الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

البعثات التبشيرية في الموصل ودورها في تنمية الوعي * ا.د.ابراهيم خليل العلاف

 البعثات التبشيرية في الموصل ودورها في تنمية الوعي *
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس-جامعة الموصل

       يعتبر الآباء الكبوشيون([i]) والدومنيكان من أقدم الإرساليات التبشيرية التي قدمت الموصل ، حيث تأسست فيها رسالـة كبوشيةسنة 1632 . وكان الغرض من تأسيسها محاولة جذب النسـاطرة ( الآثورييـن ) إلى حضيرة الكنيسة الكاثوليكيـة ([ii]) . ولم تلقَ الرسالـة الكبوشية نجاحـاً في أعمالها التبشيرية ([iii]) ، على الرغم من ترحيب الحكام الجليليين بها ترحيباً واسعاً ، فاضطرت في سنة 1724 إلى مغادرة الموصل ([iv]) .

    أسس الآباء الدومنيكان رسالتهم في الموصل سنة 1750 ، وكان يتقدمهم الأبـوان الإيطاليان فرنسيـس تورياني وعبد الأحد كوديلنشيني . استقبلهم الجليليون بحرارة وأفسحوا لهم مجالاً للعمل ودافعوا عنهم.وأشتهر الدومنيكان بصناعة الطب التي مارسوها لخير الأهالي من أي مذهب كانوا . وقد فتحوا مدارسهم للطلاب من كل ملة ونحلة ([v]) .

     ظلّ نشاط المرسلين الإيطاليين محدوداً . أما أسباب ذلك فتعزى إلى عدة أمور منها : أنهم واجهوا متاعب مالية ([vi]) . إضافةً إلى عدم تمتعهم بالحماية من قبل أحد السفراء الأوربيين في الأستانة ، ولكي تحصل هذه الرسالة على الحماية الضرورية ولخوف البابويـة من توافد المبشـرين البروتستانت إلى العراق منذ أواخر العشرينات كمن القرن التاسع عشر فقد سارع البابا بيوس التاسع سنة 1856 فأصدر قراراً بنقل قيـادة البعثة التبشيرية الدومنيكية في الموصل إلى دومنيكـان فرنسيين ([vii]) . وتعيين أمانتـون الفرنسي ( قاصداً رسولياً ) إلى بلاد ما بين النهرين وأورمية وفـارس . وفي 9 تموز سنة 1858 وصل أمانتون الموصل كما سبق أن قدّمنا .

     مارس الآبـاء الدومنيكان نشـاطهم في الموصل ، فأسسوا مطبعتهم لمّا رأوا ما يعانيه المعلمون والطلاب من المشـقات لنقص الكتب اللازمة على أصول حديثة لتسليم الناشئة في اللغات الثلاث العربية والكلدانية والفرنسية على أصول حديثة ونشـروها في الموصل وقراهـا ([viii]) . وغدا نشاطهم في الميادين الطبيـة والتعليمية أكثر اتسـاعاً من ذي قبل . ومن المدارس التي فتحوها ، مدرسة الراهبات المعروفة بـ ( أخوات المحبة ) سنة 1873 ، وقامت هذه المدرسة بنصيب وافر في تعليم البنات الموصليات من المسلمات والمسيحيات وتدريبهن على الأشغال البيتية كالخياطة والتطريز ([ix]) .

     بذل المبشرون الفرنسيون جهدهم لنشر اللغة الفرنسية . ففي الوقت الذي كانت المصالح الأقتصادية الفرنسـية في الموصل ضئيلة أصبح لفرنسا نفوذ ثقافي بارز . إذ توزعت الجهود الفرنسية بين ميدانين أحدهما ميدان التنقيب عن الآثار ، حيث كان لعلمـاء الآثار الفرنسيين أمثال فكتور بلاس وفرسنال واوبر دور بارز في العمل ضمن المحيط الموصلي ([x]) . أما الميدان الثاني فتمثل في ( المجال الكثلكي ) حيث اعتبـر الفرنسيون أنفسهم حماة للكاثوليك في كل أرجاء الدولة العثمانية ([xi]) .

     لقد كان من نتائج ذلك النشاط الذي مارسـه الفرنسيون أن أصبح الدور الثقافي في الموصل متسماً بطابع فرنسي ، فانتشـرت اللغة الفرنسية إلى حد بعيـد ، وازداد ميل النـاس إلى دراسـتها وذلك بتأثيـر المدارس والكتب والمطبوعـات الفرنسية والاطـلاع على التاريخ الفرنـسي الثوري بما فيه حقوق الإنسان وحق تقرير المصير والحكم الدستوري ومكافحة الطغاة ([xii]) .

     أسهم نشاط الارساليات التبشيرية في قيام حركة فكريـة ، ويمكن تقدير أهمية وجود هذه الارساليات إذا علمنا بأنها عملت على إدخال اللغة العربية والعلوم الحديثة ضمن مناهجها الدراسية المقررة. لهذا ازداد الإقبال على هذه المدارس ، لا سيّما من قبل العوائ التبشيرية في الموصل فكان من تلاميذها داؤد الجلبي ، صديق الدملوجي ، أمجد العمري ، فاروق الدملوجي ، رؤوف العطار، داؤد سليم ([xiii]) . وكان من أسباب هذا الإقبال أيضاً السياسة التعليمية التي تبناها الأتحاديون ومطاردتهم للغـة العربية بحيث لم تجد لها ملجأ غير المدارس التبشيرية . أما الأكثرية من عامة النـاس فقد لجـأت إلى إرسال ابنائها إلى المـدارس الدينية التقليديـة التي حفظ فيها القرآن الكريم للعرب لغتهم في العصور الحالكة .

     حقّاً أنّ إقبال المسيحيين العرب على المدارس التبشيرية أكثر من إقبال أخوانهم العرب المسلمين . وقد أدّت هذه الظاهرة إلى انتشار الوعي القومي بين شباب الفئة الأولى بصورة أشمل وأكثر عمقاً . كما أن تحمسهم للحريات التي أطلقها الدستور العثماني سنة 1908 أشد من نظرائهم المسلمين وذاك لمعاناتهم التاريخية من عدم المساواة العثمانية . ولعـل في زيارة البطريرك الكلداني مار يوسف عمّا نوئيل الثاني للأستانة أثر خلع عبد الحميد الثاني ما يفسر ذلك ، إذ قصد هذا العاصمة العثمانية في 10 تموز 1909 يرافقه وفد كبيـر يتألف من : حنا زبوني ، والقس يوسف غنيمة ، والقس داؤد رمو ، وعبد الكريم باشا ، والقس توما . وانضم إلى الوفـد داؤد يوسـفاني مبعوث الموصل ، وقد التقى الوفد بالسلطان محمد رشاد وألقى البطريرك كلمة طلب فيها وجـوب " تعميم الأمـن والعدالة وانبعاث أشـعة الحرية مـن شمس المشروطية إلى جميع الأصقاع سيّما البعيدة ومنها الموصل " . وقـد أجابه السلطان " بأن جميع التبعة العثمانية هم في مركز واحد ... بغض النظر عن المذهب والديـن ... وأنّ جميعهم يستفيدون من المشـروطية " وطلب تبليغ سلامه إلى جميع الكلدان في الموصل ([xiv]) .

     طلب البطريرك الكلـداني من الحكومة العثمانية جعل مدرسة شمعون الصفا للبنين في الموصل مدرسة أعدادية وبقية المدجارس الكائفية مكاتب رشدية فوافقت الحكومة على ذلك ، كما عمل توسيع شبكة التسليم في قرى الموصل التي تحوي أكمثرية كلدانية . فقد فتح العديد من المدارس الطائفية للبنين والبنات . ومن الطـريف أن يحصل البطريرك مار يوسف عمانوئيل على ثلاثة أوسمة تقديراً لمساعيه في نشر المعارف بين الكلدان ، اثنان منهما من الحكومة الفرنسية : وسام جوقة الشرف من ( رتبة اوفيسيه ) في 12 شباط 190 ، ووسـام جوقة الشرف من ( رتبة كوماندور ) فـي 28 شباط 191ذ2 ، والثالث من الحكومة العثمانية في 25 كانون الثاني 1913 ([xv]) .

    هذا وبالرغـم من بعض الجوانب السـلبية لإرساليات التبشير من حيث الارتباطـات الأوربية السياسية ، إلاّ أنها كانـت أداة مهمة من حيث خدمة التراث العربي وخاصةً اللغـوي منه والذي هو الواسطة الأساس في التعبير الفكري القومي .
*من رسالة الدكتور ابراهيم خليل العلاف للماجستير بعنوان:" ولاية الموصل :دراسة في تطوراتها السياسية 1908-1922 " قدمت الى كلية الاداب-جامعة بغداد 1975 وهي غير منشورة .






،




. 


.
 . 

.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...