الثلاثاء، 17 مايو 2016

كنعان مكية بين الحبل والفتة والاعتذار المتأخر بقلم : الاستاذ صبحي حديدي*




كنعان مكية بين الحبل والفتة والاعتذار المتأخر 
بقلم : الاستاذ صبحي حديدي*
■ لا تهدف هـــذه الســطور إلى أيّ طــــراز من التـــــناول النقدي، أو المراجعة، لرواية العراقي الدكتور كنعان مكية The Rope أي " الحبل " التي نًشرت مؤخراً عن بانثيون، في نيويورك، كما صدرت لاحقاً بالعربية تحت عنوان " الفتنة" ، عن منشورات الجمل. ولكنها تهدف، في المقابل، إلى وضع العمل ضمن سلّة كتابات ومواقف متناقضة متضاربة اقترنت بمكية، وحفلت بالانتهاز والنفاق وخيانة الضمير والتلفيق، وغطّت مساراً طويلاً كان قد بدأ قبل «جمهورية الخوف»، 1989، الكتاب الذي وقّعه مكية باسم مستعار هو سمير الخليل.
«الفتنة» في الإصدار العربي يخلو، بادىء ذي بدء، من أي إشارة إلى أنّ النصّ مترجم عن الإنكليزية، الأمر الذي يوحي، ضمناً، بأنّ مكية هو الذي كتبه أيضاً بالعربية. ورغم أنني سألت الناشر شخصياً، خلال محادثة عابرة في معرض أبو ظبي للكتاب، فأكد لي أن مكية هو الذي كتب النسخة العربية، فإنّ الأمر مدعاة ارتياب كبير، لأننا لا نعرف لمكية كتابات بالعربية، في هذه السوية اللغوية على الأقلّ. فإذا صحّ التزييف هنا، عن سابق قصد، فهذه نقطة نزاهة أخلاقية أيضاً، خاصة وأنّ الفروق بين النصَّيْن الإنكليزي والعربي لا تقتصر على العنوان، بل تشمل ما هو أدهى. 
في النسخة العربية، يختتم مكية الكتاب بـ" كلمة شكر واعتذار" ، جاء في الفقرات الأخيرة منها ما يلي: «أعتذر أولاً من الشعب العراقي، وثانياً من الطائفة الشيعية، لأنني لعبت دوراً قبل حرب 2003 لإضفاء الشرعية الدولية والعالمية على أولئك الذين كنا نسميهم طيلة التسعينيات المعارضة العراقية، وهم الذين حكموا العراق بعد 2003. هؤلاء لا يستحقون وصفهم بمعارضين لنظام البعث، ولا يستحقون أن يحكموا أحداً. التاريخ سيسجل أنه ليس هناك تجربة سياسية فاشلة بحجم فشلهم، وخاصة المتشيعين منهم، فشل ستُضرب به الأمثال لأجيال. فشل لا مثيل له لا في القرن العشرين ولا هذا الذي نعيش مآسيه الآن، ولا حتى في أي بقعة من القارات الآسيوية والأفريقية والجنوب أمريكية».
إلى هنا قد يبدو هذا الإقرار بمثابة نقد ذاتي، وله فضيلة الاعتراف بالخطأ ربما، لولا أنّ الفقرة بأكملها لم تظهر في ختام النصّ الأصلي الإنكليزي، بالرغم من «هامش شخصي» يضعه المؤلف، ويمتدّ على أكثر من 30 صفحة، وفيه اعترافات أشدّ جسارة (كالقول بأنّ «اجتثاث البعث» انتهى إلى «اجتثاث السُنّة»!). هذه ليست حكاية انعدام نزاهة، أو قلّة أمانة بين نصّ عربي وآخر إنكليزي، بل هي، ببساطة، أحد مظاهر التلفيق التي اعتاش عليها مكية منذ أن أخذ يظهر على الفضائيات الأجنبية، بعد اجتياح صدّام حسين للكويت، متخفياً داخل بقعة سوداء تغطي وجهه، أو مديراً ظهره للعدسات.
ذاكرة العراق المعاصرة تسجّل، في المقابل، أنّ مكية ـ في مطلع 1991، بعد إعلان وقف إطلاق النار في حرب الخليج الثانية ـ كتب، بتوقيع سمير الخليل: 1) الفكرة القائلة بأنّ نموذجاً منهكاً من صدّام حسين يمكن أن يحافظ على العراق موحداً، هي فكرة أقرب إلى أضغاث الأحلام، 2) لا شيء سيعكس مسار تفتت العراق إلا التدخل الخارجي، ويتوجب على الحلفاء الاعتراف أولاً بالثائرين على صدّام والتعاون معهم، ثمّ يتحلى الجنرال شوارزكوف بالرؤية التي امتلكها الجنرال ماك آرثر [أواخر الحرب العالمية الثانية، حين احتلّ اليابان]، فيزحف على بغداد، 3) الحفاظ على النصر أكثر أهمية من النصر ذاته. ماذا كان سيحدث لو أنّ الولايات المتحدة انسحبت من أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية دونما التزام بالديمقراطية وإعادة البناء الاقتصادي؟ 4) بمشيئة الحلفاء، يبــــدو محتملاً تماماً أن تقوم في العراق ديمقراطية علمانية تضمن الحقوق القومية للأكراد، وتحمي جيران العراق من مخاوف عدوان جديد في المستقبل، 5) الشعب العراقي بحاجة إلى عون الجيوش ذاتها التي دمّرت قدراته، والشعب العراقي سوف يستقبل الجنرال شوارزكوف وجيشه بأذرع مفتوحة.
وفي مطلع كانون الثاني (يناير) 2003، قبل أسابيع قليلة سبقت الغزو الأمريكي للعراق، حين استقبله الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن في المكتب البيضاوي، بحضور مستشارته للأمن القومي آنذاك، كوندوليزا رايس، قال مكية إنّ الشعب العراقي سوف يستقبل القوّات الأمريكية بالحلوى والزهور، وعلى الرئيس أن يتأكد من هذا تماماً. وحين أخذت القاذفات الأمريكية تدكّ بغداد، كتب في مجلة New Republic، يمتدح القصف: «هذه القنابل لها وقع الموسيقى في أذني. إنها أشبه بأجراس تُقرع للتحرير في بلد تحوّل إلى معسكر اعتقال هائل».
أن يصل مكية متأخراً، في «الحبل»/ «الفتنة» مثلاً، خير من ألا يصل أبداً، كما قد يساجل البعض؟ ليس تماماً، ومجدداً، لأنّ هذا الإقرار بالوضع الكارثي في العراق لا يتعدى الاعتراف البسيط بتحصيل حاصل صار الملايين يرونه على نحو أشدّ وضوحاً ممّا يفعل مكية اليوم، وأشدّ نقداً بالطبع، وأرقى سلوكاً.
وكما يقول ت. س. إليوت، من جديد ودائماً: «بعد كلّ هذه المعرفة، أيّ غفران»؟، خاصة حين يسير العراق من خراب إلى يباب…
***********************************وصلتني عبر الايميل من الصديق العزيز ( ا.د. أبو علياء ) وقد نشرت أمس May 16, 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وصباحكم حدبائي موصلي

وصباحكم حدبائي موصلي *وشكرا لمن التقط الصورة صورة منارة الحدباء في الجامع الكبير النوري -الموصل اليوم صديقي الاستاذ اسامة اكرم العبيدي .......