الخميس، 7 مايو 2020

الحرية .................... ا.د. ابراهيم خليل العلاف



الحرية 

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

والحرية ، قيمة انسانية نبيلة ..والانسان يعرف ما للحرية من دور مؤثر في الحياة ، والكون ، والمجتمع . لهذا فهو يناضل من أجلها فليس شيء في العالم أجمل من الحرية  ، وليس في الكون أفضل من الحرية . وفي ثراثنا الكثير من الاقوال التي تدل على قيمة ( الحرية ) فالخليفة عمر بن ابي طالب رضي الله عنه وأرضاه يجهر بالقول المأثور :   ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ ) .

الحرية ، كانت  ، ولاتزال هدفا للشعوب المظلومة والمستعبدة .. وعبر التاريخ ، كان هدف الانسان الكبير هو الوصول الى الحرية ، والحرية هي هدف كل الثورات العالمية التي عرفناها ، وقرأنا عنها الكثير ومنها الثورة الفرنسية والثورة الانكليزية والثورة الامريكية والثورة الروسية والثورة العراقية الكبرى سنة 1920 . 

الحرية في واحدة من تعريفاتها ، انها تعني ان الفرد يستطيع اتخاذ قرار أو تحديد خيار ، وبدون ان يتعرض الى ضغط ، أو اكراه ،  أو قسر .
والحرية تعني التخلص من عبودية الانسان للانسان . وهي اي الحرية تعني من حيث اللغة التخلص من الشوائب والمصدر حر ، نقول هذا انسان حر أي قد تخلص من الرق والعبودية .. والحرية اصطلاحا تعني الانسان غير الخاضع للقهر ، ومشيئة غيره فمن الطبيعي ان يولد المرء حرا ومن غير الطبيعي ان ُيقيد ويُقسر ويَخضع لغيره . 

والحرية اليوم انواع فهناك الحرية السياسية ، والحرية الدينية ، والحرية الاقتصادية ،  والحرية الفكرية وهكذا . وفي كل حالات الحرية المرء هوسيد نفسه لايحكمه أحد ولايخضع لإحد .... وآراءه مستقلة ، يعيش حياته بإستقلالية .

وليس لدي متسع من الوقت لإتحدث عن النظرة الفلسفية لقيمة الحرية . ولكن اقول ان الحرية اليوم ترتبط بما يسمى في الغرب ب( الليبرالية ) و(الليبرالية ) أي  الفلسفة التحررية كما جاء في احد القواميس اللغوية ،  تعني الاعتقاد ، بأن هدف السياسة يكمن في الحفاظ على الحقوق الفردية ، وتحقيق اقصى قدر ممكن من حرية الاختيار . 

وقد ترتبط الحرية بمذاهب اقتصادية تعني افساح الجال للاقتصاد ان يسير حسب الاسلوب المعروف بالعرض والطلب ، ودون ان تتدخل الدولة في تحديد الاسعار وما شاكل ، وكما تقول النظرية الاقتصادية الليبرالية دعه يمر أي لاتضع أي قيود على حركة الاقتصاد ، ولكن في بعض البلدان تدخل الاشتراكية كنمط من الاقتصاد الذي يستهدف خلق نوع من التوازن ، والتقريب بين طبقات المجتمع . 

كل البشر مؤهلين للحرية ، وكل البشر يستحقون الحرية وهذا خلاف ما قاله البعض من الفلاسفة ؛ فالله سبحانه وتعالى خلق البشر أحرارا وجعلهم أحرارا ،  وهم يبحثون عن الرزق  والعيش الكريم ، وعلى الدول ان تساعدهم في أن يحققوا اهدافهم ومن خلال إتاحة الحرية لهم لكي يعملوا،  ولكي يمارسوا دورهم الانساني .

والحرية لاتعني الانفلات ، والاستهتار بحقوق وحريات الاخرين ... حرية أيا منا تقف عندما تبدأ حرية الاخرين أي ان حريتنا مقترنة بما يساعد المجتمع على ان يكون مجتمعا آمنا ، مستقرا ، منضبطا بمجموعة من القوانين والاعراف التي اتفق ويتفق عليها المجتمع . 

وهنا المجتمع يحتاج الى الثقافة ؛ فالثقافة هي من تقنن الحرية ، وتمنع التداخل بين حريات الناس .
نعم من حق الناس إبداء الرأي بحرية ، لكن لابد ان يكون هذا ضمن الضوابط التي تعارف عليها المجتمع .

الذي اريد ان اقوله ان الحرية لها أبعاد عامة وخاصة  ؛ ففي بعدها الخارجي تكون مرتبطة بالمجتمع .. وفي بعدها الداخلي تكون مرتبطة بالفرد . والتوازن بين حرية الفرد ، وحرية المجتمع مطلوبة ، والدولة هي من تحقق ذلك ، لذلك فوجود الدولة مهم ، وغياب الدولة معناه  الفوضى .

الانسان ، وهو يبحث عن الحرية عبر القرون وضع أُسسا ، وفلسفات لشكل النظم السياسية المتنوعة ، لكنه كثيرا ما كان يصطدم بالنظم المستبدة التي تصادر حرية الناس بدعاوى دينية ، أوعرقية أومذهبية  أو قومية . وهذا لايتوافق مع سنن التاريخ وأحكامه ، فضلا عن انه لايتوافق مع طبيعة الانسان الحرة .

من هنا كان على الانسان ان ينشد الحرية ، ويناضل من اجل حقوقه وحريته .وقد يكون النضال من خلال الاحزاب السياسية ، أو البرلمانات ، أو قد يكون من خلال الثورة التي تقلب هذه النظم المستبدة ، وتعاقب حكامها الذين صادروا حريات الناس بدعاوى ،  وحجج كثيرة ما انزل الله بها من سلطان . 

الذي اريد ان اقوله ، وانا اتحدث عن الحرية وضرورتها ، طبيعة انسانية اصيلة ؛ فالفطرة البشرية خلقت على مبدأ الحرية وان هناك الكثير من النظريات والفلسفات التي تساعدنا على فهم مبدأ الحرية الذي اراه انا مترافقا مع التقدم ؛ فالحرية والتقدم ، فكرتان ساميتان تدفعان الانسان الى الامام الى البناء الى المستقبل . 

نعم لدينا في الاسلام فلسفات تؤمن بالحرية ، وتفسرها وفي الفكر الانساني عموما كتابات وآراء وافكار تتحدث عن الحرية ،  ونحتاج الى وقت طويل لنتحدث عنها لكن ما يميزها انها تتناول في كثير من مفاصلها  الاختيار الانساني ، وميله ، نحو الحرية ، والاهم في كل هذا أن  الانسان الحر ، هو الانسان المتسامح ، المتزن ، المنسجم مع نفسه والحرية تتناقض مع التعصب ، وتتناقض مع الاستبداد .
واخيرا فإن الانسان لايستطيع ان يعيش الا في أجواء الحرية ، وهذا هو الجو الذي اراد الله سبحانه وتعالى ان يعيش ضمنه الانسان (ولقد كرمنا بني آدم ) صدق رب العزة والجلال ..الله سبحانه وتعالى وهب الانسان عندما خلقه ، وهب له الحرية (وهديناه النجدين ) أي أمامه  طريقان وله الحرية في الاختيار بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) ..هل هناك أثمن من هذه الحرية .. لاقسر ، ولا استبداد ، ولاتعصب والاسلام يؤكد ان لاقيمة للحياة بدون الحرية .. الحرية هي الاصل (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) صدق رب العزة والجلال .

المجتمع الحر هو المجتمع المنتج ، وهو المجتمع الصالح وهو المجتمع السليم ، والانسان عندما وضع القوانين واتفق على الاعراف والتقاليد ، فهو كان ومايزال يهدف الى ان يحقق حريته كإنسان خلقه الله ، ودعاه الى الايمان والاستقامة فلنكن احرارا مؤمنين رمضانكم كريم ، وصيامكم مقبول ، ودعائكم مستجاب والى حلقة اخرى من برنامج ( ماقل ودل ) والسلام عليكم ورحم الله وبركاته . 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زقورة عقرقوف من المعابد العراقية في العصور القديمة

زقورة عقرقوف من المعابد العراقية في العصور القديمة وهذه صورة للزقورة وفيها مكان للمعابد العراقية وترتفع بالانسان المتعبد الى الاعلى حيث السم...