الاثنين، 10 نوفمبر 2014

النشاط الدعائي لجمعية الأتحاد والترقي في ولاية الموصل *: ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ متمرس -جامعة الموصل

النشاط الدعائي لجمعية الأتحاد والترقي في ولاية الموصل *:
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
أسسـت في ولاية الموصل بعد إعلان الدسـتور بفترة قصيرة فروع لجمعية الاتحاد والترقي والتي ضمّت أعضاء مدنيين وعسكريين ، وفيما يلي أسماء بعض الأعضاء البارزين في فرع الموصل :
1 ـ القول اغاسي أي الرئيس الأول الركن علي سعيد بك ( ) .
2 ـ رشيد بن سليمان بن عبد الباقي العمري ( مدير ناحية ) ( ) .
3 ـ أحمد عزت آل قاسم أغا ( مدير مدرسة ) .
4 ـ مدحت أفندي آل يوزدرهم ( معان كاتب العدل ) .
5 ـ علي أفندي الإمام ( إمام جامع نبي الله شيت ) .
6 ـ حكمت أفندي .
7 ـ رفعت أفندي .
والأخيران من أهالي كركوك وزكانا من موظفي العدلية واشتهروا بين
الناس بلقب " قهرمان حريت " أي أبطال الحرية .
8 ـ الشيخ ابراهيم الرومي ( شيخ التكية الشاذلية ) ( ) .
عرف مقر جمعية الاتحاد والترقي في الموصل باسم " القلوب " والقلوب كلمـة انكليزية ( Club ) تعني النـادي ( ) . وقد أصبح محمد الفخري المعروف بـ " فتوى أميني زادة " أي كاتبي أو مساعد المفتي رئيساً أولاً لإدارة نادي جمعية الأتحاد والترفي في الموصل ( ) .
اسـتعانت جمعية الاتحـاد والترقي ـ فرع الموصل ـ لنشـر أهدافها السياسية بالعديد من الوسائل . فأصدرت في 15 تموز 1909 جريدة ناطقة بلسان الجمعية تدعى " نينوى " باللغتين العربية والتركية . وكـان صاحب امتيازها فتح الله سيرسم ومديرها المسـؤول محمد أمين الفخري ، ثم أصبح بعد ذلك محمد شكري أفندي . وكان لها محرران للقسم العربي وهو محمد الفخري والثاني للقسم التركي وهو علي حكمت ( ) . وقد وضّحت في عددها الأول أسباب صدورها فكتبت تقول :

(( ... أحكمت في كثير من الأماكن أحكام الدستور فأنقذت لذلك البلاد من مسـاوئ الاستبداد ... سـوى الموصل الحدباء فإنّها قد انحدبت عليها المهالك من جميع المسالك وعمّت المحن جميع الوطـن...لذلك نراها كاسدة البضائع خامدة الصنائع لم ترقَ أسبابها ولم يتم اكتسابها ولم تنشر للمعـارف ... فتركت لذلك دواعي الحمية من رجال الجمعيـة وأرادوا نشر جريـدة تكون في بابها فريدة ، خادمة للوطن ... باحثة عن المعلول والعلة منبهة لذوي الألباب على اكتسـاب الآداب ، محرضة للعمـوم على تحصيل العلوم داعيـةً في كل نـادٍ على الائتلاف والأتحاد ... )) ( ) .
اندفعت جريدة نينوى بحرارة إلى تأييد الانقلابيين منذ صدور أعدادها الأولى وأخذت تنشر المقالات والقصائد التي تمدح بها الاتحاديين وجمعيتهم . ومما نشرته في هذا المجال مقالاً قالت فيه :
(( ... فإنّ مما وقع عليه الاتفاق في جميع الآفاق استحسان العدل وإيجابه واستقباح الظلم واجتنابه... وإنّا كنّا في ليل داجٍ نتقلب في بحار بغيهٍ بأمواج . نشبت بنا مخالب استبداده وأضلت علينا غمائم فساده . نستغيث فلا نُجاب ونسترشد فلا نهتدي لصواب إلى أن كشف الله الغمة عن هذه الأمة وانتدب من الرجال أهل النخوة ... وتحالفوا على الاتحاد لترقي الملّـة والتوقي من الاستبداد فنجحوا ... وتمت المشروطية وانتشرت المساواة والحرية ... )) ( ) .
رحّب بجريدة نينـوى عدد من مثقفي الموصل وجـادت قرائح بعضهم بقصائد تحية وتأييد نُشـرت على صفحات الجريـدة . نذكر من هؤلاء على سبيل المثال داؤد الملاح آل زيادة ( ) وأيوب الراوي ومحمد حبيب العبيدي وفاضل الصيدلي وأحمـد الفخري . وفيما يلي مطلع قصيدة بعنوان " ديباجة الفضائل " لأحمد الفخري :
جمعيـة الاتحـاد برحـت مبدئـه للعلــى معيدتهـا
قد أصبحت بالبهاء جريدتها للصحف في عصرنا فريدتها
إذا نشرتها السـعود أرّخها بنينـوى عنونـت جريدتها ( )
أما حبيب العبيدي فقد أمدّ الجريدة بقصيدة جاء فيها :
وكوكب رشد ضاء في أفق نينوى يسـميه حـزب الأتحاد بنينوى
صحائف سـود بيّضت وجه بقعةٍ أقامت على ضيم وأبعدها النوى
فمن قال بعض النور أسود صادق ومن شاء غنّى بالعراق وبالنوى
ليهنـأ بها حـزب الترقي فإنّهـا تميز بين اللـب والقشر والنوى
بنيـة خيـر حاولوهـا وإننــا لكل أمرئٍ فيمـا يُحاول ما نوى ( )
عمـدت جمعية الأتحاد والترقي كذلك إلى فتح مدرسـة ابتدائية ملحقة بالجمعية بأسم (( أتحاد وترقي مكتبي )) . وقد حاولت الجمعية جعلها مدرسة نموذجيـة بأن وزوّدتها بالأثاث الفاخر والوسـائل التعليمية ووّحـدت أزياء طلابها بارتدائهم الملابس العسكرية متخذين بنادق خاصة للطلاب الأحداث ، فكانوا يحملونها ويسيرون في شوارع الموصل وهم ينشدون الأناشيد التركية. وقد عيّنـت الجمعية لها معلميـن من بيـن أعضائها يلقنون الطلاب أهداف ومبادئ الأتحاديين وكان مديرها أحمد عزت آل قاسم أغا من أركان الجمعية أيضاً ( ) .
كان لجمعية الأتحاد والترقي فـرع في السليمانية أسس في أواخر سنة 1908 وضمّ عـدداً من الضباط الذين تخرجوا في المدرسـة العسكرية في السليمانية والذين كانوا يميـلون إلى اعتناق مبـادئ التحرر ومقاومة الأُسر المتنفذة . كما ضمّ الفرع أيضاً عـدداً من تجار السـليمانية ( ) ، ومن بين أعضاء الجمعية الحاج ملا سعيد كركوكي زادة الذي أصبح فيما بعد نائباً عن السليمانية في مجلـس المبعوثان ( ) . ومهما يكن من أمـر فقد تأسس فرع السليمانية من خصوم أسرة الشيخ البرزنجية التي كانت تتمتع بنفوذ كبير في عهد السلطان عبد الحميد الثاني . وليس من شك في أنّ فروع الجمعية كانت تتألف وتتقوّى في ولايات الدولة العثمانية كافـة بإضعاف نفوذ الموالين في السابق للسلطان عبد الحميد ونظامـه المطلق . لهذا فقد تعاون فرع الموصل وفرع السـليمانية للتنكيل بخصوم العهـد الجديد كما سـيتوضح ذلـك في الصفحات التالية .
نشرت جمعية الأتحـاد والترقي برنامجها السـياسي في أواخـر أيلول 1909 ، وقد نصّ على أن تُدار الولايات على أصول توسـع المأذونية أي الصلاحيات التي نصّت عليها المـادة (108) من الدسـتور ، مع مواصلة السعي في تقوية عُرى الاتحاد والإخـاء بين العناصر العثمانية على أن تبقى اللغة التركية هي اللغة الرسمية وتتبع الدولة سياسة تعليمية ترمي إلى تربية النشئ العثماني تربية موحدة وإلى فتح مدارس تضم عناصر الدولة المختلفة في تعليم مشترك للوصول إلى التربية الموحدة ( ) .
واجهـت جمعية الأتحاد والترقي بعد إعـلان الدستور بفترة قصيرة اتجاهات مناقضـة لفلسفتها المركزية في الحكم . وقد تمثلت هذه الاتجاهات في بادئ الأمر بجمعية ( تشبث شخصي وعدم مركزيت ) والتي تتلخص تعليمها بوجوب العمـل على توسيع الصلاحيات في الولايـات بحيث تلعب المجالس الإدارية دوراً كبيراً في تمشية أمور ومصالح ولاياتها. وكان الأمير صباح الدين يتزعم هذا الاتجاه. إذ عاد إلى الأستانة بعد إعلان الدستور وأخذ يلقي المحاضرات وينشر البيانات يوضح فيها معنى اللامركزية ، ومما جاء في بعض هذه الإيضاحات قولـه : " اننا ـ في الحقيقة ـ كنّا نسعى لتحقيق ثلاثة أهداف هي :
1 ـ السعي لإظهار وإثبات أنّ الاستبداد لم يأتِ من أشخاص معينين ، بل
كان نتيجة الضعف الثقافي والنقائض الاجتماعية .
2 ـ السعي للحصول على تأييد الرأي العـام حول الإصلاحات العامة في
مجال التربية والتعليم .
3 ـ العمل على تأسيس مراكز في مختلف الولايات العثمانية تسعى لإلغاء
الاستبداد الذي يقف حائلاً دون تطبيق هذه الإصلاحات " ( ) .
بدأت جمعية الاتحاد والترقي تقف أمام جهود الأمير صباح الدين وتتهمه بأنه يشجع العناصر غير التركية على الانفصال .. وأخذت الصحف الموالية للأتحاديين تهاجمه ( ) . وإزاء ذلك اضطر أن يعلن في تشرين الثاني 1908 عن دمج جمعيته بجمعية الأتحاد والترقي ( ) .
مال الأحرار من العرب والأكراد وغيرهم في الأسـتانة في تلك الفترة إلى تشكيل جمعيات تساند جمعية الأتحـاد والترقي . فظهرت جمعية الإخاء العربي ـ العثماني ، وجمعية تعالي وترقي الكرد ، وغيرهما ( ) .
بالرغم من الجهـود التي بذلها الزعماء العـرب المعروفون آنذاك لكي يظهروا إخلاصهم وتعاونهـم مع الأتحاديين إلاّ أنّ بـوادر الخلاف سرعان ما بدأت تلوح في الأفق خاصةً بعد أن ظهـرت بعض المقالات في الصحف الموالية للأتحاديين تهاجم العرب وتتحامل ضدهم ( ) .
حقّاً لم تكن هناك سياسة موحدة بين الأنقلابيين في بداية عهدهم ، فبالرغم من الشعارات التي رفعوها عن الحرية والإخاء والمساواة فقد تأرجحوا حتى 1913 بين المركزية واللامركزية وبين المساواة القومية والتفوق العنصري التركي ، وبين العلمانية والحكم الاسلامي . وكانت لهذه التيارات انعكاساتها في ولاية الموصل مما أخذت تدريجياً تتزعزع الثقة بين أنصار العهد الجديد. هذا وقد برهنت انتخابات مجلـس المبعوثان لسـنة 1908 واجتماعاته على صدق الشعارات الأتحادية واختلافاتهم .
*من رسالتي للماجستير : " ولاية الموصل " قدمت سنة 1975 الى مجلس كلية الاداب –جامعة بغداد وهي غير منشورة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...