الأربعاء، 29 يناير 2014

نهاد التكرلي بقلم :الاستاذ سامي مهدي

ذكريات جانية (7 ):
*******************

نهاد التكرلي
بقلم :الاستاذ سامي مهدي

هذا رجل لم أعرفه معرفة مباشرة ، ولم ألتقِ به في مجلس ، رأيته مرة واحدة من بعيد ، في دورة من دورات مهرجان المربد الشعري ولم يتسنَّ لي فيها حتى السلام عليه ، ومع ذلك ألفت كتاباً عنه عنوانه ( نهاد التكرلي : رائد النقد الأدبي الحديث في العراق ) .
صدر هذا الكتاب عام 2001 عن دار الشؤون الثقافية العامة وقوبل بصمت مطبق بخلاف كتبي الأخرى . ولكن كثيرين استغربوا تأليفي كتاباً عن نهاد ، وبعضهم سألني بصراحة : هل يستحق هذا الرجل تأليف كتاب عنه يضعه في المكان الذي وضعته فيه بين النقاد ؟ ولذا فوجئت قبل يومين حين سألني عنه الصديق الأستاذ علي حسين واقترح علي إعادة نشره بعد إضافة شيء جديد إليه .
عرفت نهاد التكرلي من خلال كتاباته فقط ، وبدأت هذه المعرفة عام 1954 ، وكان أول ما قرأته له مقالة كتبها لتكون مقدمة لديوان الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي " أباريق مهشمة " ، ومنها رحت أتتبعه في ما كان ينشر من كتابات مثيرة للجدل في مجلة " الأديب " اللبنانية ، وفي المجلتين العراقيتين " الثقافة الجديدة " و " الكاتب العربي " . ولكنه لم يلبث أن توقف عن النشر ، ثم هاجر إلى فرنسا عام 1955 ، وتزوج من فرنسية ، ولم ينشر بعد ذلك سوى دراستين ، إحداهما عام 1956 والثانية عام 1957 ، ثم توقف مرة أخرى .
عاد إلى النشر عام 1972 فصدرت له رواية مترجمة من روايات الكاتبة الفرنسية " مارغريت دورا " ، وهي يومئذ اسم لامع بين كتاب ما يعرف بالرواية الفرنسية الجديدة ، والرواية التي ترجمها نهاد كانت أول عمل يترجم لها إلى العربية . ثم صدرت له عام 1979 دراسة عنوانها " اتجاهات النقد الأدبي الفرنسي المعاصر " نشرت ضمن سلسلة " الموسوعة الصغيرة " ثم دراسة أخرى عن " الرواية الفرنسية الجديدة " ظهرت بحلقتين متتابعتين من حلقات هذه السلسلة عام 1985 . ونشر له بعد ذلك كتابان مترجمان : الأول مجموعة قصصية بعنوان " أقاصيص معاصرة " و الثاني " عالم الرواية " لرولان بورنوف وريال أونليه ، وكان جميع هذه الكتب من منشورات دار الشؤون الثقافية العامة .
بين عامي 1992 و1996 كنت بلا عمل تقريباً ، فقد فرض علي نوع من التفرغ الإجباري ولم يسند إلي أي عمل ، فاستغللت هذا الظرف ورحت أبحث عن كتابات نهاد التكرلي قبل عام 1954 في مجلة " الأديب " . دفعني إلى ذلك اهتمامي الخاص بمتابعة حركة التحديث في الأدب العراقي ، فقد لمست من كتاباته أنه كان رائداً من رواد هذه الحركة ، ولكنني لم أكن أنوي يومئذ تأليف كتاب عنه . قصدت المكتبة الوطنية بحثاً عن مجلدات مجلة " الأديب " فلم أجد فيها بغيتي ، بل وجدتها في مكتبة المجمع العلمي العراقي ، واكتشفت أن نهاد بدأ النشر في هذه المجلة عام 1950 ، وأن ما نشره من دراسات ومقالات فيها يؤكد لي ما ذهبت إليه حول ريادته ، وعندئذ فكرت بتأليف الكتاب .
ولكن سرعان ما تبين لي أن تأليفه يتطلب الحصول من نهاد على بعض المعلومات عن شخصه وعن أعماله ، فكتبت بذلك إلى شقيقه الروائي فؤاد التكرلي الذي كان يقيم يومئذ في تونس ، واستمرت المكاتبات بيني وبين فؤاد من جهة ، وبين فؤاد ونهاد من جهة أخرى ، نحو عام تقريباً حتى تم لي الحصول منه على ما أردت . غير أن ظروفي الخاصة لم تسمح لي بإنجاز كتابي إلا في حزيران عام 2000 ، ولم ينشر الكتاب إلا عام 2001 .
إذن هذه هي قصة كتابي عن نهاد التكرلي ، وهذا هو سر اهتمامي به . وأحسب أن من استغربوا تأليف كتاب عنه ، ومن استكثروا عليه المكانة التي وضعته فيها بين النقاد ، لم يطلعوا على كتاباته الأولى ليحكموا عليه .
لقد كان الرجل أول ناقد عراقي ذي رؤية محددة للعالم ، وممارسة نقدية منهجية واضحة ، وهدف معين يسعى إليه بإخلاص . ولعله أول أديب وجودي عربي . فقد آمن ، بمعنى الكلمة ، بالفلسفة الوجودية ، السارترية ، بوصفها " رؤية للعالم " شأنها شأن الماركسية ، ووجد فيها منطلقاً لتحرير ذاته من القيم التقليدية ، فتبناها وراح يبشر بها في كتاباته وترجماته ، قبل مجلة الآداب اللبنانية بأعوام .
ولد نهاد التكرلي عام 1922 ، ولا أعرف اليوم ما إذا كان ما يزال على قيد الحياة أم لا ، ولكن دوره في تحديث أدبنا ، وفي نشر أفكار ومفهومات حديثة تتعلق بالقصة والرواية والشعر والنقد ، دور جدير بالتقدير . وليس كثيراً عليه تأليف كتاب عنه وعن دوره التحديثي .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زقورة عقرقوف من المعابد العراقية في العصور القديمة

زقورة عقرقوف من المعابد العراقية في العصور القديمة وهذه صورة للزقورة وفيها مكان للمعابد العراقية وترتفع بالانسان المتعبد الى الاعلى حيث السم...