة ( المرير ) .
في قرية محسن المرير مدرسة ابتدائية هي
(مدرسة محسن المرير الابتدائية المختلطة ) تأسست سنة 1972 وكان اول مدير لها هو
الاستاذ محمد هادي محمد الجرجري ومن مدراءها طه يونس طه اللهيبي وصباح ذنون محمد
وعائشة عطية علي وصالح خلف مرزوك وخلف جاسم محمد اللهيبي وخلف جراد مناور وعبد
الله محمد العبطان وأحمد عواد أحمد ومنهم
من اهل القرية ومنهم من خارجها .
كما ان هناك في القرية مدرسة ثانوية هي
(ثانوية الشهيد ابراهيم المرير للبنين ) تأسست سنة 2013 ومن مدرائها
الشهيد الاستاذ رجب سبهان
الجبوري والاستاذ جمعة الجبوري وحاليا
الاستاذ فاضل عباس . وهناك مركز صحي كما ان فيها مشرع للماء تأسس في السبعينات من
القرن الماضي .
أنجبت القرية اطباء ومعلمين ومدرسين وضباط
ومحامين ومعلمات واساتذة وشعراء وادباء واعرف من رموزها الدكتور عبد الستار احمد
المرير طبيب الاسنان والمهندس محمود اسماعيل المرير واحتاج الى صفحات كثيرة لاذكر
الاسماء كلها .
تحياتي لأهلي في قرية محسن المرير وتمنياتي
لهم بالعز والتقدم والتوفيق .