الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

مهمة سليمان فيضي في الموصل 1913 ا.د.ابراهيم خليل العلاف

مهمة سليمان فيضي في الموصل 1913 
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل 

      أُرسل هذا من قبل السيد طالـب النقيب من البصرة إلى الموصل من أجل فتح فرع للجمعية الإصلاحية التي سبق وأن تشكل فرع لها في كلٍ من البصرة وبغـداد . وذلك من أجل توحيد الأتجاه القومي العربي في العراق . وصل سليمان فيضي الموصل في 22 آب سنة 1913 ، وسرعان ما أكتشفت السـلطات الأتحادية أمـره ، وكانت استخبارات الشرطة من القوة بحيث أحاطت به وقيّدت حركاته ورصـدت نشاطه وطوّقته بالجواسيس من كل جانب . وقد أصـدر مدير الشـرطة ( خالد بك ) أمراً بمنع الضباط من الاختلاط به ، وأشاع في المدينة، ولا سيّما في الأوساط الدينية، بـأن فيضي يعمل على نبذ التقاليد الدينية وعصيان الدولة والسلطان. وطلب مدير الشرطة من وجهاء المدينة عدم زيارته أو الإصغاء إلى دعوته ([i]) .

     استفاد سليمان فيضي من ولادته في الموصل ونشأته فيهـا ومن المكانة التي يتمتع بها والده كرجل دين في أن يمكث في الموصل ـ على الرغم من رقابة الشرطة ـ قرابـة أربعين يوماً اتصل خلالها ببعض العاملين بالحركة العربية ، وقد استقر الرأي على أن تظهر الجمعية الإصلاحية بمظهر أدبي ، وذلك لاختلاف وضع الموصل السياسي آنذاك عن وضع البصرة ([ii]) .

     طلب فيضي من سلطات الولاية الرخصة لتأسيس نادي بأسـم ( النادي الأدبي) وقدّم إليها نسخة من منهجه فساعده في ذلك أولاً وكيل والي الموصل آنئدٍ أمير اللواء أسعد باشا الدرزي وكان يعطف على الحركة العربية سرّاً ووعده بالموافقـة على منح الرخصة . وقد اسـتعد القوميون لفتـح النادي ونظّمـت أوراق الدعوة لمراسـيم افتتاحه ، فأعّـد المكان وانتقى الخطباء واستحضرت الخطـب ، وكان ممـن شارك في ذلـك نشأت المفتي ومحمد رؤوف الغلامي ، كما نظّـم داؤد الملاح آل زيادة قصيدة كان ختامها البيت التالي الذي يُؤرخ للحركة بحساب الحروف 1331 هجرية ( 1913) :

         شموس علم لمعت        بأفـق نــادِ أدب  ([iii])

     أستطاعت السلطات الأتحادية اكتشاف الغرض الحقيقي الكامن وراء هذه الحركة فعملت على إحباط فكـرة المنادي قبل تأسـيسه ، وكلفت أحد وجوه الموصل ([iv]) بعقد اجتمـاع في داره حضره عـدد كبير من أشراف المدينة ووجوهها إضافةً إلى السائرين في ركاب السلطة الأتحادية قرروا فيه إحباط خطة سـليمان فيضي وخذله ، ولم يجـد القوميون إزاء ذلك بدّاً من صرف النظـر عن افتتاح النـادي ، فعـاد فيضي في 29 أيلـول سنة 1913 إلى البصرة ([v]) .

     لم تكن الحركة العربية في الموصل بالضعف الذي أشـار إليه سليمان فيضي في قوله : " أنّ عـدد المؤمنين بالفكرة العربية لا يتجاوز عدد أصابع اليدين " ([vi]) . ويتبين لنا ذلك من ملاحظة النقاط التالية :

      أولاً :  أنّ فيضي وقع في خطـأ عندما ذكر في كتابـه : أنه جاء إلى الموصل منتدبـاً عن جمعية الحرية والائتـلاف في البصـرة حاملاً رسائل ومنشورات سرية من الجمعية المذكورة إلى الوطنيين هناك ([vii]) وفي الحقيقة أنّ إلى الموصل كان قد وقع بعد حل الجمعية المذكورة في البصـرة ، وبعد تأسيس الجمعية الإصلاحية على أنقاضها ، تلك الجمعية التي أفتتحت رسمياً في 28 شباط سنة 1913 وعلى هذا فإنّ بين حل جمعية الحريـة والائتلاف وتأسيس حمعية البصرة الإصلاحية بعد أيام من حلّها وبين مغادرته البصرة في 13 تموز أربعة أشهر وثلاثة عشر يوماً . ففيضي جـاء إذن بفتح فرع للحمعية الإصلاحية ([viii]) ، ومما يؤكد ذلك أنّ فيضي نفسـه ذكر في صفحة أخرى من كتابه أنه أجاب على سؤال لورنس الذي زار البصرة في 7 نيسان سنة 1916 عن طبيعة مهمته في الموصل بقوله : " أنه ذهب لغرض تأسيس جمعية إصلاحية فيها ولبث الفكرة القومية العربية بين أبنائها " ([ix]) .

     ثانياً :  أنّ سطوة الأتحاديين في الموصل كانت قوية جـداً ، وأنّ مدير الشرطة خالد بك أتحادي متطرف.وهذا ما أعترف به فيضي نفسه. فقد أُحيط بالجواسيس ونشرت السلطة إشاعة تقول بأنه خطر على الدين والدولة ([x]) فكيف يستطيع أن يعمل في هذا الجو الملئ بالرعب والقسوة ؟ وكيف يستطيع أحد من العاملين من الحركة العربية أن يتصل به متخطياً كل اجراءات الأمن المشددة ؟. إنّ كل ما فعله فيضي هو زيارته لبعض الناس من وجهاء المدينة بصورة خاصة مستغلاً كونه موصلياً وقد غاب عن بلده فتـرة من الزمن . ومن هذا لا يسـتطيع فيضي أن يعطي رأياً قاطعاً بعـدد المشتغلين بالحركة العربية بأي حال من الأحوال .

    ثالثاً :  لم يستطع الفيضي أن يُميّز أتجاهات الأشخاص الذين التقى بهم ، ونظرة سريعة في الأسماء الستة والأربعين التيس سردها تكفي لتوضيح هذه النقطة . فقد كان بعضهم من السائرين في ركاب الأتحاديين أو من المؤيدين لهم أو من المتزلفين إليهـم . والبعض الآخر كان ذا اتجاهات دينية محضة آنذاك ([xi]) ، بينما كان آخرون ينددون به في المجالس ([xii]) .

    رابعاً :  أورد سليمان فيضي أسماء (46) شخصاً من مدنيين وعسكريين من الذين انضموا إليه وقاموا بتأييده أو ساهموا بالدعوة لحركته.فإذا أفترضنا أنّ ما ذكره صحيحاً فذلك يـدل على وجود بيئة صالحة لتقبل العمل من أجل الفكرة العربية ، وأنّ تلك البيئـة لم تكن من صنع شخص واحد هو فيضي الذي لم يمكث في الموصل سوى أربعين يوماً أو أقل، وإنّما كان نتيجة جهود سابقة ومنظمة ([xiii]) . مع العلم بأن العمل السياسي آنذاك لـم يكن بالسهولة واليسر، خاصةً وأنّ السلطة الأتحادية كانت قد أحكمت قبضتها على الموصل حتى أنّ الوالي بالوكالة الأمير اللواء أسعد باشا الدرزي قال لفيضي بحضور رئيس أركان الفيلق الثاني عشر المقدم ياسين الهاشـمي أنه مضطر لإرسال تقارير الجواسيس عن نشاطه إلى وزارة الداخلية بحكم منصبه ([xiv]) . ومن هنا فهل يحق لفيضي ـ في مثل تلك الظروف ـ أن يقول أنّ عدد المؤمنين بالفكرة العربية في الموصل لا يتجاوز عدد أصابع اليدين ؟ .

    خامساً : ذكر فيضي أنه كان من المحفزين لبعض العسكريين أمثال علي جودت الأيوبي ومولـود مخلص وياسين الهاشمي وعبد الله الدليمي وفوزي القاوجي وغيرهم على الانضمام إلى الجمعية التي أنشأها والتي أصبحت على حد قوله سرية قوية تعمل بانسجام مع حزبه في البصرة والأحزاب الحرّة في البلدان العربية الأخرى ([xv]) . لكن هذه الجمعية سـرعان ما تضاءلت عقب تشكيلها " بدون أن تأتي بأي عمل " ([xvi]) . فإذا كانت الجمعية " قوية " فلماذا أنهارت بهذه السرعة وما هو نشاطها وأثرها في الموصل ؟ .
      إنّ الضباط الذين ذكرهم ـ والذين يعملون في الموصـل آنذاك ضمن الفيلق الثاني عشر ـ كانوا قد أسسوا فرعاً لجمعية العهـد العسكرية في تلك الفترة ولم يرد في مذكرات أحدهم وهو علي جودت أية إشـارة إلى جمعية سليمان فيضي ([xvii]) .

     يمكن القول في ضوء ما سبق أنّ الأسماء التي أوردها فيضي لا تخرج عن كونها قائمة بالأشخاص الذين قام بزيارتهم أو قاموا \بزيارتهم . ومع هذا كان لنشاطه والضجة التي أُثيرت حوله ـ على الرغم من أنّ مجيئه لم يسفر عن تأسيس فرع الجمعية الإصلاحية ـ أثر لا يُنكر بين كثيـر من الشباب الذين جعلتهم حركته يتحسسون بالوعي القومي . كما وجدت الفكـرة القومية طريقها بين الأهالي والتجـار وأصحاب الحوانيت وغيرهم وكان ذلك بجهود عدد من المواصلة العاملين في الحركة القومية العربية منهم على سبيل المثال : سعيد ثابت ، وعلي زين العايدين ، وإبراهيم عطـار باشي ، وعبد المجيد شوقي البكري ، وأيوب العبد الواحد وغيرهم  ([xviii]) .



*من رسالة ابراهيم خليل العلاف "ولاية الموصل :دراسة في تطوراتها الياسية 1908-1922 " قدمت الى كلية الاداب -جامعة بغداد 1975

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معنى كلمتي (جريدة ) و(مجلة )

  معنى كلمتي ( جريدة) و(مجلة) ! - ابراهيم العلاف ومرة تحدثت عن معنى كلمة (جريدة ) وقلت ان كلمة جريدة من   (الجريد) ، و( الجريد) لغة هي :  سع...