السبت، 7 يونيو 2014

سامي مهدي وبداياته الاولى مع الصحافة


سامي مهدي وبداياته الاولى مع الصحافة 

*************************************
الحلقة 38 من ذكريات الاستاذ سامي مهدي 

تخرجت في كلية الآداب عند نهاية العام الدراسي 1961 – 1962 ، وبعد تخرجي التحقت بكلية الضباط الإحتياط حسب القوانين الجارية يومئذ ، وكنت لا أدري أين سأعمل بعد إنهاء خدمة الإحتياط ، وكان هذا هاجساً يقلقني كثيراً ، ولكنني لم أفكر قط بأنني سأعمل في الصحافة .
حين وقعت حركة 8 شباط 1963 كنت ما أزال تلميذاً في تلك الكلية . كان اليوم يوم جمعة ، وبعد أسبوع كامل من ذلك اليوم حدث لي ما لم يكن في الحسبان . فقد ذهبت لتفقد صديق لي في محلة الدوريين الثانية ( الأرضروملي ) وإذ بسيارة متهالكة تقف فجأة بجانبي وقفة أفزعتني ، فالتفت لأوبخ السائق فإذا به المرحوم : كريم شنتاف ( أبو مها ) .
كنت أعرف أبا مها جيداً ، وكان يعرفني ، ففتح باب السيارة ودعاني إلى الصعود بجانبه . تلكأت في باديء الأمر ، ولكنه ألحّ فصعدت شبه مرغم . سألني : إلى أين أنت ذاهب ؟ قلت : أزور صديقاً لي . فعاد يسأل : أأنت على موعد معه ؟ قلت : لا . فقال : إذن ستذهب معي لنتناول فطورنا في أحد المطاعم . قلت : ولكننا في رمضان والمطاعم مغلقة . فقال : هناك مطاعم مجازة مفتوحة . ورغم أنني أخبرته بأنني تناولت فطوري قبل خروجي من البيت أصر على أن أرافقه ، فرضخت احتراماً له .
في الطريق إلى المطعم ، وهو بعيد ، راح يسألني : هل أنهيت دراستك ؟ وأين أنت الآن ؟ وماذا ستعمل بعد إنهاء خدمة الإحتياط ؟ وأسئلة أخرى تتصل بها . ثم قال لي : أنا أعرف مقدرتك في الكتابة فما رأيك في العمل الصحفي ؟ أنا الآن رئيس تحرير جريدة ( الجماهير ) وفي وسعي تعيينك محرراً فيها فوراً ، ثم أحل لك كل المشاكل التي تتعلق بخدمة الإحتياط !
ترددت في قبول هذا العرض كثيراَ ، ولكنه ظل يرغّبني فيه ويشرح لي كيف سيحل المشاكل المتعلقة بالتزاماتي القانونية تجاه خدمة الإحتياط حتى وافقت ، ففرح وكأنه عثر على كنز ثمين ، وما كان منه بعد خروجنا من المطعم إلا أن يذهب بي فوراً إلى الجريدة . كان المطعم في ساحة الجندي المجهول ( مطعم العش الذهبي ) وكان مقر الجريدة في الكرنتينة ( مطبعة الرابطة ) فظل طوال هذا الطريق يحدثني عن مزايا العمل الصحفي ويؤكد لي أنني لن أندم على قبول عرضه ، وأنا مشحون بالقلق والتردد .
حين وصلنا الجريدة قدمني لمدير التحرير ، وهو يومئذ الأستاذ طارق عزيز ، وقال له وهو يقدمني : خذ ، جئتك بمحرر من الطراز الأول ! فحدجني أبو زياد بنظرة فاحصة متسائلة من وراء نظارته ، ثم ابتسم ايتسامة فاترة ولم يقل شيئاً ، كأنه لم يصدق . ولكنه دعاني إلى الجلوس فجلست على كرسي غير بعيد عنه ، ولم يلبث أبو مها أن تركني معه وغادر الجريدة .
لم أكن أعرف أبا زياد ، ولم أره أو يرني من قبل ، فسألني عدة أسئلة حاول فيها أن يتعرف علي وعلى مدى أهليتي للعمل الصحفي ، فأجبته على أسئلته ، وأخيراً قال : هل تستطيع إعداد صفحة تعنى بشؤون العمال والعمل النقابي ؟ فقلت : نعم ، فقال : إذن عليك أن تقدم لي مادة هذه الصفحة يوم الأربعاء القادم . وهنا أعدت عليه مشكلة دوامي في كلية الإحتياط فوعد هو الآخر بحلها . وعندئذ ودعته وخرجت .
بعد يومين استدعاني آمر فصيلي في كلية الإحتياط وأبلغني بأن آمر الكلية سمح لي بمغادرتها كل يوم بعد انتهاء ساعات التدريب بناء على طلب من جريدة الجماهير ، على أن أعود إليها قبل التعداد الليلي فامتثلت . وفي يوم 20 شباط 1963 صدر أمر تعييني محرراً في الجريدة بأجر شهري . وحين انتهت مدة التدريب في الكلية منحت رتبة ملازم احتياط ، ثم تم تسريحي من الجيش بهذه الرتبة ، لعدم الحاجة إلي !
كانت ثقة أبي زياد بكفاءتي الصحفية تزداد يوماً بعد يوم . فقد اكتشف أن قابلياتي تتعدى إعداد الصفحة العمالية ، إذ لمس فيّ القدرة على تصويب الأخطاء اللغوية ، وصياغة العنوانات المناسبة للموضوعات والأخبار والتقارير الصحفية ، فأصدر لي أمراً إدارياً بالإشراف على الصفحات الأسبوعية الخاصة إضافة إلى عملي . ولم يمض على ذلك سوى شهر أو أقل حتى كلفني بكتابة افتتاحية الجريدة ، فكتبت له الإفتتاحية ، وبعد أن قرأها أجازها دون أي تعديل ، وعند ذاك صدر لي أمر إداري جديد عينت فيه معاوناً لمدير التحرير . وكانت هذه مهمة ثقيلة . فقد صار عليّ أن أتابع تفاصيل العمل المتشعب في النهار والليل ، وأكتب افتتاحيات بعض الأيام ، وأشرف على غلق الصفحة الأولى كل يوم ، ولا أغادر مبنى الجريدة حتى يبدأ الطبع ، وأطلع على النسخة الأولى المطبوعة وإجازتها قبل أن يستمر طبع الكمية المقررة .
أذكر ممن عمل معنا يومئذ الأساتذة : بهجت شاكر ( المدير المفوض لدار الجماهير للصحافة ) وسجاد الغازي ، وعبد الله حياوي ، وحسن العلوي , وماجد الكحلة ، وثبات نايف ، والفلسطيني محمد عصفور ، والتونسي علي صميدة ، وكان من منتسبيها ثلاثة لبنانيين هم : الكاتبان إلياس عبود ، وصلاح كامل ، والمصمم جلال الترك . وكانت الجماهير أول جريدة عراقية عنيت بتصميم الصفحات ورسم ( الماكيتات ) . وكان الأستاذ غالب زنجيل ( وهو مسؤول الأرشيف يومئذ ) أول من تعلم التصميم الصحفي من العراقيين على يدي جلال الترك وصلاح كامل .
بعد انقلاب 18 تشرين الثاني 1963 انقطع عن الجريدة كل من رئيس التحرير ومدير التحرير . أما أنا فأرسل إلي المدير المفوض بهجت شاكر من يأتي بي من البيت ، ولما جئته طلب مني الإستمرار في العمل ريثما تنجلي الأمور ، ولكنه لم يهدني إلى سبيل ، وأنا يومئذ في الثالثة والعشرين من عمري . 
بعد الإنقلاب بيومين زار الجريدة وزير الإرشاد في حكومة الإنقلاب ( عبد الكريم فرحان ) وطلب مني مواصلة إصدار الجريدة ، وكتابة الإفتتاحيات وإيصالها بنفسي إلى بيته في محلة ( راغبة خاتون ) ! غير أن الإفتتاحية التي كتبتها لم تعجبه ، لأنها لم تكن على مرامه ، فأصدر في اليوم التالي أمراً وزارياً بفصلي من العمل . وبذلك انطوت أول صفحة من صفحات حياتي الصفحية كان فيها أبو زياد معلمي الفذ . ولعل الوفاء يوجب علي أن أقول : إنني مدين لهذا الرجل بالكثير ، أقله بناء الأساس الصلد الذي قامت عليه خبرتي في عالم الصحافة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زقورة عقرقوف من المعابد العراقية في العصور القديمة

زقورة عقرقوف من المعابد العراقية في العصور القديمة وهذه صورة للزقورة وفيها مكان للمعابد العراقية وترتفع بالانسان المتعبد الى الاعلى حيث السم...