السبت، 12 مارس 2011

صفحة من مواقف أبناء الموصل الأصيلة تجاه إخوانهم في ليبيا :صدى العدوان الإيطالي على ليبيا 1911 في الموصل*

صفحة من مواقف أبناء الموصل الأصيلة تجاه إخوانهم في ليبيا


صدى العدوان الإيطالي على ليبيا 1911 في الموصل*


ا.د.إبراهيم خليل العلاف


أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل



تعرض الوطن العربي في القرن التاسع عشر لخطر الغزو الأجنبي الأوربي . كما ازدادت محاولات الدول الأوربية الحديثة للتدخل في شؤون البلدان العربية بدوافع اقتصادية وسياسية وثقافية . وتنوعت أساليب التدخل وتراوحت بين تغلغل رؤوس الأموال التجارية الأوربية والغزو العسكري المباشر .


ولقد تقاسمت بريطانيا وفرنسا الدور الاستعماري في الوطن العربي . وجاء مؤتمر برلين الذي عقد سنة 1878 ليكرس هذا الاقتسام . ففي الوقت الذي اتجهت فيه بريطانيا نحو اعتبار العراق والخليج العربي والجزيرة العربية ومصر والسودان ضمن مناطق نفوذها ، تركزت أطماع فرنسا في بلدان المغرب العربي وجزءا من الصومال . غير أن الأمر لم يقتصر على بريطانيا وفرنسا ، فقد أظهرت ايطاليا اطماعاً استعمارية في ليبيا وارتيريا وجزء آخر من الصومال .


كما شهدت هذه المرحلة ظهور الحركة الصهيونية وتوجهها نحو استعمار فلسطين .


وبقدر ما يتعلق الأمر بالعدوان الايطالي على ليبيا ، يمــكن القول أن ايطاليا عززت منذ أواخر القرن التاسع عشر صلاتها الاقتصادية والثقافية بليبيا ، لعوامل استعمارية اقتصادية ثقافية . فقد أسست المدارس والبنوك ومكاتب البريد في بعض المدن الليبية . وأرسلت بعثات مختلفة بهدف وضع المصورات والخرائط العسكرية التي تسهل عملية الغزو . ومنذ افتتاح قناة السويس سنة 1869 ، بدأ التفكير الايطالي في احتلال ليبيا عسى أن يساعد ذلك في تقوية موضوع توازن القوى في البحر المتوسط . ويبدو أن الدول الأوربية الأخرى ومنها بريطانيا وفرنسا وألمانيا أعطت لايطاليا الضوء الأخضر للحصول على ليبيا في محاولة منها لتوزيع الأدوار في اقتسام أجزاء الوطن العربي إبان خضوعه للسيطرة العثمانية آنذاك .


وقد بحثت الحكومة الايطالية عن الحجة والذريعة التي تسهل عليها عملية التدخل العسكري في ليبيا ، فأرسلت في 27 أيلول-سبتمبر 1911 انذاراً إلى الحكومة العثمانية ادعت فيه أن هناك عرقلة في ليبيا للمصالح الايطالية الاقتصادية والتبشيرية . كما أن الليبيين يضطهدون الرعايا الايطاليين ، وإن العثمانيين باتوا غير قادرين على توطيد الأمن والحفاظ على الاستقرار . وفي مساء 29 أيلول ظهر أسطولها أمام مدينة طرابلس الغرب وطلبت تسليم المدينة خلال ( 24 ) ساعة 0 وبدأ الغزو الايطالي بقصف مدينة طرابلس في يوم 3 تشرين الاول وتم احتلالها بين يومي 11 و 12 تشرين الأول -اكتوبر1911 . كما هوجمت مدينتا طبرق وبنغازي وبقية المدن الايطالية وتم احتلالها بعد خسائر كبيرة تكبدها المستعمرون الايطاليون نتيجة المقاومة العربية . وفي 18 تشرين الثاني-نوفمبر 1912 اضطرت الدولة العثمانية إلى الاعتراف بالاحتلال الايطالي لليبيا . وبدأت منذ ذلك الوقت وحتى الخمسينات من هذا القرن عملية نهب ثروات ليبيا وتسخيرها في خدمة المصالح الايطالية والحيلولة دون رفع مستوى السكان اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً .


أحدث الاعتداء الاستعماري الايطالي على ليبيا هزة عنيفة في الموصل . إذ حالما ترامت إلى الموصليين الأنباء حتى نشطوا في شجب العدوان . فنظموا المظاهرات التي استنكرت العدوان ، وتألفت لجان خاصة في الموصل لجمع التبرعات وإرسالها إلى إخوانهم الليبيين .


كما أعرب كثير من الأهالي عن رغبتهم في التطوع والذهاب إلى ساحة المعركة وتواردت البرقيات إلى مركز ولاية الموصل تحمل مثل هذه الرغبات . ونقلت الصحف المحلية التي كانت تصدر في الموصل آنذاك هذه المواقف وعكستها بدرجة كبيرة من الحماسة القومية ودعت في الوقت ذاته إلى ضرورة العمل على جمع التبرعات وتقديم الإعانات اللازمة . فعلى سبيل المثال كتبت جريدة النجاح لصاحبها الأستاذ خير الدين العمري –رحمه الله - في عددها الصادر في 14 شــوال1329 (1911 ) تقول : (( ... نعم استضعفتنا حكومة ايطاليا وتعدت على احتلال طرابلس الغرب )) ثم عادت لتقول : (( فهمنا الآن درجة افتقارنا إلى أسطول ذي قوة كبيرة ، فالأمل بكم ياأهل الغيرة والحمية )) . وهكذا أهابت بالمواطنين كافة لتقديم الإعانات قائلة أن الضرورة تقتضي جمع الأموال وتقديم الإعانات الى عرب ليبيا مشيرة إلى الحماس الذي شمل إخوانهم المصريين بعد العدوان الايطالي على ليبيا قائلة بأن الشعب العربي في مصر (( اهتاج اهتياجاً شديداً لعمل ايطاليا )) اذ وزعت المنشورات المنددة بالغزو ، ووصمت ايطاليا بالغدر وبدأت حملة واسعة لجمع التبرعات ..


وقد يكون من المناسب القول أن الموصليين، ظلوا يواصلون متابعة نضال الليبيين ضد المستعمرين الايطاليين في الثلاثينات من القرن الماضي، وكانت لهم وقفاتهم المخلصة تجاه إخوانهم في ليبيا بقيادة المجاهد الكبير عمر المختار وقد كتبت الصحف الموصلية الكثير من المقالات المؤيدة للثورة الليبية .كما عقدت الاجتماعات وألقيت الخطب في المساجد ويقينا ان ابناء الموصل لم ينقطعوا في أي يوم من الأيام عن إخوانهم في أرجاء الوطن العربي مما يدل على أصالتهم وعمق روابطهم بإخوانهم في البلدان الممتدة من الخليج العربي الى المحيط الأطلسي .
**صورة تجمع بين محمد ابن الشهيد عمر المختار (90 ) سنة مع محرر جريدة الاهرام اذار -مارس2011

































ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نشرت في جريدة الحدباء (الموصلية)24 نيسان1984




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل قبل أيام نشرت مقالة عن أول مؤتمر ثقافي عربي عقد سنة 1947 ، وعن حضور العلامة المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ الدكتور جواد علي وهو من اساتذتي درسني في الصف الاول في كلية التربية -جامعة بغداد سنة 1964 مادة (تاريخ العرب قبل الاسلام) ، وقد علق الاخ الاستاذ شهاب سالار الاثري على ما كتبته ، وقال ان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري اللغوي والمؤرخ والمحقق العراقي الكبير كان من اوائل الحاضرين في هذا المؤتمر وكان يمثل العراق وقد القى كلمة مهمة . يقول الاستاذ شهاب سالار الاثري بعد ان نقل تحيات الاستاذ يسار محمد بهجت الاثري :" الاخ الاستاذ الدكتور ابراهيم العلاف ، بعد ابداء مايليق بالجناب من اعطر التحيات واجملها فأني ارجو ان تكونوا بخير وصحة وعافية . قرأت مقالكم الفخيم حول المؤرخ الدكتور المرحوم جواد علي (رحمه الله). (ومشاركته في المؤتمر الثقافي العربي الأول) الذي انعقد سنة 1947 ويبدو لي ان الاستاذ حسام الساموك قد التبس عليه التاريخ وكتب سنة 1945 بدلاً من سنة 1947 ونشرها في مجلة افاق عربية ولربما أن الخطأ وقع من المطبعة . وتم انتخاب الأستاذ الأثري في هذا المؤتمر رئيساً للجنة اللغة والقواعد. وشارك المرحوم الاستاذ الدكتور جواد علي في القاء محاضرة عنوانها (الثقافة العربية ومقامها من الثقافات العالمية) .. . العراق شارك في اعمال هذا المؤتمر العتيد ..المؤتمر العربي الأول المقام على ارض لبنان برعاية رئيس جمهورية لبنان الشيخ بشاره الخوري في بيت مري للفترة من ٣ إلى ١١ أيلول - سبتمبر سنة ١٩٤٧م ، وعن اوليات عقد المؤتمر قال ان اللجنة الثقافية للجامعة العربية فكّرت بعقد أول مؤتمر عربيّ، وكانت أهم المواضيع المطروحة للبحث في: آداب اللغة العربيّة، والجغرافية والتاريخ، والتربية الوطنيّة. وما أن أُعلن عن المؤتمر حتى تقدّمت إليه الطلبات الكثيرة من شتّى الأقطار العربيّة من رجال ونساء وبلغ عدد المؤتمرين (300) ثلاث مئة شخصٍ. حضرت وفود من الدول العربية التالية : ١- مصر. ٢- لبنان. ٣- سوريا. ٤- العراق. ٥- فلسطين. ٦- المغرب. وضم الوفد العراقي وكان برئاسة العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري عضو المجمع العلمي العربيّ بدمشق وعضو لجنة التأليف والترجمة (كانت نواة للمجمع العلمي العراقي فيما بعد) . كلا من : الدكتور جواد علي سكرتير لجنة التأليف والترجمة. الأستاذ إبراهيم شوكت (الدكتور ابراهيم شوكت استاذ الجغرافية في كلية الاداب جامعة بغداد فيما بعد) الأستاذ المساعد بدار المعلمين العالية. الأستاذ محمد ناصر (الدكتور محمد ناصر التربوي الكبير ووزير التربية السابق ) الملحق الثقافيّ بالمفوضيّة العراقية بالقاهرة. كان من المقرر مشاركة الأستاذ منير القاضي عميد كلية الحقوق وحرمه للمؤتمر، لكنّه تخلّف عن الحضور. وهذه اسماء من شارك من العراقيين : ١- السيدة صبيحة المقدادي شوكت ثانوية الأعظمية للبنات. ٢- السيد عبد الرحمن البزاز (الاستاذ عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق فيما بعد) حاكم محكمة بداءة بغداد. ٣- الآنسة بهيجة محمد رؤوف القطان مدرسة متوسطة البتاوين - بغداد ٤- الآنسة جولي متري حاج وزارة المعارف العراقية. ٥- الآنسة مهيبه برباري وزارة المعارف العراقية. ٦- لندا عازر كرم وزارة المعارف العراقية. ٧- السيد خلدون الحصريّ (الدكتور خلدون ساطع الحصري المؤرخ العراقي) ٨- السيدة حرم الأستاذ سعيد فهيم بك ٩- الآنسة فيكتورين ميخائيل خمو طالبة بمعهد الملكة عالية - بغداد. وألقى العلامة الاستاذ محمد بهجة الأثـــريّ كلمة العراق في الحفل الافتتاحي للمؤتمر وأيضاً في ختامه. وقد تم اختيار العلّامة محمد بهجة الاثريّ رئيساً للجنة اللغة والقواعد. من الجميل ان وقائع المؤتمر الثقافي الاول الذي انعقد في بيت مري بلبنان من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر سنة 1947 ، صدرت عن جامعة الدول العربية في كتاب حمل عنوان ( المؤتمر الثقافي العربي الاول المنعقد تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية في بيت مري - لبنان 1947 من 2 الى 12 ايلول - سبتمبر 1947 -القاهرة ) وقد طبع الكتاب سنة 1948 في (مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ) . مندوب جريدة (الزمان ) البغدادية وكما هو منشور في العدد الصادر يوم 24 ايلول - سبتمبر 1947 ، التقى العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري وسأله عن اهمية المؤتمر فقال الاستاذ الاثري :" أرى ان هذا المؤتمر ،كان الحجر الاساسي الاول لاقامة صرح جديد للثقافة العربية على امتن الاسس واقواها ،والاتجاه بها الى القومية الصحيحة الرصينة وتكوين الفكر العربي المستقل بوعيه والمتميز بخصائصه ..." . كان الاستاذ محمد بهجت الاثري قد القى كلمة ضافية في المؤتمر قال فيها :" تحية العراق الى الوطن العربي الاكبر من البصرة وتخوم طوروس الى ضفاف الاتلنتيك ،والعراق كان ومابرح ولن يبرح الى مايشاء من تلك المراكز العربية الاصيلة الملامح والسمات التي بحمل ابناؤها في الحواضر والقرى والارباض والارياف انبل العواطف واسمى المشاعر لكل قطر عربي حيث كان ولكل ماهو عربي وفي كل زمان ومكان ..." . كان في المؤتمر ، ثمة لجان منها لجنة الادب ، ولجنة اللغة والقواعد وترأس لجنة اللغة والقواعد الاستاذ محمد بهجت الاثري في حين تولى الاستاذ اسحاق موسى الحسيني ومن اعضاء اللجنة الاستاذ خليل السكاكيني والاستاذ عبد الله المشنوق . وفي حفل الافتتاح توالت كلمات الافتتاح وكان العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري من بين الذين القوا كلمات الى جانب رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري والاستاذ حميد فرنجية والاستاذ احمد امين والدكتور قسطنطين والاستاذ اسماعيل القباني . كان مؤتمرا تاريخيا مهما .رحم الله من غادرنا وحفظ الباقين.

العلامة محمد بهجت الاثري ( 1904-1996) في المؤتمر الثقافي العربي الاول 1947 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...