الاثنين، 15 ديسمبر 2014

الشاعر كاظم جواد بقلم الاستاذ سامي مهدي



ذكريات جانبية للاستاذ سامي مهدي  (18)
 عن : كاظم جواد
كاظم جواد شاعر وكاتب ومترجم ، وهو من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي أطلق عليه اسم ( جيل الخمسينيات ) . كان واحداً ممن تابعتهم واهتممت بمنشوراتهم أيام صباي ، منذ عام 1953 على وجه الدقة . كان من شلة بدر شاكر السياب إن صح الوصف . فهو وبدر ومحيي الدين إسماعيل كانوا على رأي واحد ، وشكلت هذه الشلة ثالوثاً متعباً للشاعر عبد الوهاب البياتي منذ عام 1954 حتى عام 1957 . هذا ما تظهره كتاباتهم ، ومواقفهم المشتركة ، وإن كان لكل منهم شخصيته الأدبية المستقلة .
ولد كاظم جواد عام 1928 في الناصرية ، وتخرج في كلية الحقوق عام 1953، وأصيب عام 1984 بأزمة قلبية أدت إلى وفاته ، وكان يومها في برلين ، فتركت وفاته لوعة كبيرة في قلوب محبيه . كان عروبي الإتجاه ، اشتراكي الهوى ، ورغم أنه لم ينتم إلى حزب سياسي بعينه كان مناضلاً تقدمياً صلباً عانى في نضاله ما عاناه في العهد الملكي ، وقد شغلته في ما بعد القضية الفلسطينية ، باحثاً ومترجماً ، حتى غلبت على سائر اهتماماته في سنواته الأخيرة .
والواقع أن أبا مصعب ، وهذه كنيته ، كان كاتباً ومترجماً أكثر منه شاعراً ، فهو لم يبز السياب والبياتي والحيدري من شعراء جيله ولم يدانِ أياً منهم ، رغم أنه كان من أكثرهم اطلاعاً على الشعر الأوربي . وهذا ما اكتشفه هو نفسه فلم يصدر سوى مجموعة شعرية واحدة عنوانها ( من أغاني الحرية ) وتخلى بعدها ، أو كاد ، عن كتابة الشعر . ولكنه كان مثقفاً مرموقاً على الصعيدين الأدبي والفكري ، وكان كاتباً بارعاً ، وناقداً يقظاً ، نير الفكر ، ثاقب الرأي ، ولكن نقوده كانت لا تخلو من بعض الحدة ، وخاصة في ما كتبه عن نازك الملائكة ( 1953) وعن عبد الوهاب البياتي ( 1954 ) ثم بدر السياب (1957) . وبعد وفاته ألف عنه صديقه الأديب خالص عزمي كتاباً جامعاً عنوانه ( كاظم جواد : حياته وآثاره ) وصدر الكتاب عام 1989 .
عرفت كاظم جواد معرفة مباشرة عام 1967 يوم كان جار صديقي الشاعر الراحل شاذل طاقة بيت بيت . ففي عصر يوم من أيام ذلك العام كنت في زيارة لصديقي أبي نواف في بيته ، ولما حل الغروب وأردت إنهاء الزيارة خرج معي أبو نواف لتوديعي ، وإذا بالمرحوم كاظم جواد يقف عند باب بيته وكأنه كان ينتظرني ويترصد خروجي . فاستوقفني حين خرجت ودعاني وأبا نواف إلى بيته ، ورغم أنني حاولت التملص من هذه الدعوة المباغتة رضخت أخيراً لشدة إلحاحه ولتشجيع أبي نواف ، فدخلت بيته على غير رغبة مني وكان في نيتي ألا أطيل .
ضيفتنا السيدة زوجته ( يومئذ ) المترجمة الفلسطينية سلافة حجاوي . ولكن بدا لي بعد قليل أن وراء هذه الدعوة ما وراءها . إذ كانت حجاوي قد ترجمت إلى الإنكليزية مختارات قليلة من شعر المقاومة الفلسطينية ونشرتها في كراس ، وكانت ممتعضة مني لأنني تناولت هذه الترجمة ببعض الملاحظات النقدية في الصفحة الأدبية التي كنت أحررها في جريدة صوت العرب ، فانتهزت وجودي في بيتها وصبت علي جام غضبها لتشفي غليلها ، رغم أنني كنت قد أشدت بمبادرتها وتحفظت في نقد ترجمتها . ولكنها في ما بدا لا تطيق النقد مهما خفّت وطأته ، وكان جوهر الخلاف بيني وبينها أنها تبيح لنفسها التصرف بالنص المترجم وتكتفي بتأدية معناه ، في حين أنني ممن يتوخون الدقة في الترجمة ، وخاصة ترجمة الشعر . ولكنها كانت تتحدث بحدة وتعصب ، وبتعال لا يسوغه شيء ، دون أن تراعي كوني ضيفاً في بيتها . والأدهى من ذلك أن أبا مصعب نفسه لم يحاول تهدئتها ، ولم تفلح محاولات أبي نواف في حينها لتلطيف الأجواء ، فلم أجد بداً من الإنسحاب والخروج من البيت وأنا شديد الإمتعاض .
بعد مضي سنوات قليلة جمعني بأبي مصعب العمل في وزارة الثقافة والإعلام التي تقلد فيها مناصب عدة ، وعملنا حيناً من الزمن في مكتبين متجاورين ، فتناسى كلانا تلك الأمسية الكدرة ، وصرنا نتزاور في مكتبينا كلما وجدنا فراغاً للتزاور ، حتى أصبحنا صديقين ، فصار يحدثني عن أفكاره ومشاريعه الفكرية ، ويرد على أسئلتي حول حقبة الخمسينيات وأدبائها . واستمرت صداقتنا حتى تقاعد ورحل في أوائل الثمانينيات إلى ألمانيا الديموقراطية ، وبقي فيها حتى وفاته .
قد لا يذكر أحد اليوم كاظم جواد ، وقد لا يعرفه أدباء الأجيال الجديدة ، ولكنه كان نجماً أدبياً متألقاً وصوتاً مؤثراً في خمسينيات القرن العشرين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم

  بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم - ابراهيم العلاف وفي إطار التوثيق للسينما العراقية المعاصرة ، ثمة أفلام تنتمي الى الواقع...