الخميس، 13 نوفمبر 2014

ذكريات الاستاذ سامي مهدي عن اتحاد الادباء في العراق

ذكريات الاستاذ سامي مهدي عن اتحاد الادباء في العراق :
**********************************************
لم أكن عضواً في اتحاد الأدباء عند تشكيله أول مرة في عهد عبد الكريم قاسم . يومها كنت ما أزال طالباً في كلية الآداب ، وكنت أشعر بأنني لست مؤهلاً بعد لطلب الإنتماء إلى هذا الإتحاد ، أو إلى أي تجمع أدبي آخر ، كجمعية التضامن ، أو جمعية الكتاب والمؤلفين .
عام 1964 كان اتحاد الأدباء قد حل ، وبدأتُ أيامها 
التردد على جمعية الكتاب والمؤلفين ، ولم ألبث أن غدوت عضواً فيها وصرت من أعضائها النشطين . غير أنني لم أكن راضياً عن أداء هذه الجمعية ، فكنت أنتقدها في الإجتماعات واللقاءات ، وفي عمودي اليومي الذي كنت أحرره في جريدة صوت العرب ، ولم يكن يهمني أن يضيق أحد بانتقاداتي .
بعد هزيمة حزيران 1967 تنادى بعض الأدباء الشباب إلى تأسيس اتحاد جديد للأدباء ، وكنت واحداً منهم . كان هؤلاء خليطاً من اتجاهات سياسية مختلفة فراح بعضهم يشترط شروطاً ، ويحاول إقصاء هذا وذاك ، فاختلفوا قبل أن ينجزوا أي شيء ، ولم يتقدموا خطوة واحدة
عام 1969 تجددت الدعوة لتأسيس اتحاد جديد ، وكانت هذه الدعوة أكثر جدية وتفتحاً ، وبدأ المتنادون لتأسيس الإتحاد يعقدون اجتماعات مشتركة في مبنى جريدة الثورة ، وأخرى في مبنى جريدة اتحاد الشعب ، بتشجيع من الأحزاب السياسية وقياداتها ، وكنت ممن يحضرون هذه الإجتماعات ولهم دور فيها ، حتى تم وضع نظام داخلي للإتحاد المنشود وأعلن تأسيسه عام 1970 ، وضم عند تأسيسه أدباء من الكرد والتركمان والسريان ، فكان أول هيئة جبهوية أسست في البلاد .
وعندئذ أصبحت عضواً في أول هيئة إدارية للإتحاد ، ورشحتني هذه الهيئة عضواً في لجنة القبول ، ثم عضواً في هيئة تحرير مجلة الإتحاد : مجلة الأديب المعاصر التي صدر عددها الأول عام 1971 .
غير أن بذرة التنافس السلبي كانت ما تزال موجودة بين الطرفين الرئيسيين الفاعلين في الإتحاد ، وكان كل طرف منهما يحاول الهيمنة عليه من خلال ترويج عضوية أشخاص ليسوا بأدباء ، أو هم لم يبلغوا بعد المبلغ الذي يؤهلهم للعضوية . كنت أشهد هذا في اجتماعات لجنة القبول ، وأنجرّ إليه بطريقة أو بأخرى ، حتى بدأت أشعر بالملل .
لعل من أطرف الخلافات ما دار حول الإسم الرسمي للإتحاد : هل يسمونه ( اتحاد الأدباء العراقيين ) أم ( اتحاد الأدباء في العراق ) ؟ فالتسمية الأولى تعني اقتصار العضوية على الأدباء العراقيين فقط ، أما التسمية الثانية فتسمح بقبول أدباء عرب مقيمين في العراق ، فاتفق بعد أخذ ورد على الثانية .
اتحاد الأدباء في تصوري هيئة نقابية تمثل الأدباء ، وتدافع عن مصالحهم ، وتسعى إلى تحقيق ما يحتاجون إليه من مكاسب أدبية واجتماعية ، وتدعمهم عند الحاجة في أي موقف من المواقف ، وهذه أولى واجباتها كما أظن ، ولكن قلما قامت بهذا على الوجه الأمثل .
وقد كانت مشكلة التمويل من أبرز مشاكل الإتحاد إن لم تكن أبرزها . فالأعضاء لا يسددون اشتراكاتهم السنوية ، وحاصل الإشتراكات قليل في جميع الأحوال ، ولذا ظل منذ تأسيسه يعيش على هبات الدولة ، وكان لا يحصل على هذه الهبات إلا بعد عناء ، حتى صار من المتعذر عليه أن تكون له ميزانية سنوية معلومة يضع في ضوئها برامجه ومشاريعه .
لهذا كله فترت عندي رغبة العمل فيه ، وصرت لا أحضر أماسيه أو أسهم في نشاطاته إلا لماماً ، وانقطعت علاقتي به حين انتقلت إلى العمل في باريس في نيسان 1977 . وحين عدت إلى بغداد في تموز 1980 جرت محاولة لإعادة تنظيم شؤون الإتحاد ، وطلبت مني المشاركة في لجنة موسعة لوضع نظام داخلي جديد له ، فشاركت في عمل هذه اللجنة ، ثم في لجنة أقل عدداً من الأولى وضعت الصيغة الأخيرة للنظام الجديد .
غير أنني بقيت على مبعدة من الإتحاد وشؤونه ، ولم أعد أحضر أماسيه إلا نادراً . وحين نشب فيه صراع داخلي ، وفغرت المطامع الشخصية التافهة أفواهها في هذا الصراع ، نأيت بنفسي عنه ولم أعد أحضر حتى مؤتمراته الإنتخابية . فقد كان بعض الأعضاء الإنتهازيين يريدون القفز إلى مواقعه الإدارية طمعاً في الحصول على فرص يظنون أنهم محرومون منها . وحين جرت محاولة انقلابية صبيانية للهيمنة عليه ونجحت المحاولة ، زدت ابتعاداً عنه ، بل قاطعته مقاطعة تامة ونهائية .
أذكر أنني رفضت ترشيحي لرئاسته ثلاث مرات في ثلاث دورات انتخابية ، رغم ما سلّط علي من ضغوطات ، فقد شطبته من دائرة اهتماماتي تماماً .
وتبقى ثمة حقيقة هي أن الإتحادات الأدبية لا تصنع أديباً ، والصعود إلى قممها لا يكبر به الصغار . فالأديب يصنع نفسه وهو لا يكبر إلا بعطائه الأدبي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معنى كلمتي (جريدة ) و(مجلة )

  معنى كلمتي ( جريدة) و(مجلة) ! - ابراهيم العلاف ومرة تحدثت عن معنى كلمة (جريدة ) وقلت ان كلمة جريدة من   (الجريد) ، و( الجريد) لغة هي :  سع...