كشف علمي جديد :العثور على ديوان الشاعر الموصلي قاسم الرامي
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
لايفرحني في الدنيا، أكثر من إن أجد باحثا شابا ، يغذ السير لان يحفر لنفسه موقعا متميزا في مجالات الحياة المختلفة .ويزداد فرحي عندما أعرف بأنه توصل إلى فكرة جديدة ،أو قام بمجهود علمي يمكن أن يغير الكثير من القناعات المعروفة .وفي هذا الإطار وضمن سياقه أطلعني أحد الشباب - ويعمل مهندسا أثناء زيارته لي في مكتبي - على اكتشاف جديد وهو عثوره وفي دار أحد أقرباءه على مخطوط لم يكن أحدا يعلم به وكاد الأمر أن يذهب بهذا المخطوط إلى( التنور) للحرق –شأنه شأن غيره من المخطوطات - وقد اتضح بأن المخطوط ليس إلا ديوان شعر للشاعر الموصلي الشيخ قاسم الرامي الذي عاصر الحاج حسين باشا ألجليلي والي الموصل الذي قاد المقاومة ضد حصار نادر شاه للموصل سنة 1155هجرية -1743 ميلادية .
وبالمناسبة فان الشاعر قاسم الرامي ،من شعراء الموصل البارزين عرف بالتدين ،فهو قاسم الملقب بالرامي بن مراد بن الحاج محمد راوية بن الحاج حسين الموصلي وطنا ،والحنفي مذهبا، والماتريدي اعتقادا ،والقادري طريقة. ومما يجب علي ذكره أنني عندما كتبت عن "الحياة الفكرية في الموصل أبان العهد العثماني" في موسوعة الموصل الحضارية ،لم أجد عن الشيخ قاسم الرامي سوى القليل من المعلومات المتداولة منها على سبيل المثال ماكتبه المطران المؤرخ سليمان الصائغ في كتابه : "تاريخ الموصل " وهو بثلاثة أجزاء وفيه يقول : " أن الملا قاسم الرامي شاعر موصلي ، لم نقف على زمن مولده ،ولا على تفصيلات من أخباره، وما عرفناه انه كان من الطريقة الصوفية ،ومن مقدميها ،وكان يصحب شيوخها ويحدو لهم لأنه كان موسيقيا خبيرا بالنغمات والنقرات ،وكان شاعرا مجيدا ،برع في نظم الألغاز الدقيقة اللطيفة وشعره جيد أكثره في المدائح النبوية على شكل الصوفيات، وذكر له متسعات بليغة في المديح على حروف الهجاء ...وله يد طولى في الشعر القصصي فأنه نظم بعض الوقائع التي جرت في زمانه منها ...حصار الحاج حسين باشا ألجليلي ...للعمادية سنة 1153- 1741م...وانشد لما حمل سليمان بن الغازي ألجليلي على جبل سنجار ...ومن نظمه أللغزي قوله يلغز في اسم الموصل ... وقد شاع اللغز الشعري آنذاك وهو أن يلاغز الشاعر في نظمه إلى موضوع يذكر صفاته الفارقة ام خواصه كلها من إعمال الفكر فأحسن اللغز الشعري ما كان أكثر انطباقا في صفاته على الموضوع .وقد نظم فيه كثيرون من شعراء الموصل حتى كانوا يتراسلون بالألغاز ومن أشهرهم فضلا عن قاسم الرامي ، يحيى بن فخر الدين المفتي الحسيني ويعد نظم الرامي، والحسيني أنموذجا في الشعر ..." .كما أن له قصائد متفرقة في الغزل ..." . ولد في الموصل سنة 1110 هجرية -1699 ميلادية وتزوج فيها سنة 1133 هجرية -1721 ميلادية ورزق بمولود اسمه مراد سنة 1136 هجرية -1724 ميلادية .وله من الأبناء يحيى وقد أرخ في شعره حوادث خطيرة ومهمة تعرضت لها الموصل ومنها حصار الموصل .
وكان ديوانه الموسوم : "الديوان المجموع " مفقودا ،ولم يصلنا من شعره إلا القليل المتناثر في بطون الكتب ومنها كتاب الروض النضر، وكتاب شمامة العنبر ،وتاريخ الموصل للصائغ . وقد ذكر ياسين العمري المؤرخ الموصلي المعروف جانبا من شعره .
الشاب المهندس الذي اكتشف ديوان الرامي ويعمل الآن على تحقيقه هو (علي عبد الله محمد خضر ) وقد قدم إلى المؤتمر العلمي السنوي الرابع لكلية التربية الأساسية الذي انعقد للمدة من 30-31 آذار الجاري 2011 بحثا حول اكتشافه بعنوان : "الديوان المجموع للشيخ قاسم الراوي الشهير بابن راوية (بتشديد الياء ) وتحديد تاريخ ولادته 1110 -1186 هجرية (1699-1772م )" . وقد أشار في بحثه إلى انه عثر- فضلا عن الديوان - على أجزاء كبيرة من كشكول دون فيه الرامي بعضا من العلوم والفنون التي يجيدها .
تضمن بحث السيد علي ستة محاور تناولت وصفا للديوان المخطوط ،وكيفية العثور عليه ،وترجمة الشاعر وحياته،ومكانته العلمية،وعلاقاته مع شعراء زمانه وآثاره وأهمية الشاعر وديوانه .
الديوان بشكل دفتر يقع في قرابة 102 ورقة بغلاف جلدي . وقد فقد الغلاف الأخير وبعض الورقات. ويبدأ الديوان بعبارات من قبيل : " إن من البيان لسحرا، وان من الشعر لحكمة ...أما بعد فأن مجموعي هذا هو للعاشق سلوة ،وللنديم قهوة ،وللراعي شبابة ،وللطبيب قرابة ،وللشاعر المجيد بيت القصيد ولأهل المجون ثوب الخلاعة، ولأهل المديح النبوي قد على منهج أهل السنة والجماعة ولمحبي آل البيت شيعة مقبولة، ولمديح الوزراء والأكابر والأعيان، منازل مأهولة ،ولأهل الموسيقى مقامات وشعب بما تضمنه من الموشحات ونظم الطرب ولم أتخط فيه ...وهذا ما قدحه زند فكري، وجاد بمعانيه نظمي ..." .
قال عنه محمد أمين الخطيب العمري في كتابه : "منهل الأولياء ومشرب الأصفياء من سادات الموصل الحدباء " إن قاسم الرامي شاعر مشهور بسرعة نظم التواريخ ،عارف بالموسيقى ،خبير بالإيقاع والنغمات والنقرات ...يعاشر الصوفية ،ويحضر معهم السماع ويحدو لهم فيسكرهم طيب حدوه ،وغرابة شدوه .وفي كتاب الدر المكنون تأليف ياسين العمري جاء ذكر الرامي على انه شاعر اديب له رسالة فنية وكان عارفا بالموسيقى .كما ترجمه عصام الدين عثمان بن علي العمري صاحب كتاب "الروض النضر في ترجمة أدباء العصر "وقال انه ذكر من أشعاره ما يرشدك إلى علو منزلته وقوله في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
أحب غزال الحي عذب المقبل
ولست أبالي من وشاة وعذل
كما أشار إليه ألغلامي في شمامة العنبر قائلا : "إن أقصى مرامي رؤية الرامي ،أريب حلب من هذا الزمان شطره وذاق حلوه ومره ... " .وأضاف : "كان قارئا للقران الكريم ،عارفا بفن التجويد ، له نثر لطيف ، وله في الموسيقى باع طويل ... " .
توفي الرامي سنة 1186 هجرية الموافق لسنة 1772 ميلادية .
وقف الباحث على جملة من الحقائق أبرزها أن الشاعر قاسم الرامي عمل في بدية حياته ناسخا للكتب ، كما رافق المشايخ الصوفية ،وكان على صلة بالشعراء الذين جايلوه أمثال الشعراء عثمان بكتاش ،وحسن عبد الباقي العمري ،ومحمد بن مصطفى الغلامي .كما أن من آثار الرامي ،فضلا عن الديوان، مجموعة قصائد ست أولها قصيدة "الدر النظام في مدح خير الأنام " ثم لديه أربع قصائد بأسم "قلايد الظرفا في مدح الأربعة الخلفا " .والقصيدة السادسة في مدح الحاج حسين باشا ألجليلي والي الموصل .وللرامي مجموعة في علم القراءات ،وبعض الكتابات في العقائد، وله اقتباسات من كتب فقهية ،وتفاسير تقع في 40 صفحة وله قصيدة في انجماد نهر دجلة سنة 1170 هجرية -1757 ميلادية .
لقد أكد الباحث على أن ديوان الرامي جاء متكاملا من حيث النوع والغرض الشعري مقارنة مثلا مع ما نشره الدكتور محمد صديق ألجليلي على انه ديوان للشاعر حسن عبد الباقي . ومن هنا فالديوان ، يعد مصدرا مهما ليس من المصادر الشعرية في العهد العثماني وحسب ، بل يعد من مصادر الحياة الثقافية في الموصل في العهد ألجليلي وما شهده هذا العهد من أحداث ومتغيرات .كما أن الديوان يكشف عن وجود المدرسة البكتاشية في الموصل بحدود العام 1178 هجرية – 1765 ميلادية وهي المدرسة التي لم نكن نعرف بوجودها .وليس من شك في أن الديوان المكتشف يعد –بحق- وثيقة تاريخية جديرة بالدراسة والتقييم .أهنئ ولدنا السيد علي عبد الله محمد خضر وأدعو له بالتوفيق والنجاح في عمله .