الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

الطباعة ودورها في احياء التراث في الموصل * ا.د.ابراهيم خليل العلاف

  الطباعة  ودورها في احياء التراث في الموصل *
ا.د.ابراهيم خليل العلاف 
استاذ متمرس -جامعة الموصل  :

           شهدت الموصل قيام عدد من المطابع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر . وعلى الرغم من أنّ نشاطها كمان محدوداً ، لكنها ساهمت في طريق التطور نحو الوعي القومي . فسرعان ما أخرجت هذه المطابع العديد من الكتب والصحف والمجلات التي انتشرت بين المثقفين وأدّت عملها في إيقاظ وتنمية الثقافة .

    عرفت الموصل الطباعة أول مرّة على يد الآباء الدومنيكان الذي أسسوا مطبعتهم في سنة 18548 في محلة الجـولاق ([i]). إذ توّلت مهمة طبع عدد من الكتب بلغات مختلفة منها العربية والتركية والفرنسية . كما توّلـت كذلك عملية طبـع الأوراق والسجلات الرسـمية قبل مجئ مطبعـة الولاية سنة 1875 . وفي سنة 1861 أخرجت المطبعة أول كتاب هو ( رياضة درب الصليب ) ([ii]) .

     لم تقتصر المطبعة الدومنيكية على طبع الكتب الدينية حسب ، بل تبّنت طبع الكتب المدرسية لتعليم اللغة العربية وغيرها من اللغات.ومن مطبوعاتها في هذا المضمار كتاب ( مبادئ التهجئة لتدريس الصبيان ) الذي طبع سنة 1862 باللغتين العربية والسريانية ([iii]) . وقد سـاهمت في توجيه النشئ إلى التاريخ ، وخاصةً الديني منه بما نشرته من الكتب التي تتنـاول موضوعات التاريخ القديم والوسيط . ومن هذه الكتب : ( مختصر في التواريخ القديمة ) للقس لوبي رحماني والمطبوع سنة 1876 و ( مختصر في تواريخ القرون المتوسطة ) للمؤلف نفسـه والمطبوع سـنة 1877 ([iv]) ، وكتاب ( ذخيرة الأذهان في تواريـخ المشارقة والمغاربة السريان ) للقس بطرس نصري الذي طبع الجـزء الأول منه سـنة 1905 ، والجزء الثاني بعد ذلك بثمان سنوات  ([v]) .

    لم تتحمل المطبعة الدومنيكية وحدها عبء النهضة الفكرية ، بل شاركتها في ذلك المطبعة الكلدانية ، فقد سـاهمت الأخيرة في نشر الوعي الثقافي بين طبقات السكان المختلفة وخاصةً المسيحيون . وقد أنشأ هذه المطبعة الشماس روفائيل مازجي بعد أن جلب معداتها من باريس ([vi]) ، ويعتبر كتاب ( مزامير داؤد النبي ) الذي صدر سنة 1866 أول ما طبع فيها ، وقد طبع باللغة الكلدانية مع مقدمة باللغة العربية ([vii]) .

    نشرت المطبعة الكلدانية عدد من الكتب المدرسية والتاريخية . ولعل أهم ما طبعته كتاب( روضة الصبي الأديب في أصل القراءة والتهذيب ) باللغتين العربية والفرنسية سنة 1869 . وقد عمد مؤلفه المطران جرجيس عبد يشوع الموصلي إلى تحليته بفقرات من تواريخ العرب ([viii]) .

     إذا كانت الصبغة الدينية قد غلبت على مطبوعات المطبعتين الدومنيكية والكلدانية ، فإن مطبعة نينوى ([ix]) التي أسسها عيسى محفوظ بمشاركة فتح الله سرسم سنة 1910 لم تكن كذلـك ([x]) ، فقد تبنت مهمة نشر عدد من الكتب باللغتين العربية والتركية . وعالجت هذه الكتب موضوعات لغوية وأدبية ودينية . ومنها ( بدائع الأفكار ياخود الحكمة والأدب للترك والعرب ) لمؤلفه فاضـل الصيدلي ([xi]) وذلـك في سـنة 1914 . وتضمن الكتـاب المذكور ( شذرات عربية وأدبية مشروحة باللغة التركية ) ([xii]) .
     لقد صادف تأسيس مطبعة نينوى انتشـار الأفكار القومية وبداية شعور عرب الموصل بقوميتهم . لذا كانـت مساهمتها في النهضـة الفكرية ونشر الوعي القومي أكبر من غيرها ، إذ لجأ إليها عـدد من العاملين في الحركة القومية في الموصل ، فساهمت في طبع مؤلفاتهم ووضعها بين أيدي القراء . ولعل كتاب ( الأناشيد الموصلية للمدارس العربية ) الذي نشره محمد سعيد الجليلي سنة 1914 من أكثـر تلك الكتب اهميةً وانتشاراً ، ذلك أنّ أعضاء جمعية العلم السرية في الموصل ([xiii]) أرادوا الوقوف ضد نزعة التتريك ([xiv]) . وكان محمد سعيد الجليلي ([xv]) أحد المعلمين في مدرسة " دار العرفان " الرسمية التي أتخذها القوميون مركزاً للنشاط السري ، وقد أسندت إليه مهمة تدريس الأناشـيد وهو التعليم المدخـل حديثاً في منهج المدارس الأبتدائية ، والذي قصد به تدريس أناشيد ( الحماسة التركية ) وصادف حينذاك موافقة الحكومة العثمانيـة على أن يكون التدريـس في المـدارس الأبتدائية باللغة العربية أثر المؤتمر العربي الأول في باريس سنة 1913 ، فاغتنم القوميون هذه الفرصة للعمل على قلب الأناشـيد التركية إلى اللغة العربية . وقد كلّفوا عدداً من الأدباء والشعراء الموصليين أن يضعوا أناشـيد عربية حماسية لها صبغة قومية تتغنى بمجـد العرب التاريخي وإذكاء نـار الحماسة في أفئدة النشئ العربي . وممن استجاب للدعوة محمود الملاح ([xvi]) الذي كان متبرعاً بإلقاء دروس التاريخ العربي والاسلامي في المدرسة المذكورة بصورة غير رسمية بدون مقابل من أجل بث الفكرة القومية مدة سنة كاملة  ([xvii]) ، وقاسم الشعار ([xviii]) ، واسماعيل حقي فرج ([xix])  وداؤد الملاح ، وتوفيق آل حسين أغا أفغان ([xx]) وغيرهم . وكـان لتلك الأناشـيد أثر كبير في تحفيز الشباب الموصلي للتخلص من الحكم التركي ، والدعوة إلى مقاومته بالقوة للحصول على الحقوق العربية ، ومن هذه الأناشـيد أنشودة للشاعر اسماعيل حقي في عنوانها ( العرب ) جاء فيها :

العرب سـادات الأمم

بالسيف سادوا والقلم
من مكة  حملوا العلم

حتى عـلا أعلى علم
سل عنّا رومـالا إرم

وهرقل وكسرى العجم

     وله نشيد آخر بعنوان ( حطمّوا يا نشئ ) دعا الشباب الموصلي إلى تحطيم القيود ومقاومة الأتراك يقول فيه :

حطّموا يا نشـئ عنكم

وأكسروا هـذه القيود
نحن في عصر  اهتمام

ليس يجدينـا القعـود
نحـن أحـرار خلقنـا

كلّنا فـي ذا الوجـود
ما خُلقنــا لانقيــاد

دائـم مثـل العبيــد ([xxi]) .

    هذا وقد ضمّت هذه المجموعة نشيد للشاعر توفيق آل حسين أفغان يستفز فيه الشباب ويحفزهم للتخلص من الظلـم وإن اقتضى ذلك استعمال القوة ، ومن ذلك قوله ([xxii]) :

ملتي قوموا بإعزاز الوطن

خلّصـوه من بليّـات المحن
أنقـذوه من  ملمات الأحن

واحفظوا روحاً بحد المشرقي ([xxiii]) .

   أما داؤد الملاح آل زيادة فكان من أكثر الأدباء اهتماماً بالأمور السياسية ، لهذا فقد أتسمت أناشيده بالحماس والدعوة إلى استعادة المجد العربي والحرية والوحدة العربية ، ومما قاله هذا النشيد :
أليـس نحن الألى كنّا دعـاة الضيف

لنا ملوك الورى دانت بحد السيف
فكيف نغضي على هذا الردى والحيف

أبـت بـذا أمـة جلـت معاليهـا
هبوا بني وطنـي واستلفتوا الأنظـار

واحيوا لما خلفـوا أجدادنا الأخيار
واسترجعوا ما مضى واستطلبوا للثأر

فتلـك أمصـارنا حـلّ العدو فيها ([xxiv])

وله نشيد آخر نظّمه على لحن نشيد تركي جاء فيه :

       يا أباة الضيم ما هذا التراخي والسكون
                            أوما كـان لكم في سالـف الدهر شـؤون
       ارضاء بعد ذاك العـز في ذا الانتحـار
                            حيث فاض الجهل فينا وأضحى ذاك الفخار
       فثبوا مما عراكم وأخلعوا ثوب الخمول
                            فلكـم قد شـهد العالم في كبـر العقـول ([xxv])

    أمّا قاسم الشعار فنشر له نشيد بأسم مستعار بسبب كونه موظفاً يومذاك ، ويعتبر ذلك النشيد من روائع الشعر القومي وقد ضمّه الجليلي إلى مجموعته. وجاء في مطلع النشيد :

إلى متى يا قومنا  نحسـو أفاويق العنـا ، تذكروا ما قد جرى
من الألى أسلافنا
شيدتموا ركن العدى ، لا تهدموا أركاننـا ، كم تمطرون معشرا
قد أجدبوا بلادنا
وذمة العرب الأولى ، ومن سعى إلى منى ، ما ضاق ذرعاً رأينا
كلا ولا أحلامنا ([xxvi])
   لعبت الطباعة دوراً مهماً في تهيئة الأجواء القومية وتناميها في الموصل ، عن طريق المجلات والصحف أيضاً . فمن أوائـل المجلات التبشيرية مجلة ( أكليـل الورد ) ([xxvii]) التي ظهر عددهـا الأول في أول كانون الثاني سنة 1902 ، وقد أصدرها الآباء الدومنيكان في الموصل ([xxviii]) ، وتعتبر أول مجلة صدرت في العراق كله ([xxix]) .

     أما جريدة ( نينـوى ) فتعتبر أول جريدة أهلية في الموصل ، فقد ظهر عددها الأول قفي 15 تموز سنة 1909 ، وكانت تصدر مرتين في الأسبوع باللغتين العربية والتركية . كما صدرت في 12 تشرين الثاني سنة 1910 جريدة أخرى بأسم ( النجاح ) ، وكـان إلى جانب هاتين الصحيفتين جريدة فكاهية بأسم ( جكه باز ) أي : المهذار ، ظهر عددها الأول في 27 حزيران سـنة 1911 . كما صدرت في كركوك في 24 نيسان 1913 مجلة بأسـم ( معارف ) باللغة التركية ([xxx]) .

     لقد ساهمت الصحف الموصلية في الصراع الحزبي الذي كان دائراً بين جمعية الأتحاد والترقي والأحزاب المناوئة لها كالحزب الحر المعتدل وجمعية الحريـة والائتلاف . كما عالجـت مواضيع ثقافية وسياسية واجتماعية على جانب كبير من الأهمية. وقد تجرأ بعضها على نقد الحكومة بل ومهاجمتها ، فكان لذلكم أثر كبيراً في خلق طبقة مثقفة ، ولعل جريدة النجاح، التي عرفت باتجاهها للدعـوة إلى اللامركزية وتأييد الحزب الحـر المعتدل ، ثم جمعية الحرية والائتلاف ، من أبرز تلك الصحف وأكثرها نشاطاً وأعمقها تأثيراً .

       أخذت جريدة النجاح على عتقها منذ صدور أعدادها الأولى مناقشة موضوع ( الخوة ) التي تأخذها عشيرة شمّر من العشائر الأخرى ومن تجار الأغنام البغداديين والموصليين ، فطالبت بوضع حد لهذه الأعمال ، وانتقدت ناظم باشا والي بغـداد على تردده في اتخاذ الإجـراءات السريعة ضد شمّر ومحاولته تقديم تجار الأغنام الذين قدّموا إليه الشكاوي إلى المجلس العرفي . فنشرت مقالاً تحت عنوان ( واقعة من أغرب الغرائب ) جاء فيه :

(( .... وكيف يسوغ للوالي الناظم أن يأمر بشيء ... يهدم قواعد القانـون الأساسي المؤسس على عـدل الحكّام في الأحكام ؟ .... إنّ من أمعن النظر في هذه الأحوال العجيبة الغريبة ظهر له أنّ هذه الأمور الجارية ... هي أعظم دليل ... على الاستبداد الذي أعمى القلوب والبصائر )) ([xxxi]) .

     لقد أسـهمت جريدة النجاح في الدعوة إلى التمسك بالدستور ، وعملت على تكوين وعي دستوري بين قرائها . ففي عددها الصادر في 5 صفر سنة 1329 هجرية كتبت مقالاً بعنوان ( نعمة الدستور ) نورد مقتطفات منه :

إنّ الشكر على نعمة الدستور هو أمر واجب على كل فرد من أفراد هذه التبعة العثمانية ، لأنّ الدستور هو ..... الطريق الأقوم للتخلص من ... الاستبداد ... والجور ... فطالما نسبت منّا أظفار الجهلة الخونة أيام الاستبداد الذي أبكى العيون دماً وجعل في قلب كل حر حزناً وألماً )) ([xxxii]) .
       لم تكتف جريدة النجاح بما كانت تنشره من مقالات ، بل أخذت تقتبس المقالات التي تنشرها الصحف العربية، فقد أعادت نشر مقال بعنوان ( كتاب مفتوح من أحد أعضاء جمعية الأتحاد والترقي ) بتوقيع سـعيد ارسلان ، وأسمه المستعار في الجمعية " الحارس " وأهم ما جاء في هذا المقال :

(( ... إنّ بعض أفراد جمعيتنا الأتحادية قد أساءوا إلى الأمة . أساءوا إلى الدولة . أساءوا العناصر . إنّ عموم الخلق نفرت من الجمعية وأجفلت من خطتها وباتت الأمة تتمنى زوالها ومحوها من عالم الوجود ... كل ذلك من الخطأ الفادح الذي ارتكبته الجمعية بحصر مكانها ونفوذها ببعض المغرورين مثل طلعت وجاويد ... ومن على شاكلتهم ... إنّ معظم الأمة العربية يكره أفراد الجمعية ... بل أنّ سائر العناصر في نفرة شديدة منها أيضاً ... وإذا كان عبد الحميد قد قضى على كيان الدولة في مدة ثلاثين عاماً فطلعت أجهز عليها في خمسة أشهر ... )) ([xxxiii]) .

      حرصت جريدة النجاح حرصتً شديداً على اللغة العربية وآدابها فدعت إلى إحيائها ، ولم تكد تنفك أن تدعو الشـبيبة العربية الموصلية إلى الاهتمام بلغتها . فقد نشرت مقالات متسلسلة بتوقيع " عربي " حثَّ فيها على ضرورة دراسة اللغة العربية ، ووجهت الأنظار إلى التاريخ العربي ودعت الشباب إلى قراءته والنظر فيه نظرة تدقيق وإمعان . وأخذت تشير إشارات صريحة إلى ما شهدته سوريا من نهضة فكرية , وما قالته في هذا الصدد :
(( .. لا تزال الأمة العربية في كل قطر وزمان حريصة على لغتها الشريفة وتاريخها الذهبي ... فما هذا الرقاد يا أبناء الوطن ؟ ! نهضـت الشبيبة السورية بلغتهـا ورعتها حقّ رعايتها ... فما هـذا السبات ... الشبيبة الموصلية أولى بذلك وأحقّ من غيرها إذ ذكائها الفطري معلوم ... )) ([xxxiv]) .

       وجهت جريدة النجاح نقداً قاسياً إلى حملة الأقلام من الموصليين الذين يكتبون مقالاتهم باللغة التركية على صفحات الجرائد (( كأنما قد ضرب بين أفكارهم ولغتهم حجاباً كثيفاً لا بل سـوراً منيعاً )) . وأتهمت الحكومة بأنها السبب في ذلك . وقالت بالحرف الواحـد : (( نعم ! إنّ للحكومة تأثيراً في ذلك إذ لم تعتنِ بتعميم هذه اللغة في مدارسها )) . وعادت لتدعو الشبيبة الموصلية إلى(( أن تسعى وتتعاضد لِما فيه خيرها وصلاحا إذ يقول( المثل ) العربي : ما حك جلدك مثل ظفرك )) ([xxxv]) .

     هذا وقد نشرت في عددها الثامن مقالاً بعنوان ( اللسان العربي المبين ) جاء فيه : " إنّ من أشرف اللغات وأفضلها في هذا العالم اللغة العربية ... فما بال هذا اللسان في هذا الزمان قد سقط وهبط ... " ، لهذا دعت الجريدة الشباب إلى " أن ينهضوا نهضةً عربيةً " . وطالبت أن يكون للموظفين في العراق عموماً إلمام كافٍ باللغة العربية ، وقالـت : " نحن لا نشترط أن يكون الموظف عربياً بل نشترط في زمان هذه الحكومة المشروطة أن يكون المأمور له وقوف على اللغة العربية ... " ([xxxvi]) .

      لقد سـاهمت جريدة النجاح ، كما رأينـا ([xxxvii]) ، في التوعية الأنتخابية فنشرت مقالات عديدة حول ضرورة قيام انتخابات حرّة وضمان ترك الحرية للمنتخبين ، ودعـت الأهالي إلى ضرورة انتخـاب الشخص الذي ينفع البلد ويعمل على رقيّه وتقدّمه . كما طالبت في أحد أعدادها بضرورة زيـادة عدد النواب الممثلين لولاية الموصل بشكل ينسجم مع عدد نفوس الولاية، ووجهت النقد إلى بعض أهالي القرى الملحقة بالموصل لعدم تقديمهم الأسماء بصورة دقيقة خوفاً من الجندية والضرائب ، واعتبرت عملهم ذلك دليلاً على قصور فكرهم وعدم تفانيهم في خدمة الوطن ([xxxviii]) .

     بالرغم من سـيطرة الأتحاديين على جريدة " نينوى " وتوجيهها لخدمة جمعية الأتحاد والترقي ، فقد أتخـذ بعض المثقفين الموصليين من صفحاتها وسيلة لنشـر بعض طموحاتهم وآمالهم . إذ سـاهمت " نينوى " في معالجة نقطة حيوية شغلت أذهان الناس في تلك الفتـرة ألا وهي جعل اللغة العربية لغة التدريس في المدارس . فقد نشـرت في عددها الصادر في 14 تشرين الأول سنة 1326 مالية رومية مقالاً لأحد الكتّاب بعنوان ( اللغة العربية في مدارس الحكومة ) جاء فيه :

(( هذه الأم المشفقة التي لا تزال تدّر علينا من خير الدنيا والآخرة أى بنيها يعقّونها فهل هي حقيقة بالعقوق ؟ ... إنّ المدارس الرسمية تميت اللغة العربية وتميت معها كل نهضة قد تنمـو وتزدهر لولا هـذه المدارس التي تزيـد في عدد الموظفين وهم عالـة على الأمة ، الأم المشفقة التي نعقها هي اللغة العربية ، والمحجة التي تؤدي إلى الإصـلاح هي العربية ...  )) .

      وأضاف صاحب المقـال يقول : إنّ اللغة العربية تتقـدم بالشكر إلى صالح السعدي أحد أعضـاء المجلس العمومي في ولايـة الموصل الذي قام بواجب شريف نحوها بتقريره الذي رفعه إلى المجلس المشـار إليه في هذا العام . وأعرب صاحب المقـال عن خشيته في أن يكون نصيـب قرار هذا المجلـس بما يتعلق بالعربية نصيـب قرار المجالـس العمومية فـي بعض الولايات العربية في الموضوع نفسه العام الماضي وأن يحلّ به ما حلّ بقرار مجلس المبعوثان بجعل التعليم الأبتدائي باللغات المحلية ، إذ أنّه لم يُعمل به قط . وتساءل كاتب المقال : " فهل بحث نواب الأمة عن أسباب هذا الخلل ؟ وهل يجيب مبعوثا الموصل الأمة لِمَ لَم تضع الحكومة قرار مجلس المبعوثان في هذا الشأن موضع العمل ؟ " ([xxxix]) .

      هذا وقد أثـار داؤد الملاح آل زيادة على صفحات جريدة ( نينوى ) كثيـراً من القضايا السـياسية والأجتماعية بيّن فيها للـرأي العام الموصلي مواضع النقص وأرشده إلى طريق الإصلاح . ومن ذلك قوله في مقال تحت عنوان : ( فتور الهمة من الحكومة والأمة ) جاء فيه :

(( ... إذا سلمنا بتراخي الحكومة وغض طرفها عن اللوازم الذاتية والمنافع الخصوصية للرعية ، فأي مآثر أبديتم أنتم لوطنكم حتى تلسع الحكومة بأسهم الملام ونحمدكم بألسنة الشكر والاحترام . يكفي هذا الخمول ... قد أرحتم أنفسكم من تعيب الكرام ... لقد أودى بكم الخمول والتواني إلى أن انتخبتم لكم نواباً قلدتمونهم حقوقكم الموجبة لكم على حكومتكم ... وأعرضتم عنهم صفحاً غير مهتمين بما يسعون من الإصلاح لكم وما يقترحـون به من الترقي لأوطانكـم فهلاّ كان من الواجب عليكم بالأقل أن تكاتبونهم بما فيه صلاحكم وصلاح أوطانكـم ... فإذا كان قُصارى آمالنا في زمن المشروطية هـذا الحال ... وأقصى رجائنا من دور الدسـتور على هـذا المنوال وحكومتنا في غفلة وأمتنا في غفوة فعلى الإصلاح منّا السلام )) .


ثم التفت الكاتب بعد ذلك ليخاطب الحكومة بقوله :

(( أيها الحكومة الدستورية قد كنّا صامتين في دور الاستبداد ... أمّا اليوم فالأمة حرّة لا تغض جفنها على الضيم ولا ترضى لنفسها الإهمال عن حقوقها ... ويراع قلمها يرشح مداداً فاغراً فاه نذيراً لمـن لم يراع جانب الأمة لينفث سم مداده ... فإذا كان الحال على ما نراه والأمة تتأفف من هذا الدور وتخشى عقباه فأي دور ننتظر وبأي حكومة ننتصر وعلى من نعتمد وممن نستمد . أجل لا يُقال أن ... بواعث الترقي وما يلزم بعمران الممالك هو منوط بالحكومة فقط .. بل باشتراك معها ... )) ([xl]) .


    كما نشرت الصحف البغدادية بين فترة وأخرى مقالات لبعض الموصليين تتضمن الكثيـر من الدعوات إلى ضـرورة الإطلاع على ما جاء به عصر الدستور من وسـائل الثقافة والعلم ، فقد نشر أحدهم مقالاً في جريدة ( صدى بابل ) ([xli]) بعنوان ( نصح مشفق لوطنه ومسقط رأسه الموصل الحدباء ) دعا فيه الشباب الموصلي إلى إحيـاء العلوم والآداب وهمـا مما تميزت به الموصل في سابق عهدها ، وطلب منهم شن حملة عامة ضـد الجهل . ولم ينكر الكاتب وجود عدد من العلماء والأدباء ورجال الفكر ولكنه تساءل وهو يوجه كلامه إلى الجيل الناشئ : " أترى هذا كافياً لك؟ ... أنظر ما حولك من البلدان التي ثقفها العلم ومدنتها الآداب " ([xlii]) .

    لقد نقلـت الصحافة البغداديـة كذلك مشـاعر الموصليين تجاه أوضاع ولايتهم ، فكتب مراسل جريدة صدى بابل في الموصل يقول :

(( إنّ الاسـتبداد لا يزال ضارباً أطنابه في ولايـة الموصل ودوائر حكومتها وأنهـم ( أي الموصليين ) مستاؤون من أعمال المأمورين وهم ينتظرون أن يعين لهم والٍ دستوري حازم ليهتم في إصلاح ولايتهم المنكودة الحظ وتنقية دوائر الحكومة من الحكّام المستبدين )) ([xliii]) .


     أما الصحف السورية والمصرية كالمقتبـس والعرفان والمقطم والمفيد ولسان العرب وغيرها فكان لها أثر كبير في إيقاظ الشعور القومي وتناميه ، ولعلّ جريدة المفيد البيروتية لصاحبها عبد الغني العريسي وفؤاد حنتش ، وكذلك مجلة لسـان العرب التي كانت تصدرها جمعية العلم الأخضـر في الأستانة من أكثر هذه الصحف والمجلات تداولاً بين الشباب الواعي من أبناء الموصل وأعمقها أثراً ([xliv]) .
* ولاية الموصل :" دراسة في تطوراتها السياسية 1908-1922 " رسالة ماجستير غير منشورة قدمت الى كلية الاداب -جامعة بغداد 1975 الصفحات 147-159






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم

  بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم - ابراهيم العلاف وفي إطار التوثيق للسينما العراقية المعاصرة ، ثمة أفلام تنتمي الى الواقع...