الاثنين، 13 ديسمبر 2010

حامد علي البازي 1920 ـ 1995 ودوره في توثيق تاريخ البصرة الحديث

البازي في شبابه والبازي في مشيبه
حامد علي البازي  1920 ـ 1995
ودوره في توثيق تاريخ البصرة الحديث·
أ‌. د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –العراق
    من أبرز مؤرخي البصرة ، وهو من هواة المؤرخين، شأنه شأن ،عباس العزاوي، وعبد الرزاق الحسني ، وخيري العمري،  وصديق الدملوجي .. لم يتلق تعليما أكاديميا في التاريخ ، وإنما اتجه إلى التاريخ من باب الرغبة في الاطلاع والتوثيق لما يحيط به من أحداث ومتغيرات .. وقد شكلت كتاباته مصدرا مهما لكل من يريد كتابة تاريخ البصرة الحديث وخاصة فيما يعرف بالعصور المتأخرة(1) . كتب عنه صديقنا الأستاذ حميد المطبعي في موسوعته  (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين) بضعة أسطر  .(2)
     هو  حامد علي تركي البازي ، ولد في"محلة الخليلية " وهي من المحلات العريقة في البصرة سنة 1920(3)، دخل المدرسة وهو ابن 10 سنوات .وكانت مدرسة السيف الابتدائية مدرسته،  وقد استفاد من المحلة التي ولد فيها، والمحلة التي كانت فيها مدرسته الابتدائية في تكوين علاقات وثيقة بالناس فكان يصغي إلى كبار السن، ويتعقب الأخبار ويتردد  علي مجالس المحلة التي تعقد ليلا ليسأل ندمائه عن أخبار البصرة، وينصت باهتمام إلي أحاديثهم الشخصية ويدون ما يهمه منها عن أيام مضت(4).وفي عام 1936 أكمل الدراسة الابتدائية ودخل متوسطة البصرة وكان الجو السياسي السائد آنذاك قوميا لذلك أسهم  في تأسيس"جمعية اتحاد عرب الخليج" العلنية التي حظيت بدعم مجموعة من الضباط القوميين في البصرة  آنذاك، وبعد انتقاله إلي ثانوية البصرة عام 1940 أصبح عمل الجمعية سريا بعد مقتل الملك غازي في نيسان 1939 .كما اتصل بمجالس الأدباء والشعراء  منذ عام 1936وكانت تلك المجالس  تعقد آنذاك في المساجد والمكتبات الأهلية. ومن أدباء تك الفترة الذين اتصل بهم وعاصرهم: كاظم محمود الصائب،وكاظم مكي حسن، ومحمد هادي الدفتر، وغالب الناهي وغيرهم. عرف بالعصامية أي أنه  كون نفسه بنفسه، ففي صباه كان يوفر نقودا من عمله ككاتب في (جراديق) التمر ويشتري بها كتبا ومجلات ، وقد ولع باقتناء الكتب وكانت مكتبته صومعته التي ينام فيها ويمضي ليله ونهاره فيها ولا يبارحها إلا ما ندر، وقيل أنها كانت  تضم حوالي خمسة آلاف كتاب. اشتغل - منذ تفتح ذهنه  على الأدب والثقافة  عام 1935 وما بعده في فترات متقطعة من حياته - محررا ومصححا في الجرائد البصرية التي كانت تتخذ من المطابع التي تطبعها إدارات لها، ومن الصحف التي عمل فيها جريدة (الخبر)، وجريدة (البصرة) عام1945.(5)
     كان كمجايليه ، وطنيا عراقيا ،وقوميا عربيا ،لذلك اتجه إلى التاريخ في محاولة منه للعودة إلى الجذور والأصول . كما أولع  بالتنقيب عن الغرائب والعجائب وتسجيل أيام المدينة وأحداثها ووثق لكثير من أخبارها.(6)
     ترك الدراسة بعد تخرجه من الإعدادية ،واتجه نحو الوظيفة حيث عين قاطعا للتذاكر في   محطة قطار المعقل .كان  عضوا  في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق ، وقد أسهم في نشاطات ثقافية ،وتاريخية، وفكرية كثيرة خاصة في الفترة الواقعة بين أوائل الخمسينات وحتى أوائل التسعينات من القرن العشرين(7) . كتب الدكتور رياض الاسدي(8) مقالة قيمة بعنوان : "لنتذكر حامد البازي " قال فيها أن الأستاذ حامد البازي عرف بطيبته البصرية ككل أبناء البصرة ،وكان أنيقا في ملبسه ،وقد التقى به في بغداد أواسط الثمانينات من القرن الماضي. وأضاف : " جاء حامد البازي بغداد بطاقيته البيضاء الأليفة وبدلته السوداء النظيفة والمكوية جيدا. كان يهتم - رحمه الله - كثيرا بمظهره كما هم أبناء جيله من الأربعينيين العراقيين: كانت ربطة العنق ضرورية ،وكذلك الحذاء المصبوغ جيدا ،والذقن الحليق يوميا. وغالبا ما يكون القميص ابيض ناصعا: هكذا هم موظفوا الدولة العراقية العتيدون. وهكذا كانت المقابلة الصحفية التي أجريتها مع البازي في أول لقاء بعنوان : " البصرة مدينة ماء الورد " .. ثم تحدث البازي عن مكتبته وخشيته على كتبه وما إذا كان يمكن أن تسقط قذيفة  ما ،والحرب بين العراق وإيران مشتعلة  ، على تلك المكتبة التراثية التي تعدّ من أهم ما خلفه البازي لنا. أما أهم ما كان البازي يؤكد عليه هو تلك العلاقة الحميمة التي كانت تربطه بعبد العزيز الرشيد صاحب كتاب (تاريخ الكويت) المعروف ومدى إسهام البازي في توثيق الكثير مما جاء في ذلك الكتاب."
   والأستاذ حامد البازي متزوج من امرأتين، توفيت إحداهما في حياته .وقد كرم في حياته عدة مرات منها انه كرم بوسام المؤرخ العربي من قبل اتحاد المؤرخين العرب وضمن الوجبة الثالثة في الثاني من تشرين الأول سنة 1987 وذلك تقديرا لجهوده في توثيق تراث وتاريخ مدينته : البصرة .(9)
   ومن نشاطاته انه عمل في توثيق تاريخ البصرة المتأخر بالصور الفوتوغرافيـة .. ومـن مؤلفاته المطبوعة:(10)
1) الشراب الحلو (قصص) عام 1950.
2) مع الناهي والنويهي عام 1954.
3) مهيار الديلمي  عام 1956.
4) البصرة في الفترة المظلمة عام 1969.
5) الأهواز عام 1982.
6 )حياة محمد .
7)الفتى العربي الأول علي بن أبي طالب عليه السلام .
8)ثورة العشرين ومساهمة البصرة فيها .
 كما أن له مؤلفات مخطوطة هي:
1) تاريخ البصرة الكبير، في سبعة أجزاء.
2) مختصر تأريخ البصرة في العهد العثماني.
3) رقصة الهيوة.
4) أغاني الخليج العربي.
5) الثورة العراقية عام 1920.
     كتب عنه  صديقنا المرحوم الدكتور كفاح كاظم الخزعلي مقالا قال فيه : " أن الأستاذ البازي ولد في محلة بصرية عريقة تسمى الخليلية، وهي إحدى قلاع المقاومة ضد البريطانيين  الذين احتلوا البصرة سنة 1914 وقد عمل في دائرة السكك الحديد في البصرة  بعنوان: " رئيس ملاحظين" للمدة من 1943-1978، وقد اهتم بتدوين تاريخ البصرة وأحداثها المهمة والحديث عنها في المجالس والدواوين البصرية وكان متضلعا في معرفة حياة الصيد والبحر عند البصريين وقد حرص على تعريف الأجيال الجديدة بما كانت عليه مدينتهم" .(11)
     ابتدأ البازي حياته السياسية  منتميا إلى التيار العربي القومي ، فلقد أسهم في أواسط الثلاثينات من القرن الماضي في تشكيلات وأحزاب قومية منها –كما سبق أن قدمنا -إسهامه الفاعل في تأسيس جمعية باسم (اتحاد عرب الخليج) وكان نشاط هذه الجمعية سريا وخاصة بعد وفاة الملك غازي (1933 ـ1939) في حادث سيارة غامض سنة  1939 ، وقد قيل في حينه أن الملك غازي قتل نتيجة توجهاته القومية ومعاداته للنفوذ البريطاني .(12)
     كتب الأستاذ محمد صالح عبد الرضا عن المؤرخ البازي مقالا،ومما قاله إن البازي كان له ولع شديد بالكتاب منذ صغره ، وقد اتصل بعدد كبير من الشعراء والأدباء البصريين وحضر مجالسهم الأدبية وقد دفعه ولعه بالكتاب والقراءة إلى العمل الصحفي مصححا في بعض الصحف البصرية ، كصحيفة الخبر وصحيفة البصرة وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية . ومع انه ألف مجاميع قصصية منذ سنة 1950 وبعض كتب الأدب منها (مهيار الديلمي 1955 ) ،و(الشراب الحلو 1956 ) ، إلا انه تفرغ لانجاز مؤلفات لاتزال حتى يومنا هذا مخطوطة ولم يطلع عليها إلا عدد قليل من الباحثين وطلبة الدراسات العليا .. فمن مؤلفاته التي لاتزال تنتظر الطبع كتابه عن ( تاريخ البصرة ) ويقع في سبعة أجزاء ، وكتاب ( مختصر تاريخ البصرة في  العهد العثماني) وكتاب عن ( الثورة العراقية في العهد العثماني) وكتاب عن ( الثورة العراقية لعام 1920) .(13)
   عندما سأل الأستاذ عبد الرضا المؤرخ  البازي في مقابلة معه أجراها سنة 1987 عن سر اهتمامه بالتاريخ وتاريخ البصرة بالذات قال إن : "تاريخ العراق عامة وتاريخ البصرة خاصة لذيذ وشيق للقاريء والسامع ، حيث أن أخبار هذه الحقبة من الزمن ( يقصد الفترة المظلمة في تاريخ العراق والممتدة منذ بدء السيطرة العثمانية 1538 وحتى احتلال البريطانيين للبصرة1914 كان مطمورا وبعضه لايزال في طي المخطوطات والسجلات والمذكرات وكان شوقي للبحث قد دفعني إلى أن أتحمل المشاق وأتجشم المصاعب لاستقصي التاريخ ، وأنا اقضي الليالي والأيام منهمكا بين الكتب والمكتبات والاتصال بالناس والعلماء والمعمرين لأحصل على أخبار ذكر بعضها في مصدر واحد أو جاء على لسان واحد مرة واحدة أو هو لايزال محجوزا في مكتبات احد من الناس ..." .(14)
   وفيما يتعلق بأسباب اهتمامه بالفترة المتأخرة من تاريخ البصرة يقول أن ذلك يرجع إلى اعتقاده بان حوادث هذه الفترة غامضة . وقد ركز الأستاذ حامد البازي في الجزء الأول من كتابه :"البصرة في الفترة المظلمة وما بعدها " على  القرون الأربعة من التاريخ العثماني أي الممتدة من سنة 945 هجرية 1538 ميلادية إلى سنة 1333 هجرية 1914 ميلادية وكان يقصد بالمظلمة أن هذه الفترة مهملة من المؤرخين وبعبارة أخرى مظلومة تحتاج إلى دراسات وبحث لملامحها وأبعادها وموقعها في حركة التاريخ العراقي الحديث . لذلك فأن  الكثير من أحداثها – كما يرى - غير موثق بعد  .  ولعل من المناسب القول أن كثيرا  من مباحث كتابه قد نشرت في صحف بصرية منها جريدة التاجر وجريدة النهار وجريدة البريد ومجلة التاجر .(15)  ويشير البازي إلى جهود ابنته (استقلال ) في تبييض بعض مسودات الكتاب ومساعدته في توفير المصادر والمراجع كما أشاد بحواراته مع الأستاذ غالب الناهي والأستاذ عبود الشبر وتشجيعهما له في المضي في دراساته وبحوثه عن البصرة .وكانت خطته تقوم على دراسة تاريخ البصرة في قسمين اولهما يبحث في الفترة التي  سبقت تأسيسها سنة 14 هجرية الى سنة 940 هجرية  وهو في جزئين أعد  مسوداتهما . وثانيهما القسم الذي يبحث عن تاريخ البصرة في الفترة المظلمة وهو الذي تولى مواطنه الأستاذ علي البصري صاحب دار منشورات البصري في بغداد نشره في مطبعته مطبعة البصرة في 14 تشرين الاول سنة 1969 .(16) ومن الطريف أن الأستاذ البازي  اكتفى بعدد من النسخ المطبوعة من الكتاب لإهدائها الى أصدقاءه ولم يطلب أي مقابل مادي من الناشر وقال الأستاذ علي البصري : " ان غاية قصده أخراج الكتاب إلى الوجود كي يبقى له ذكرا للمستقبل فما يكتب في القرطاس هو الذي يبقى للكاتب ذكرا أبديا يخلده في بطون التاريخ " واشترط ان توضع في صدر الغلاف من الجهة العليا اليمنى عبارة لطيفة وهي : "من التأريخ للتأريخ " (17) . ويعلل الأستاذ البازي سبب تقديمه القسم المتأخر من تاريخ البصرة في النشر وتأجيله التاريخ المتقدم إلى انه فعل ذلك  "لغموض حواث هذا القسم وعدم سرد التاريخ لها فقد التقطت أخبار هذه الفترة من مصادر أكثرها لم تدخل المطبعة  بعد عند كتابة تلك السطور " . ويؤكد المؤرخ البازي على أن في عودته إلى  مصادر الكتاب  التاريخية كان  يبتغي الدقة والصحة. كما انه يعمد إلى المقارنة بين المصادر ويسعى من اجل إزالة الغموض أو التضارب في سرد الأحداث .(18) ولعمري فأن هذه هي مواصفات المنهج التاريخي الذي تعلمناه  ونعلمه لطلبتنا في أقسام التاريخ بجامعاتنا العراقية  . ولاينكر المؤرخ البازي أهمية كتب الرحلات في توثيق تاريخ البصرة ويضرب على ذلك مثلا ، رحلة ناصر خسرو ، وهو رحالة إيراني زار البصرة سنة 1051م، ورحلة مدام ديو لافوا التي زارت البصرة سنة 1881 ومن قبله الرحالة انجهولت الذي زار البصرة سنة 1886  .ويقف البازي عند الدور التجاري الذي لعبته البصرة في الخليج العربي، ولا ينسى متابعة البنية الاجتماعية للبصرة في تلك المرحلة المبكرة من التاريخ الحديث ، وهو في تأريخه للبصرة، يتناول حال الناس ،وعلاقاتهم بالبحر، والصيد، ووسائط النقل، والسفن والمراكب ،وتجارة التمور، والأمراض والأوبئة، والنكبات،والغزوات التي تعرضت لها البصرة مرارا وتكرارا . فعلى سبيل المثال قال أن البصرة كثيرا ما كانت تتعرض لأسراب الجراد وهذا ما كان يدعو الأهالي في البصرة لتجنيد أنفسهم لمحاربته ليلا ونهارا  ،خاصة وان الجراد كان يضر الزروع ،ويدوم وجوده لأكثر من أسبوعين ويتسبب الجراد في ارتفاع أسعار الحاجيات .. كما كانت البصرة تتعرض للطاعون الذي يمتد إلى منطقة الأهواز بإيران  وكثيرا ما كان الناس يهربون إلى الصحراء (19).. وقد أشار المؤرخ البازي إلى ما كان يعانيه البدو عند اشتداد الأزمات الاقتصادية ومن ذلك أنهم كانوا يبيعون خيولهم بأثمان رخيصة وذلك من اجل لوازمهم واحتياجاتهم من الحبوب والتمور . من مباحث كتابه : "البصرة في الفترة المظلمة " معنى البصرة وتأسيسها ،تجارة البصرة مع تطور الزمن ،البصرة قبة الدنيا ،البصرة حاضرة زراعية تجارية ،صفحات من تاريخ البصرة في الفترة المظلمة ، بواخر النقل النهرية والبحرية ،الطاعون في البصرة الصيرفة في البصرة ،نشأة الصحافة البصرية ،تاريخ تأسيس الشركات الوطنية والأجنبية ،الملابس البصرية ،ميناء أم قصر ،المحاكم ،الكمارك ،الرحالة والسواح الذين زاروا البصرة ،غرفة تجارة البصرة ،أول سايلو يؤسس في البصرة ،تجارة الصوف ،وسائط النقل على الخيل والابلام العشارية والنصارية ، ،الطابو في البصرة، السفن  النهرية والبحرية  التي كانت ترسو في شط العرب ،طابع البريد من البصرة إلى بومبي وقيمته سنة 1863 ،العملة من البارة والمجيدي، أول انتخاب يجري لمختاري البصرة ،مساحة البصرة ومحلاتها ،أول قابلو بين البصرة والهند ،علاقة البرتغاليين والهولنديين والانكليز والمساقطة بالبصرة ،الأراضي الأميرية والسلطان عبد الحميد الثاني 1876 -1909 المسيحيين واليهود والهنود  في البصرة وإعداد نفوسهم  ودورهم كصيارفة وتجار وصاغة ، المبشرين ، محلات اللهو والرهان على الخيول والكلاب والديكة .وفي الكتاب صور تاريخية وتراثية نادرة منها صورة الصحفي الرائد محمد نجيب المشراقي والبزاة والصقور والابلام والقوارب والسباحة والغطس وغير ذلك من الألعاب المسلية صاحب الجريدة الهزلية : " التاج " التي صدر عددها الاول في 22 تموز سنة 1911   وصورة الشيخ صالح باش اعيان مع المحامي عمر فوزي وصورة السيد طالب النقيب ومقبرة السيد أحمد الرفاعي ومدرسة يادكار حريت (تذكار الحرية ) في سنة 1908 وقشلة البصرة سنة 1906 .(20) 
  كان المؤرخ حامد البازي بصريا أصيلا، محتفظا بنقائه الجنوبي ،وأصالته، وصدقه مع نفسه ومع الناس . كما عرف بالتواضع ، اوالحلم ونكران الذات والميل إلى  الطرافة والبساطة وغالبا ما كان يبتسم ابتسامة مهذبة لمن يلتقيه وتتلاقي في نفسه، بمكان اكبر وقسط أوفر، الطبائع البصرية ،والحس العربي  النبيل..ومن عاداته ارتياد المقاهي التراثية ولعل أهم مقهى كان يجلس في مقهى أم السباع وقد كتب عن هذا المقهى الأستاذ عبد الكريم العامري(21) مقالة: " إن مقهى أم السباع أسسها المرحوم الحاج ناجي المعروف (أبو العشر) عام 1933 وتعد  من أقدم مقاهي البصرة ،وتقع في منطقة البصرة القديمة وفي منطقة يطلق عليها عز الدين  وموقعها الحالي سوق الخضار وسوق السمك ، سميت المقهى بهذا الاسم كون بوابتها تحتوي على تمثالين لأسدين، وقد كان يرتادها كثير من الفنانين والأدباء نذكر منهم المؤرخ( حامد البازي) ، والمطرب الكويتي (عوض دوخي) والدكتور (عبد الوهاب لطفي) وكان السيد صبري أفندي (أمين صندوق البصرة) أو كما تقول كلمات الأغنية التراثية(صندوق أميني  البصرة) من المدمنين على الجلوس في هذا المقهى ولساعات طويلة وقد تحدث السيد (صبيح جعفر حسن) وهو واحد من أصحاب المقهى بأنه مقهى السباع  كان منتدياً أدبياً وثقافياً ومن الذين عملوا فيه  (عبد الوهاب أبو الشوربة)الذي كان عضواً في حزب الاستقلال وكان يحرص على تحريض الزبائن  ضد الاستعمار والدفاع عن فلسطين.وقد أدخلت الى المقهى لعبة البليارد لأول مرة في البصرة بعد ان كانت تقدم النارجيلة ولعبة الدومينو والمقهى معروف على نطاق عربي وعالمي وترد له الرسائل من الذين سبق وإن زاروه من جميع دول العالم كما كتب عنه في الكثير من الصحف والمجلات المحلية والعربية مثل (المتفرج ،والفكاهة ،وألف باء ،والعربي).
    وقد وثق الأستاذ حامد البازي الكثير من الأحداث الطريفة التي شهدتها البصرة في تاريخها الحديث .كما وثق سير وطرائف بعض شخصياتها ومنهم على سبيل المثال" صبري أفندي صندوق اميني البصرة " ،الذي خلدته المطربة العراقية الأصيلة صديقة الملاية كما اشار إلى معرفته به واستفادته من بعض أوراقه ونشر على الصفحة 92 من كتابه "البصرة في الفترة المظلمة وما بعدها " صورة صبري أفندي أمين صندوق البصرة وقال انه اعتمد في كتابه على مارواه السيد صبري أفندي وخاصة فيما يتعلق بمالية البصرة وميزانيتها  ومما قاله البازي  كذلك : " انه  كان هناك مغنية حلبية اسمها (حياة) وكان والي البصرة (الدروبي) يحبها ولكنها كانت لا تأبه بحبه ولذلك أراد الانتقام منها فساق ولدها للخدمة العسكرية، بينما لم يكن قد بلغ السن القانوني للجندية ،وكان صبري أفندي بحكم وظيفته المالية عضوا في لجنة السوق العسكرية وقد استاء من عمل الوالي ورفض قرار السوق ما أدى إلى أزمة بين الوالي وصبري أفندي انتهت بان دفع صبري البدل النقدي عن ابن المغنية وهو حل وسط، إذ ساءه أن يرى الوالي ينزل إلى درجة الانتقام من المغنية بالخروج على القانون.. وبرغم أن صبري أفندي كان يحب الطرب فهو لم يعمل فاحشة أو يشرب خمرا طيلة حياته، واثر هذا الحادث نظمت المطربة حياة الأغنية بنفسها واعتقدت أن صبري أفندي يحبها فحاولت التحرش به.. ولما رفض ذلك أشارت عليه أن تكون علاقته بها سرية وبلغة ذلك الزمان (بسكوت) إي سرا ولكنه رفض ذلك وقد غنت (حياة) تلك الأغنية وكان ذلك في العام 1912 في حديقة صغيرة تقام عليها اليوم بناية محاكم البصرة. وكان من ضمن مقاطع هذه الأغنية:


بلسكوت بلسكوت.. عاشره بلسكوت..
الله يخلي صبري.. صندوق أميني البصرة
رمانتين بفد أيد متنلزم
       غير أن الأستاذ البازي كان قد ذكر بان المطربة (نجاة) غنت هذه الأغنية في ملهى (اولكا) في البصرة في العام 1912، وغناها عبد الله أفندي مسجلا ذلك اسطوانة حاكي (كرا م فون) سنة 1928 ثم غنتها صديقة الملاية وسجلتها على اسطوانة العام 1926، ولكنه عاد مستدركا انه في سنة 1928 غنى المطرب إسماعيل أفندي هذه الأغنية مسجلة على اسطوانة (بيضافون) وعلى وجهها الآخر أغنية (رمانتين بفد ايد متنلزم) وفي سنة 1932 غنت المطربة البصرية صديقة الملاية (فرجة بنت عباس) هذه الأغنية على اسطوانة أيضا وألحقت بها ما يشير الى بصريتها مثل قولها (يا عسكر السلطان بالبر يخيمون) مشيرة إلى معركة الشعيبة سنة 1914 . كما قالت أيضاً (ماتنفع الحسرات.ويضيف : أن أغنية (رحنه من ايديهم) تشير  إلى ضياع البصرة من أيدي العثمانيين، ولم تكن أغنية (الأفندي) التي خلدت اسم (صبري أفندي) أغنية أو (بستة) بغدادية بل هي أغنية بصرية الأصل شاعت واشتهرت في البصرة قبل أن تقتحم أجواء بغداد، ف(صبري أفندي) كان بصري المولد والنشأة حتى وفاته (باستثناء إقامته في العمارة بحكم نقل وظيفته إليها) ،ولم يكن مقيما في بغداد على امتداد مراحل حياته، إذا ما استثنينا بضع زيارات قصيرة قصد فيها بغداد لأغراض رسمية أو خاصة..(22)
    إن  كتابات  البازي تعد – بحق -  وثيقة مهمة للمؤرخ الذي يروم معرفة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية  للبصرة. ومن هنا تأتي القيمة الحقيقية لما خلفه البازي من كتب ،ومذكرات ،ومخطوطات فهو شاهد عيان لكثير من الأحداث . مرض الأستاذ حامد علي البازي وزاره فريق طبي برئاسة الدكتور عبد الأمير الثامري  المدير العام الأسبق  للصحة في البصرة وقدم له الفريق الخدمة الطبية اللازمة لكن المرض اشتد عليه ولم يمهله طويلا فلقد  توفي  يوم 25 تموز سنة 1995  ، ودفن في مقبرة الحسن البصري الشهيرة في البصرة . رحمه الله وجزاه خيرا على ما قدمه لمدينته ووطنه وأمته .(23)



الهوامش:



· بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الإقليمي الثامن لكلية الدراسات التاريخية ، جامعة البصرة والمنعقد للمدة من 1-2 كانون الأول 2010 بعنوان : " البصرة : مؤلفوها  وما كتب  عنها عبر العصور " .

(1) للتفاصيل أنظر : إبراهيم خليل العلاف ، المؤرخ حامد علي البازي 1920- 1995، في موسوعة المؤرخين العراقيين المعاصرين ، تنشرها مجلة علوم إنسانية (الالكترونية) وعلى موقعها .nlwww.ulum.    
(2) الجزء الثالث، نشرتها  دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة والإعلام سنة 1992 ،ص52 .
(3) انظر: كفاح كاظم الخزعلي، "حامد علي البازي "، مجلة المؤرخ العربي ،بغداد، العدد 56، 1998،ص 252 .
(4) انظر :محمد صالح عبد الرضا ،"ذاكرة انسكلوبيدية تورد عن كل حادث حديث " ، جريدة الزمان ،(اللندنية ) ،14 اب 2007 .  
(5) للتفاصيل انظر : محمد صالح عبد الرضا ،المصدر السابق وحول جريدي الخبر والبصرة يمكن القول ان العدد الاول من جريدة الخبر صدر  في 7 مايس 1948 واحتجبت في 15 حزيران 1955. أما جريدة البصرة فمنحت الامتياز في 26 حزيران 1955 والغي في 8 شباط 1963 . للتفاصيل انظر : رجب بركات ،من صحافة الخليج العربي..الصحافة البصرية بين عامي 1889-1973 ،مطبعة الإرشاد ، (بغداد ، 1977 ) ، ص ص 151-152  ،188-189  .
(6) المصدر نفسه .
(7) المصدر نفسه .
(8) نشرت في موقع المنارة (الالكتروني) يوم 20 مايس 2008
(9) الخز على ، المصدر السابق
(10) للتفاصيل أنظر: الخز علي ، المصدر السابق ، ص 252 . 
(11) المصدر والصفحة نفسها .
(12) العلاف ،المصدر السابق .
(13) انظر مقالته في جريدة الزمان ،2007
(14) أجرى الأستاذ محمد صالح عبد الرضا مقابلة مع الأستاذ حامد علي البازي في بغداد سنة 1997 .
(15) للتفاصيل انظر : حامد البازي ، البصرة في الفترة المظلمة وما بعدها ، مطبعة دار البصري ،
 (بغداد، 1969)، ص 4 
(16) المصدر نفسه،ص5
(17) أنظر (كلمة الناشر علي البصري) في مقدمة كتاب البازي ،البصرة في الفترة المظلمة و ما بعدها، ص7 
(18) البازي، المصدر السابق،ص6
(19) المصدر نفسه،ص ص 76-77
(20) المصدر نفسه،ص ص8-132
(21) نشرت المقالة في منتدى جريدة شرق الإعلامي الأدبي 4كانون الثاني 2007 .
(22) للتفاصيل عن هذا الموضوع أنظر : البازي ، ص 92 .
23) الخزعلي ،المصدر السابق ، ص 252 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...