السبت، 10 مارس 2018

الدكتور ابراهيم العلاف :منهجه التاريخي ومفهومه للتاريخ ورؤيته في قراءة وكتابة التاريخ

                                                                         الحاج الاستاذ عبد الجبار محمد جرجيس 
                                                                                      ابراهيم خليل العلاف 
الدكتور ابراهيم العلاف :منهجه التاريخي ومفهومه للتاريخ ورؤيته في قراءة وكتابة التاريخ
الاستاذ عبد الجبار محمد جرجيس
الامين العام للمكتبة العامة المركزية – محافظة نينوى
يعتمد الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف في كتاباته على مبدا ثابت ومحدد وهو ( أن المؤرخ ينبغي أن يكون طرفاً نشيطاً في العملية التاريخية ) ، وأن يعتمد الوثائق والمصادر الرصينة في توثيق كتاباته ، على أن يحافظ المؤرخ ( على مبدأ إعادة تشكيل الحدث التاريخي كما وقع بالضبط ) ... إضافة إلى محاولته ( وضع الأحداث وضبط تسلسلها زمنياً بحيث يستطيع القاري معرفة حجم التطور في الأحداث ، وصولاً إلى النتائج المتوخاة ) وهو كالصحفي في نقل الخبر والمصور الفوتوغرافي حيث يحدد المكان والزمان وينقل الحدث مباشرةً وتفصيلاً ، لإيصاله إلى القراءبكل يسر وسهولة .
إضافة إلى دعوة الدكتور العلاف إلى أن يكون المؤرخ صاحب رسالة وأن لا يهدف سوى إظهار الحقيقة حتى لو كانت على نفسه ، وأن يكون شجاعاً وصادقاً وأميناً وذا مروءة وإنصاف لأن من يتعامل معهم قد غادروا الحياة ولم يعد بمقدورهم الدفاع عن أنفسهم .
وهنا يتقرب إلى الذهن من عمل الكاميرا الحديثة التي تنقل الصورة الحقيقية للحدث أو المشهد دون تشويه للواقع والمشهد ، لأن عين الكاميرا تكون صادقة في بداية التقاط الصورة ، أي قبل الدبلجة والإخراج .
إذن المؤرخ مطلوب منه أن يعي المسؤولية الكبيرة التي يحملها أمام الله والآخرون والذات فالحقيقة والصدق هما الشاهد على صدق هذا المؤرخ الذي ينقل للأجيال أخبار الماضي ورجاله .
وهنا يشير العلاف أن التعامل مع التاريخ يمر بمشاكل ومن هذه المشاكل ( أن المشكلة في العراق هي أن الإنسان فيه لا يؤمن بقيمة تراكم الخبرة التاريخية ، ويحاول ان يبدأ من الصفر دائماً . لهذا فالبنيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري فيه يشوبه النقصان وعدم الاكتمال .
ففي العراق مثلاً أن القادة والزعماء ، خاصة منذ العشرينيات ، وتشكيل الدولة العراقية الحديثة لا يحظون بالاحترام والتقدير بعد خروجهم من السلطة ، وتبذل الجهود لطمس آثارهم وإزالة منجزاتهم ، بل وشن الحرب عليهم ، ولهذا الأمر أسباب سايكولوجية ومناخية واجتماعية لتعلق بعضها بفساد أولئك الحكام ، أو تراكم أخطائهم وخطيئاتهم بحق الشعب العراقي والرغبة الجامحة في عدم منحهم الحرية والسعي إلى قمعها . وفي هذا يختلف الإنسان العراقي عن الإنسان المصري في موقفه من السلطة ، فمنذ العصور القديمة كان الإنسان المصري يحترم قادته ، في حين أن الإنسان العراقي يخافهم ، لهذا فما أن تتيسر له فرصة التخلص منهم إلا ويبدأ بهدم آثارهم والتخلص كما كان يحدث في حقبة من الزمن تحجب الكتب والنشريات والمطبوعات التي تمثل تاريخ تلك الحقبة ، فيلجأ من بيده الحل والربط إلى منع تداول هذه المطبوعات ورفعها من المكتبات ودور العلم ، ومراكز البحث والتوثيق .
هنا يقول الدكتور العلاف ، أن المؤرخ يواجه مشكلة معقدة عند محاولته كتابة التاريخ بصدق وموضوعية ... ويؤكد أن مشكلة التاريخ الحديث في العراق وغيره من الأقطار النامية هي ( الأيديولوجية ) ، كما أن مشكلة التاريخ الإسلامي هي إرتباطه بالدين وبالمقدسات الدينية التي تعيق المؤرخ في كثير من الأحيان عن اداء دوره الفاعل في عملية التدوين والتوثيق والتفسير .
ويدعو العلاف المؤرخين أن ينأوا بأنفسهم عن الحكام وأن يناضلوا من أجل تخليص التاريخ من قيود الحكام ، واذا كان التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون كما يقال ، فلا بد من تأشير حقيقة جسامة المسؤولية التي يضطلع بها المؤرخ الموضوعي النزيه الملتزم بقواعد المنهج التاريخي المعتمدة على إظهار الحقائق والوثائق والوقائع بالعلم لا بالعاطفة .
ويعتمد الدكتور العلاف في نظرته إلى استخدام التاريخ كمادة للتفاهم بين البشر وكوسيلة للتعاون على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان ، ومن الممكن أن يجتمع المؤرخون من أقطار عديدة لكي يتوصلوا إلى قواسم مشتركة عند كتاباتهم للأحداث التاريخية المشتركة المثيرة للنزاعات والجدل ، وكما هو معروف فإن المؤرخين الأوربيين فعلوا مثل ذلك ، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، عندما اجتمعوا في باريس وأزالوا كل ما من شأنه تعميق حالات العداء والنزاع والتخاصم ، وأكدوا على الثوابت والأسس المشتركة التي كان من أبرز نتائجها إقامة الاتحاد الأوربي ، وبإصدار دستور يلتزم به الجميع ، إضافةً إلى العملة الأوربية الموحدة ( اليورو ) . مع بقاء الثوابت الوطنية لكل دولة من الدول الأوربية المنضوية تحت الإتحاد . والمحافظة على الهوية الخاصة بها . مع الولاء للإتحاد في إتحاذ المواقف والقرارات في المحافل الدولية .
كما يؤكد العلاف عند كتابة التاريخ على عدم الإهتمام بالجانب السياسي فقط من العملية التاريخية . بل لا بد من الاهتمام بالجوانب الأخرى . الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فعندما يريد المؤرخ أو الباحث الكتابة في موضوع معين فلا بد أن يربط دراسته المعنية بالجوانب التعليمية والادارية والحياة السياسية والصحافة وغيرها من التطورات الأخرى ضمن مرحلة التطور التاريخي للمرحلة.
وللأستاذ الدكتور العلاف دور مهم في توجيه طلبة الدراسات العليا إلى البحث والكتابة في التاريخ المحلي لمدينة الموصل ، ومنها توثيق دور ( الاعلام المواصلة) الذين قدموا خدمات جليلة في تاريخ وتطور مدينتهم من خلال مآثرهم وكتبهم وبحوثهم ، ولم يقتصر على ذلك . وقد ساهم مساهمة بارزة في المتابعة والمراجعة والتصحيح والإضافة حتى يكون العمل للمؤرخ أو الباحث كاملاً ومنصفاً . وهو يؤكد دائماً على التوثيق المحلي وانطلاقاً إلى تاريخ رجال العراق والعرب والمسلمين وغيرهم من السياسيين والأدباء والكتاب والباحثين . .
______________________________________________
* من مقاله الذي كتبه ونشره في مجلة (مناهل جامعية ) التي تصدرها جامعة الموصل ، السنة الثانية العدد(23) آب 2007 ص ص 57-58

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...