الاسلام والبيئة
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
بسم الله الرحمن الرحيم : ( أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا ) صدق الله العظيم ، ومعنى الاية الكريمة ان الله سبحانه وتعالى خلق الانسان لغاية معينة ولهدف محدد ؛ وهو اصلاح الارض وبناء الحضارات والمدن . وهذه الغاية تأتي في إطار تكليف الانسان لهذه المهمة الخطيرة التي عجزت الكثير من الكائنات عن حملها . ويقينا ان الانسان ، وهو خليفة الله في الارض، يمتلك كثيرا من المقومات التي تساعده للقيام بهذه المهمة ، وإداء الرسالة ، ومن ابرز هذه المقومات إمتلاكه شروطا ثلاثة هي : الرغبة ، ، والارادة ، والهمة .
والارض التي يعيش عليها الانسان ، بما فيها من مظاهر الطبيعة هي المسرح الذي من خلاله يؤدي الانسان دوره ، ووظيفته السامية في اعمار الارض وبناء الحضارات .
والارض التي نقصدها ، هي البيئة والبيئة فيها كل مكونات الحياة لذلك لابد لهذا الانسان ان يحسن التعامل مع البيئة ، واول ما يجب عليه مراعاته ، وهو يستثمرها ويفيد من مكنوناتها ، هو (نظافة ) هذه البيئة ، وعدم العبث بمحتوياتها ، والحفاظ على التوازن فيها .
ومما اكد عليه الاسلام ايضا ، هو ان الانسان ليس مالكا لهذه الارض ، بل مستخلفا فيها .. له حق التصرف ، ودون ان يكون له حق الملكية ووفق قادة ( المُلك لله ) ، وعندما يعجز الانسان عن ان يقوم بواجباته في استثمار هذه الارض ُتنتزع منه ، وتعطى لغيره ووفقا لقاعدة اسلامية تقول ( الارض لمن يزرعها ) .
وثمة قواعد وضعها الاسلام للحفاظ على البيئة منها انه لابد ان يكون على وعي تام بما تحتاجه هذه الارض من حراثة وسقي وتشذيب وتهذيب ؛ فهو مسؤول عنها ، وبالشكل الذي لايضر لا بنفسه ولا بها اي بالارض ووفق ( قاعدة لاضرر ولاضرار) .
ولسنا بحاجة للدخول في تفاصيل حث الاسلام الانسان على الزراعة ، فهذه المسألة معروفة لانها تقع في اطار الحث على العمل ، والعمل في الاسلام عبادة ، ومن لايعمل لايأكل وقصة اولئك الذين اكتفوا بإداء الطقوس الدينية دون العمل معروفة ومتداولة وقد طردهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الجامع وعد من يقوم بإعالتهم أفضل منهم .
والاسلام أكد على عدم العبث بالطبيعة ، وحرم الاعتداء على الاشجار ، ومنع قطع المياه ، وعد النار والماء والكلأ شركة بين البشر بشرط تنظيم العلاقة مع هذه المكونات ، ووفق ما تراه السلطة الشرعية التي تتولى إدارة الحكم .
وطبيعي ان الاسلام ، وهو يحذر من اي اعتداء على البيئة ، فإنه اكد وجوب عدم التبذير والاسراف وأعتمد الوسطية ، والاعتدال وهناك الكثير من الاحاديث التي تدعم هذا الرأي وابرزها ذلك الحديث الذي يدعو الى ان على الانسان حتى وان كان على نهر جار فعليه الاقتصاد بالمياه .
ايضا مما اكد عليه الاسلام ، هو ان على الانسان ان يعمل من اجل ان تنساب الحياة في الشوارع والطرقات والازقة بيسر ، وان على الانسان ان يبعد عن هذه الشوارع والطرق والازقة كل ما يعيق حركة الانسان ، وهذه القاعدة او هذه الوصية ترتكز على ما هو معروف في الادبيات الاسلامية ( إماطة الاذى عن طريق الناس ) .
وفي تاريخنا العربي الاسلامي ، مؤسسات توكل اليها مهمة محاسبة كل من يخالف قواعد النظافة ، وحسن سير الناس ومراقبة الاسواق ، وضمان نوعيتها الجيدة ، ومنع التدليس والغش .
والاسلام وهو يحث الناس على زراعة الارض ، واعمارها لايقف عند حدود معينة ، بل انه يدعو الانسان الى وجوب الاستمرارية في الزراعة حتى لو قامت القيامة وعلى الانسان ان يستمر بالزرع والنظر الى المستقبل والتفائل مهما حدث حتى ولو ان القيامة قامت ؛ فالرسول الكريم يقول :" إن قامت القيامة وفي يد احدكم فسيلة فليغرسها " .
ويربط الاسلام بين اصلاح البيئة من عدمها بما يقوم به الناس تجاه البيئة ، فالفساد يظهر عندما يمتنع الانسان عن فعل الشيء النافع تجاه البيئة ، ويبتعد عن جادة الصواب ومصداق ذلك قول الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ) صدق الله العظيم .
والمبالغة ، والغلو ، والاسراف من عوامل هدم البيئة والسعي في خرابها لان ذلك يخالف قوانين الطبيعة ، واحكامها التي وضعها الله سبحانه وتعالى والقائمة على الاعتدال وثمة ايات بينات تؤكد هذا المبدأ فقد جاء في سورة الاعراف :بسم الله الرحمن الرحيم :" وكلوا واشربوا ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين " .
والاحكام والقوانين التي وضعها الله سبحانه وتعالى للطبيعة ، هي نفسها الاحكام والقوانين التي وضعها الله سبحانه وتعالى للتاريخ ؛ فالظلم الذي هو مخالف لطبائع الاشياء ، كما يقول العلامة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الانساني ، نهايته الدمار . وكذلك العدوان والاتيان بكل ما هو شر ، والتعامل مع الناس بغلظة وتجاهل مشاعرهم والاستبداد في حكمهم ، كل ذلك يؤدي الى انهيار الدول وسقوط الحضارات .
وثمة نقطة مهمة ادركها الاسلام ، وهي كما ان على الانسان ومن اجل التوازن في الطبيعة ، رعاية أخيه ، لابد ان يهتم بالحيوانات والنباتات فهي من تحافظ على التوازن في الطبيعة فالانسان عندما يموت مثلا يشترك 500 نوع من الحشرات في تفكيكه وجعله جزءا من التراب الذي سبق ان ُخلق منه ، فمن التراب انتم والى التراب تعودون .
والاسلام ينهى عن العدوان ، والحروب ، والتنازع ويدعو الى التعاون ، والتماسك والوحدة :"ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " . والرسول الكريم حتى يحقق التصالح الانساني ، والعيش الكريم ، والحفاظ على الحياة والبيئة اكد على افشاء السلام ، والتعاون ، والمحبة ، واشاعة الكلمة الطيبة الصادقة والموعظة الحسنة ، وان يكون مبدأ السن بالسن، والعين بالعين هو المبدأ السائد وعدم الاسراف في القتل في حالة رد العدوان ، واعتماد مبدأ العفو والتصافي .
عظمة الاسلام تتجلى في نظرته المتوازنة الى البيئة التي يعيش فيها الانسان ، والنظرة المتوازنة تقوم على اسس العدل ، والتسامح ، والاعتدال ، وعدم الاسراف ، ومراعاة الاخرين ، والتعاون معهم ، والهدف واحد وهو حماية الارض وحماية البيئة ولايحمي الارض ، ولايحمي البيئة الا عباد الله الصالحون ، المؤمنون ، العاملون، المجدون، المجتهدون ، الحريصون وهم - ان شاء الله - كثر فلنكن منهم ، ولنعمل مثلهم ولننسج على منوالهم .
_______________________________
*نص المحاضرة الافتتاحية التي القيتها في الندوة الموسومة ( حماية البيئة في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ) التي اقامتها كلية التربية الاساسية في جامعة الموصل يوم 28-10-2018 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق