الخميس، 13 نوفمبر 2014

نشاطات سياسية لبعض الزعامات الكردية قبل الحرب العالمية الاولى* ا.د.ابراهيم خليل لعلاف

نشاطات  سياسية  لبعض الزعامات الكردية قبل الحرب العالمية الاولى*
ا.د.ابراهيم خليل لعلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل  :

        لم تقتصر المساعي القومية الكرديـة على المؤسسات التي ذكرناها آنفاً فحسب ومنها النادي الكردي في استنبول  ، بل تعدتها إلى النشـاط الفردي أيضاً ، إذ لعـب بعض أفراد أسرة بدرخان دوراً كبيراً من أجل الحركة القومية الكردية ، وكان لهـذه الأسرة نفوذ كبير في مناطق واسعة من كردستان منذ القرن التاسع عشر. وقد أخذت على عاتقها ـ كما رأينا ـ مهمة إصدار الصحف والمجلات الكردية وإنشاء المنظمات السياسية . كما قـام بعض أفرادها برحلات وجولات متعـددة في كردستان وخارجها لنشر الفكرة القومية الكردية ([1]) .

     غادر عبد الرزاق بدرخان الأستانة سنة 1911 إلى فارس ، وساهم في تأسيس الجمعية الثقافية الكردية ( جهانداني ) في مدينة خوي سنة 1913 وأصبح رئيساً لها ، وقد أصبحت هذه الجمعية رمزاً للترابط بين الأكراد بين الحدود الفارسـية ـ العثمانية ، وكانت جهـانداني تكافح بجانب الجمعيات الأخرى تحت شعار وحدة الشعب الكردي ونشر الوعي القومي بين الأكراد .
وقد تطورت الأنشطة الثقافية لبدرخان وتحولت إلى حركات سياسية ([1]) ، إذ حاول الأمير عبد الرزاق التوجه إلى روسيا سنة 1914 للتعرف على النيات الروسية نحو الحركة القومية الكردية ([1]) ، وطلب مسـاعدة الروس لخلق دولة كردية ([1]) .

      يدل هذا التحول على أنّ البدرخانيين يئسـوا من تحقيق آمالهـم داخل الأمبراطورية العثمانية فالتفتوا نحو روسيا ينشدون العون ([1]) ، وقد قدّمت مسألة الأمير عبد الرزاق بدرخان الدليـل على أنّ الحركة القومية الكردية في مسيرتها وصيرورتها نحو التعامل كانت تبحـث باستمرار وإصرار عن الفرص والإمكانات طلباً للمعونة ولعقد المحالفات والاتفاقات ([1]) .

     قامت عناصر كردية أخرى في الأسـتانة بتقديم عرائض إلى السلطات العثمانية بعد إعلان الدستور سنة 1908 ، ودارت تلك المطالب حول الرغبة في أن يكون التدريس في المناطق الكردية باللغة الكردية ، وتعيين الموظفين في المناطق الكردية من الذين يحسنون اللغة الكردية ، ولم تكن تلك المطالب تختلف كثيراً عن مطالب أخوانهم في العراق ([1]) .

     كما قام الشـيخ محمود البرزنجي بمحاولة لإخراج الكفـاح القومي من دائرتـه الأقليمية الضيّقة في السليمانية ، فاتصل بولـدي بدرخان حسين بك وكامل بك وغيرهما من الذين وطّـدوا مواقعهم في مناطـق الجزيرة شمالي ولاية الموصل سنة1913ومنعوا السلطات الحكومية حتى من جمع الضرائب من السكان ، وعرض عليهما مشروع إقامة دولة كردية فيدرالية ([1]) ، كما كان الشيخ محمود على اتصال بالدبلوماسيين الروس والأنكليز في الموصل وبغداد في هذه الفترة . فقد أرسـل مبعوثه أحمد البزرنجي في أواخر نيسان 1913 إلى القنصل الروسـي في الموصـل ( كيرسـانوف ) يعرض عليه استعداد الأكراد للثورة ضد الدولة العثمانية في حالة اعتراف الروس بالقومية الكردية وتقديم المساعدة لهم . ولم تمضِ بضعة أشهر على اللقاء الأول بين الطرفين حتى أرسل الشـيخ محمود مبعوثه سـيد محمد إلى وكيل القنصل الروسي ثانيةً في كانون الثاني 1914 حاملاً إليه رسالة خاصة منه لإخباره بحقيقة الوضع المتدهور في السليمانية وللإستفسار منه مرةً أخرى عن موقف روسيا من الأكراد ، كمال بعث الشيخ محمود في آذار وآب سنة 1913 بممثلين إلى الدبلوماسيين الـروس في بغـداد بما فيهم القنصـل ( ارلوف ) لإجراء اتصالات ومشاورات مشابهة معهم أيضاً ([1]) .

        لم تُؤدِ الاتصالات والمشـاورات تلك إلى النتائـج التي توخاها الشيخ محمود ، وذلك لأن السياسة الروسية غداة الحرب العالمية الأولى كانت تنظر إلى المسألة الكردية من زاوية مصالحها الخاصة فقـط ، وترى بأنّ الأكراد يثيرون اهتمام روسيا في حالة الصدام المسلح مع الدولـة العثمانية . وعلى هذا الأساس كان موقفها ـ كما رأينا ـ سلبياً من حركة الشـيخ عبد السلام البارزاني مما حـدا ببعض الدبلوماسيين الروس مثل نائب القنصل في خوي والقنصل في أورجة شـجب موقف حكومتهم إزاء المسألة الكردية بصورة عامة ([1]) . وقد اقترح بعض الدبلوماسيين الروس في بداية الحرب العالمية الأولى تقديـم هدايا كبيرة للشيخ محمود في حـدود ( 2 ـ 3 ) آلاف روبل لكسب ودّه وتحريضه للثورة ضـد الحكومة العثمانية . كما أقترح فلاديمير مينورسكي عندما كان قائماً بأعمال السفارة الروسية في طهـران في تقرير سري له إبداء المساعدة اللازمة لأكراد منطقة السليمانية والعمل مـن أجل ضمان الحكم الذاتي لهم ([1]) إذ لابد لروسيا القيصرية أن تجلب الأكراد إلى جانبها إن أرادت توسيع مصالحها في جهات كردسـتان ، ولهذا حاولت تلك الحكومة الاتصال بالشيخ محمود أثر دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى بجانب الـدول المركزية ، إذ عهـدت حكومة القيصر الروسي إلى صفوت بك للقيام بتلكم المهمة ، وكان صفوت بك من اللاجئين الأكـراد في روسيا ويعتبر من أصدقاء البرزنجي ، قـد فاتح صفوت البرزنجي برسالة بعثها إليه تضمنت تحريضه على الثورة ضد العثمانيين ، ومما جاء في تلك الرسالة :

(( إنّ الحكومة العثمانية قد بدأت تحتضر ، وغدت هزيلة وليس في مقدورها الوقوف حيال حكومة القيصر لأن قواتها لا تقوى على خوض الحرب إذا ما تجردت من قوة الأكراد . الروس أصحاب جيش ومدافع ، قواتهم الجوية كبيرة . اطمئنوا فإنّ الحرب عمّا قريب ستنتهي لانتصار الروس ، لذا أتيتم بهذا الرجاء : إنّ حكومة القيصر مستعدة لتقديم كل ما ترغبون فيه . نحن بحاجة أكبر إلى مساعدتكم . لا أريد أن يعاديك أقويا كهؤلاء , إنّا في انتظار جوابكم )) ([1]) .

وقد أجاب الشيخ محمود على ذلك برسالة جاء فيها :

(( ...من الروس المفترسين ومصاصي الدماء أحفظ وطني، لست راغباً في منح القيصر. لقد أوقعوا بالأكراد... لا أخاف القيصر بعدما أيقنت عداوته ... رغبتي وأملي تحرير الشعب الكردي .. نحن أصدقاء من يمد لنا يداً .. من فوهة بندقية الأكراد يسمع الجواب )) ([1]) .

     يتبين لنا من ذلك له أنّ الشيخ محمود قد يئس من المساعدة الروسية . ويمكن تفسير هذا الموقف في ضوء نقاط عديدة ، أهمها :

1 ـ  أنّ الحكومة الروسية لم تستجب لمطالب الشيخ محمـود قبل الحرب
       العالمية الأولى . كما أنها وقفت موقف اللامبالاة تجاه المسألة الكردية
       في الدولة العثمانية بصورة عامة وفي ولاية الموصل بصورة خاصة،
       وذلك لأطماعها التوسعية في المنطقة وسياستها التي وضعها
       جاريكوف السفير في وزارة الخارجية الروسية عندما قال : " إنّ
       موقف الأكراد لا يقتضي الانتباه الجـدّي من قبلنا إلاّ في حالة نشوب
       الحرب . وبنفس الوقت يتحتم علينا إتخاذ جانب الحذر التـام في حالة
       إقامة العلاقـات معهم "
([1]) ، وبذلك اعتبـر جاريكوف أنّ الأكراد
       يثيرون اهتمام روسـيا في حالة الصدام المسـلح مع الدولة العثمانية
       فقط ، ولهذا فقد طلـب منع هجرة الأكراد إلى روسـيا ومنع قبولهم
       كرعايا فيها
([1]) . كـل ذلك جعل الشيخ محمود يعتقـد بعدم إمكانية
       الاعتماد على الروس في الحصول على الأماني الكردية .
2 ـ  إنّ الاستجابة الروسية جاءت متأخرة بعد نشوب الحرب ودخول الدولة
       العثمانية فيها ، ومن الجائز أن يكون الشيخ قد اعتقد أنه من الأفضل
       انتظار نتيجة الحرب ، لعلها تسفر عن شيء يحقق للأكراد مطامحهم.

3 ـ  إنّ محاولة الاتصال بالشيخ محمود جرت ـ على ما يبدوـ بعد دخول
       الدولة العثمانية غمار الحرب ، وأنّ جوابه على رسـالة صفوت بك
       مؤرخ في أيلول 1915 أي في الوقت الذي كان فيه الشيخ محمود قد
       وقع تحـت تأثير الشعور الإسـلامي الذي يحتم عليه مجاهـدة غير
       المسلمين ، وقد تكون عقيدته الاسلامية عاملاً مهماً في موقفه السلبي
       تجاه العروض القيصرية الروسية ، لا سيّما وأنه شارك مشاركة فعّالة
       في موقعة الشـعيبة أثر الاحتلال البريطاني للبصـرة على رأس قوة
       كردية
([1]) .

4 ـ  قد يكون لتنبه الانكليز واهتمامهم بالشيخ محمود وإمكانية الاستفادة منه
       ـ خاصةً وهو قد اتصل بهم قبل الحرب كما رأينا ـ أثّر على اعتقاده
       في أن يعتمد عليهم بدرجة أكبر من اعتماده على الـروس في تحقيق
       بعض مطامح الشعب الكردي .
 
**من رسالتي للماجستير الموسومة :" ولاية الموصل :دراسة في تطوراتها السياسية 1908-1922 " وقد قدمت الى مجلس كلية الاداب –جامعة بغداد 1975 وهي غير منشورة .






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معنى كلمتي (جريدة ) و(مجلة )

  معنى كلمتي ( جريدة) و(مجلة) ! - ابراهيم العلاف ومرة تحدثت عن معنى كلمة (جريدة ) وقلت ان كلمة جريدة من   (الجريد) ، و( الجريد) لغة هي :  سع...