محمد مناف ياسين .. تجربة مريرة في الصحافة والحياة*
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
من الصحفيين، والاعلاميين العراقيين المعروفين بعملهم في وكالة الانباء العراقية (واع) ، وفي الصحافة العرقية ، وفي الملحقيات الثقافية العراقية، يعيش الان في كندا ومنذ سنوات، وعلمت مؤخرا بوفاة زوجته السيدة سلمى السامرائي رحمها الله وطيّب ثراها، وسمعت انه ينوي طبع مذكراته، وأنا اشد على يديه ، ويقينا انه يمتلك الكثير مما يمكن ان يقدمه للقراء والمتابعين .
من مواليد محلة باب الجديد في مدينة الموصل سنة 1940 ، ومن اسرة موصلية معروفة هي اسرة (سيدان ) وعمه الفنان التشكيلي و النحات المرحوم الاستاذ هشام سيدان ، وقد عاش معه في البيت نفسه في مرحلة الطفولة ، تخرج في قسم الاثار بكلية الآداب – جامعة بغداد 1962 ..عمل في التدريس لفترة . وبعد انقلاب 17 من تموز سنة 1968 كان في بغداد يرأس تحرير مجلة (العمل الشعبي) ، وقد عمل معه في التحرير الاستاذ سعد البزاز .
ويشير الدكتور مليح ابراهيم صالح شكر في مقال له بجريدة الزمان عن الصراع السياسي للهيمنة على الصحافة العراقية (العدد الصادر 5 آب 2020) الى الاستاذ محمد مناف ياسين الى انه في صبيحة يوم 17 من تموز 1968 كان من الاشخاص الذين رافقوا الاستاذ سعد قاسم حمودي في السيطرة على ( جريدة الجمهورية) ، ويستدرك ليذكر ان هذا الخبر لا يستند الى دليل موثق ، ومن الذين كانوا مع محمد مناف ياسين ايضا ، بهجت شاكر ، وعدد من شباب الاعظمية وهكذا استطاع سعد قاسم حمودي من خلال هذه المساعدة على بسط ادارته للجريدة في الكرنتينة بينما التحق به ايضا عدد من الصحفيين المحترفين بحكم علاقتهم المهنية منذ ان كانوا من كوادر صحيفة والده قاسم حمودي (الحرية ) .
الرجل، كما قال الاستاذ سيف الدوري، كان يعمل ملحقا صحفيا في بيروت في ايلول سنة 1976 ؛ لكن قرارا صدر بتعيينه مديرا عاما لوكالة الانباء العراقية ، وحل محله في الملحقية الصحفية الاستاذ سيف الدوري . اعرف انه اتهم بما سمي بمؤامرة 1979 وقدم لمحكمة الثورة وصدر عليه الحكم بالسجن عشر سنوات في الثامن من آب سنة 1979. هو ( محمد مناف ياسين محمد أمين ) ، وهذا هو اسمه الكامل . يمتلك قلما سيالا، وفكرا عروبيا واضحا، وقد قرأت له الكثير من المقالات قبل 2003 وبعد 2003 وكلها تتميز بالفكر الواضح، والاسلوب الجميل . ومن مقالاته التي قرأتها له بعد الاحتلال الامريكي 2003 مقالة جميلة نشرها موقع الجزيرة بعنوان ( حقيقة الصراع السياسي في العراق والاحتلال ) ورابطه التالي : https://www.aljazeera.net/ومما قاله في المقال :” الصراع الحزبي السياسي هو أشد أنواع الصراع بروزا على الساحة العراقية من أي صراع آخر، لعبت فيه السلطة الحكومية تاريخيا دور القامع المتسلط أكثر مما لعبت دور الوسيط الحكم، إذ أن الحكومات العراقية المتعاقبة ومنذ قيام المملكة العراقية في بداية القرن العشرين، لعبت دور السلطة القمعية فملأت السجون وأعدمت سياسيين وألغت أحزابا وحدت من حرية الصحافة المكتوبة. وقد تطور القمع إلى درجة كبرى حتى وصل إلى ما وصل إليه من شراسة يندر وجودها ” .
الاستاذ مثنى الطبقجلي ، كتب مقالة عن الاستاذ طه البصري في جريدة (الزمان ) عدد يوم 28 كانون الثاني – يناير سنة 2015 وقال :” ان وكالة الانباء العراقية حظيت بمدراء ، وقادة كبار فضلا عن محررين وكتاب كبار كان لهم السبق الصحفي ، فكانت تقاريرهم الملتزمة بمتابعة الخبر، امينة في السرد والتحليل واحترام قواعد العمل ،ما جعلها الوكالة الاولى في الوطن العربي وقديما قيل ان الوحدة العسكرية بآمرها أي بقائدها .. وحقا كان طه البصري الآمر حيث لا وجود لأوامر بمفهومها العسكري، مثلما كان هناك قادة لها تعززت بفضلهم ودرايتهم مكانة (واع) ظلا وانتشارا وتغطية ايام المرحوم الاستاذ بهجت شاكر والاستاذ محمد مناف ياسين والاستاذ سعد عبد السلام البزاز ضمن هندسة بشرية في القيادة والتعامل والابداع..”.
أما الاستاذ هارون محمد وقد عمل هو الاخر مع الاستاذ محمد مناف ياسين في وكالة الانباء العراقية فقد كتب يوم 22- كانون الاول – ديسمبر سنة 2020 مقالا عن المرحوم الشهيد حارث طاقة في وكالة اور الاخبارية والرابط : https://urnewsagency.com/- يقول :” كانت (واع) في عهود مديريها، بهجة شاكر، وطه بصري رحمهما الله، ومن بعدهما، محمد مناف ياسين، متعه الله بالصحة، اسرة واحدة، يتنافس افرادها، بصدق ومهنية، في تقديم افضل التغطيات الاخبارية، واحسن الصياغات الصحفية، التي كان الاستاذ محسن حسين – للتاريخ- قد رسخ تقاليدها، وفق اسس سليمة ورصينة، جعلت منها، في مقدمة، وكالات الأنباء في المنطقة والعالم” .
رصد المعجمي والمفهرست العراقي المرحوم الاستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك في الجزء السابع من ( معجم المؤلفين والكتاب العراقيين 1970-2000) والذي اصدره بيت الحكمة ببغداد سنة 2000 ما قدمه الاستاذ محمد مناف الياسين ومن ذلك كراسته الموسومة (استخدام الطلبة لجهاز (الفيديو ) في مدينة بغداد :المشاهد الصعب ) وصدرت عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ببغداد سنة 1985 وكتاب (الصحافة العمالية ) وصدر عن المؤسسة الثقافية العمالية ببغداد سنة 1976 وكراس ( مرشد المعلم للثقافة العامة – مرحلة الاساس ) وصدر عن وزارة التربية ببغداد سنة 1979 بالاشتراك ، وكتاب (اساليب التثقيف العمالي ) وصدر سنة 1973.
ترأس الاستاذ محمد مناف ياسين ايضا رئاسة تحرير مجلة ( وعي العمال) التي اصدرها الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق سنة 1969. وتعتبر من أطول المجلات عمرا في تأريخ الصحافة العمالية وذلك لدعم الدولة المستمر لها. وقد تناوب على رئاسة تحريرها عدد من الكتاب منهم محمد عايش حمد ، وطارق عزيز ، وعبد الخالق السامرائي ، وسعد قاسم حمودي ، وناصيف عواد ، ومحمد مناف ياسين ، وعزيز السيد جاسم ، وعادل ابراهيم ، وصبري الربيعي ، ومظهر عارف، وزيد الحلي . وكانت المجلة اسبوعية ثم اصبحت شهرية، حتى توقفت عن الصدور. ان من يتابع كتابات الاستاذ محمد مناف ياسين يجد انها كثيرة ومهمة تتناول موضوعات تتسم بالرصانة وقوة التعبير والوضوح ومما قرأته له مقال بعنوان (الحق لايشيخ ولن يموت ) كتبه في موقع قناة العباسية نيوز كتبه يوم 16 تموز 2016 ورابطه التالي : http://alabasianews.com قال فيه :” نعم ؛ ولكل يوم في الوطن حكاية .. هذا مايردده ابو الثناء المعيدي ؛ من خلف قضبان زنزانته ، وكما قلنا بدء ” يبقى اشكال الفهم ؛ ثقيلا ويتسع كلما سبقته آراء قبل ان تراه او تسمع …!! ويتكاثر القتل بلا مبالاة ولا اهتمام بإيقافها !! ربما لان ذلك يعني انتهاء دور من جاء محمول “وحلا ” في احذية المحتلين !! ومن احتلوا العراق كثر مع شديد الأسف .. وليعدد من يرى ويعرف اسماء ومصالح ” المحتلين وأوحال احذيتهم ” فذاك ليس شأني اليوم …!! واضاف في مقالته وهي مهمة :”
كتب الناقد والفنان الاستاذ ” ابراهيم زاير ” مقالة في مجلة نصف شهرية اسمها ” العمل الشعبي ” ينتقد ذلك واخذ موافقة المسؤول عن رئاسة التحرير[كان هو الاستاذ محمد مناف الياسين] ؛ فنشرت المقالة ؛ في عدد تموز ” سنة 1969؛ وتراكضت الحواشي تحرض وتتلاعب ؛ عند ذلك المسؤول ؛ استدعاني وزير الاعلام وقتها الدكتور عبدالله سلوم السامرائي لمقابلة رئيس الجمهورية !! دهشت فعلا !! وكان لابد من فهم اسباب الغضب !! واعلنت مسؤوليتي الكاملة عن المقال بكل تفاصيله !! وسجلت دهشتي امام مكتب رئيس الجمهورية !! وطلبت وبإصرار ان اقدم انا للمحاكمة القانونية .. بحكم ان المتولين وكانوا جددا يهتمون ” ويطيعون ” القانون ؛ وان النقد ليس الا موضوعة اصلاحيه ؛ اولا ..
ولكني اكتشفت بعد خروجنا من مكتب الرئيس ؛ انهم قد اعتقلوا الكاتب والصحفي الفنان ابراهيم زاير !!… جن جنوني وقتها وفتحت باب غرفة الرئيس لأقول ” من جوه خيمتك ياسيدي !! ” وسحبني الدكتور سلوم من يدي ، وهو يكتم غضبه ايضا .. وكان قد تجمع في مكتب الرئيس كثير من اعضاء قيادة الدولة وقتها وتعززت مطالبتي بالمحاكمة. ولكن باب الزنزانة كان قد اقفل على الكاتب الفنان ابراهيم زاير .. وختم مقاله بالقول :” كتبت مقالا في الصفحة الاخيرة من مجلة ( العمل الشعبي) التي كنت عنونتها ” سطور ليست ناعمة ” اعدت طلب تطبيق القانون واغلاق المجلة التي كنت اخذت مسؤوليتها باعتبارها ” مجلة نقدية …” وان اعتقال الفنان ابراهيم خطأ قانوني اولا … وأُلغي امتياز المجلة …وعدت مدرسا كما كنت قبل العمل في الصحافة .. ولكني بقيت ادور وبكل وسيله لتحرير الصديق ابراهيم زاير ؛ مطالبا بتطبيق القانون !! واطلق سراحه؛ ولكن كثير الحواشي بقيت تلعب دورها المضاد ” ، واصراري يتزايد على المحاكمة والقانون وقدمنا الى محكمة بداءة الرصافة الاولى كما اذكر .. وشرحت للحاكم ونحن في قفص الاتهام وقتها كامل مسؤوليتي التي تحملها ابراهيم مظلوما ..
كنت وقتها اقول لكل من يتحمل المسؤولية ” كيف تستطيع ان تنام ليلتك وهناك برئ واحد خلف قضبان سجنك ؟ ” فتعجب احدهم وهددني بما يستطيعه ؛ وهنا مسألة تدخل تفاصيلها في كتابة السيرة الذاتية فأتجاوزها هنا وعذرا ..انه القانون اولا وتحكيمه بين الناس واي مسؤول !! القانون هو الحق ؛ والحق لا يشيخ و لن يموت …” .
ومن مقالاته مقالة بعنوان (چا.. وين أودي الحجي واتعاتب ويامن؟ ) نشرها في (موقع العباسية الالكتروني ) يوم 3 ايلول –سبتمبر سنة 2014 وجاء فيها :” واللفظة الاولى عراقية للتساؤل متذمرة وحائرة !! الى من يقال السؤال ومن الذي لابد من معاتبته ؟؟
تلك حال عراقية متقادمة ومستمرة في السياسة والحكم ، ودون ان تتمدد العبارة فتشمل جغرافيات اخرى قريبة من العراق او مسكونة من أناس تتواضع كتاباتهم الى هذه الدرجة من الحيرة والتساؤل ؟.
بعد وفاة زوجته السيدة سلمى عبد سعيد السامرائي أم مصعب اخذت اقرأ له في صفحته سلسلة من المقالات بعنوان (مقامات بماء العيون ) وكلها رثاء واستذكار لهذه المرأة العظيمة التي قال عنها انها كانت امرأة عظيمة ، وزوجة حبيبة ، وأماً طيبة. ومن عناوين هذه المقالات : ” سلمى اولا وحتى الغياب ” و” سلمى باقة ورد لن تتكرر” و” سلمى ياغزال الكرخ ..حرة ابدا ” و” سلمى ياجرح بغداد ..شلال الالم ” و” احكي لنا ياسلمى عن شبكة الالم ” و” من شظايا الزمن الدخيل ” ونعم حدث مضى تقلبه الاكف ياسلمى.
اردته ان يكتب شيئا يضيفه الى مقالي وهو الان قد تجاوز الثمانين عاما فقال:”
درستُ الاعلام في دول وجامعات محتها ظلمات القرن العشرين .. لدي بحثين ميدانيين عن الطلبة والفيديو، والاخر عن الزمن الذي يقضيه الطالب على الجهاز كان معي الدكتور محمد ناجي الجوهر ، وفي البحث الثاني متعب مناف السامرائي ولا ادري الكثير .. ففدغادرت العراق اول التسعين ، وبقيت احمل حقائب الهجرة ومعي عائلتي حتى وصلنا الى كندا قبل اكثر من عشر سنين 00 الحمد لله وقفت معي زوجتي التي فقدتها قبل شهرين ، وكتبت عنها في المقامات بما لا اكتفي به وسأوالي الكتابة ان شاء الله … ”.
يكتب الان (اوراق موصلية) ويرسلها لي تباعا واحتفظ بها وانشر بعضها في مدونتي وانا على امل في ان يتمكن من ضمها في كتاب يحمل العنوان ذاته .أمد الله بعمر الاستاذ محمد مناف الياسين ومتعه بالعافية والخير والبركة .
{ كاتب ومؤرخ عراقي)
*جريدة (الزمان) اللندنية والرابط التالي : https://www.azzaman.com/IwY2xjawEn7kJleHRuA2FlbQIxMAABHRw..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق