السبت، 23 مايو 2020

القناعة ...................... بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف



القناعة

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

وأنا الذي حدثتُكم خلال شهر رمضان المبارك ، هذا الشهر الفضيل شهر القرأن شهر الايمان والاستقامة عن كثير من القيم الانسانية النبيلة .. أدعو الى إحيائها والعمل بها ضمانا لنا ونحن نعيش في العالم المضطرب .
حدثتكم عن الاستقامة ، والسعادة ، والصدق، والانصاف ، والرحمة ، والجمال ، والفضيلة ، والشجاعة .كما حدثتكم عن الارادة ، والامل ، والحلم ، والتعلم ، والذكاء ، والثقافة وغير ذلك ، أقول أننا - ولكي نلتزم بكل القيم الانسانية والاسلامية الراقية والنبيلة - علينا بالقناعة ، وعلينا ان نقنع بما قسمه الله لنا ، وعلينا ان نقمع انفسنا وان نقول لها كفى . وكما قال الشاعر الكبير أبا ذؤيب الهذلي :
والنفس راغبة إذا رغبتها **** وإذا تُرد الى قليل تَقنَعُ
نعم النفس الانسانية جشعة طماعة تريد وتريد ، ولكن على الانسان ان يوقفها عند حدها ويُعلمها على القناعة والرضى .
اذا القناعة ( تربية) ، والقناعة ( تدريب) ، فليس من المعقول ان يترك الانسان نفسه على هواها ، وانما عليه ان يوقفها عند حدها ، وان يتمتع بالقناعة وليس أفضل من ان يكون الانسان قنوعا ، عزوفا ، عيوفا ، مترفعا ، نزيها ، صادقا فهذا ما يحقق له ، ولغيره الطمأنينة والاستقرار وراحة البال .
عندما كنا اطفالا صغارا في المدرسة الابتدائية ، كنا نقرأ لافتات منتشرة في الاماكن العامة تفيد بأن القناعة كنز لايُفنى ) أي لاينتهي رغم تبدل الزمان والمكان ، فعندما يكون الانسان قنوعا ؛ فإنه يشعر بالاستقرار والطمأنينة وراحة البال .
القناعة تشعركم بأنكم من أغنى الناس ، واكثرهم رضى .والقناعة تريحكم ، وتجعلكم مطمئنين الى رزقكم وغدكم . والقناعة تساعد الانسان على الشعور بالسعادة والرضاء بما قسمه الله تعالى .
ومن المؤكد ان على الانسان المؤمن ان يكون عارفا بحقيقة واحدة وهي انه لن ينال الا ما قسمه الله له ، حتى ولو ملأ الدنيا ضجيجا ، وصراخا .
الانسان يريد ، والانسان يطمح ، والانسان يتمنى ، ولكن عليه ان يكون قنوعا . وعندما يكون قنوعا سوف يتمتع بالقوة ، وسوف لن يقع أسير رغبات النفس وهواها ؛ فالنفس دوما أمارة بالسوء ، وقد تجرك الى المهالك ، لكن عليك أن تَحد من رغباتها ، وتحمد الله وتشكره على النعم الكثيرة التي أنت عليها وفيها .
في زماننا هذا زمن الاطماع ، وزمن الرغبات ، تظهر قيمة القناعة ، وهي قيمة انسانية جليلة .. علينا ان نشجع على تعويد النفس عليها ، وترك الطمع ، والجشع وعندئذ يعيش الانسان سعيدا مرتاح النفس .
والقناعة ليست كما يظن البعض ، تتعارض مع طموح الانسان ، فالانسان يسعى ، ويعمل ، وينتج ، ويتقدم ، ولكن في اطار بعيد عن الطمع ، والاستحواذ على ما يملكه غيره . والقناعة هي الرضى بالقليل المفيد الدائم ، والابتعاد عن الكثير غير الدائم .. وكما يقولون في الاثر ( قليل دائم خير من كثير متقطع ) .
قرأت الكثير من الاقوال التي تدعو الى القناعة منها ( أن زينة الغني الكرم ، وزينة الفقير القناعة ) .كما ان من الامثال التي وددت أن أُرددها أمامكم عن القناعة ( إرضَ بحمارك ، ولاتنظر الى حصان جارك ) .. ومن الاقوال الجميلة عن القناعة (إذا طلبت العز، فاطلبه بالطاعة ، وإذا أردت الغنى فإطلبه بالقناعة) .
الذي اريد ان اقوله ان علينا ان نكون قنوعين وراضين بقسمتنا ، مع وجوب السعي والعمل والتوكل على الله ، وترك النظر الى ما في ايدي الاخرين .
والانسان المؤمن ، والمستقيم هو من يتخذ من (القناعة كنز لايَفنى ) ، شعارا له في الحياة ، وعند ذاك سوف يعيش سعيدا ، راضيا ومنسجما مع نفسه ومع مجتمعه .
رمضانكم مبارك ، وصومكم مقبول ، ودعائكم مستجاب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
_____________________
* حلقة من برنامجي التلفزيوني الرمضاني اليومي (ما قل ودل ) اقدمه من على قناة ( الموصلية ) الفضائية والحلقة عرضت عصر يوم السبت 23-5-2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زقورة عقرقوف من المعابد العراقية في العصور القديمة

زقورة عقرقوف من المعابد العراقية في العصور القديمة وهذه صورة للزقورة وفيها مكان للمعابد العراقية وترتفع بالانسان المتعبد الى الاعلى حيث السم...