الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

ردود الفعل لسياسة التتريك التي اتبعها الاتحاديون في الموصل منذ 1908

 ردود الفعل لسياسة التتريك التي اتبعها الاتحاديون في الموصل منذ 1908 *
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل 

                   أدّت سياسة التتريك بفرض اللغة التركية في المدارس الموصلية إلى تنبيه الطلاب العرب وأساتذتهم إلى كيانهم الثقافي. في دار المعلمين هناك عيّن الأتحاديون عدداً من المعلمين الأتراك المتعصبين للقومية التركية . منهم على سبيل المثال عثمان بك مدير الدار والمعلمين محمد علي أفندي وكاشف أفندي وزهـدي بك ([i]) ، وكان في المدرسة عـدد من المعلمين المواصلة المتحمسين للقومية العربية منهم على سبيل المثال مولود مخلـص ([ii])  الذي كان يدّرس التاريخ فكان لا يعترف بالمنهج المقرر ، وإنما يستغل دروس التاريخ في محاولة بث الفكرة القومية العربية بين التلاميذ ، وكان يصرّ على أن يكـون درسه باللغـة العربية . ومن هؤلاء المعلميـن أيضاً الشيخ قاسم الشعار وكـان يقوم بتدريس الديـن والأدب العربي فأحـسّ به غلاة الفكرة الطورانية من مدرسي الدار المذكورة وهو يبث المبـادئ القومية فعملوا من أجل إجباره على التنحي عن وظيفته فاستقال منها فأسـندت دروسه إلى أحد المعلمين الأتراك . ولهذا لجـأ طلاب دار المعلمين إلى الإضراب مدة تزيد على سبعة عشر يوماً ( وكان ذلك سنة1912) عندما لجأت الإدارة إلى طرد عدد من زملائهم الذين طالبوا برفع مستوى المدرسة وحثّ المعلمين الأتراك على القيام بتدريسـهم على الوجه المطلـوب والامتناع عن مضايقتهم ([iii]) ، وعندما تفاقم الأمر اضطرت الإدارة إلى استدعاء الشـرطة ([iv]) ، كما أرسل الطلاب المضربون برقيات احتجاج إلى المسؤولين في الأستانة يشكون فيها ادارتهم . وعندما وصل جواب الأستانة إلى الوالي بأن يتولى أمر الإصلاح في المدرسة اضطر إلى اختيار أربعة من وجهاء المدينة ليقوموا بهذه المهمة وهم : صالح السعدي ومحمد المفتي وآصف أغا قاسم أغا وأمجد العمري . وعندما وصلت اللجنة إلى المدرسة تجرأ أحد الطلاب وهو شـاكر سليم آل قصاب على أن يصرخ في وجه مدير المدرسة قائلاً : " افتحوا عيونكم نحن عرب " فما كان من الطلاب المتجمهرين في ساحة المدرسة إلاّ الهتاف جميعاً للعرب وعلت أصوات التصفيق فاضطرت الإدارة إلى إرجاع الطلاب المفصولين ([v]) .

   أمرت الحكومة الأتحادية في تلك الأيام بتنفيذ بعض مطالب المؤتمر الأول في باريس سنة 1913 ، ومنها أن تكون التدريسات في المـدارس الأبتدائية باللغة العربية ، لهذا عمد بعض        العاملين في الحركة العربيـة ومنهم نشأت المفتي ومحمد رؤوف الغلامي إلى تكليف علي زين العابدين ، وهو من تجار الموصل وكان يملك متجـراً في خان المفتي ويعني باستيراد الكتب وبيعها ، بأن يجلب الكتب المدرسية العربية التي ألّفها بعض مدرسي سوريا . وقد تمَّ جلبها وتوزيعها على الطلاب ([vi]) .

   كانت ( دار العرفان ) إحدى المدارس التي أتخذت كذلك مكاناً لنشر الفكرة القومية ، فقد تأسست المدرسة في 8 آذار سنة 1914 ، وكثيراً ما كانت هذه المدرسة تخاطر بواجباتها الرسمية في سبيل تلك الغاية . فتقيـم المهرجانات الخطابية وتدعو إليها جموعاً غفيـرة من الموصليين . ومن الذين برزوا في تلك المهرجانات داؤد الملاح وقاسم الشـعار ومحمد رؤوف الغلامي وتوفيق آل حسين أغا أفغان ،وكان أهم حفلاتها تلك التي احتشدت بجمع كبير بالرغم من محاولة السلطان منع إقامتها والحيلولة دون انعقادها ، أجج نـار الشعور القومي لارتداء الطلاب اللباس العربية من كوفية وعقال وإشهارهم السيوف عند إقامة الحفلة ([vii]) .

     لم تكن المـدارس وحدها مكاناً لنشر الفكرة العربية ، فقد كان من عادة الموصليين أن تفتح بيوت بعضهم لكي تتخذ مجلساً خاصاً يختلف إليه العديد من الناس فتجري فيه مناقشات حول أمور كثيرة، كما أتخذت بعض المدارس الدينية مكاناً للاجتمـاع ([viii]) . فكانت مدرسـة محمود بك آل محضر باشي الدينية في محلة نبي الله جرجيـس مثلاً إحدى هذه المنتديات ، فكانت تفتح أبوابها كل ليلـة ، وكان يختلف ليها عدد من الشـباب القومي ، ومن هؤلاء مولود مخلـص وعلي جودت الأيوبي وحمدي جلميـران ورؤوف الشهواني ومحمود الملاح وفاضـل الصيدلي وضياء يونس وداؤود المـلاح آل زيادة وغيرهم ([ix]) .

     أما في المناطق الكرديـة ، فكانت المـدارس والتكايا هناك ذات تأثير ونشاط مشابه للمدارس في المناطق العربية .ففي السليمانية مثلاً ساعد وجود المدرسة الرشـدية العسكرية واحتكاك طلابها بغيرهم من الطلاب في بغداد والأستانة ووجود تراث الأسـرة البابانية المتمثل في رعـاية اللغة الكردية وآدابها على جعل المدينة مركزاً لحركة ثقافية نشـيطة أدّت إلى ظهور نواة فكرية لحركة قومية كردية منظمة ([x]) .

     لعبت المساجد في المناطق الكردية دوراً مهماً في تنمية الشعور بالوحدة القومية، فالمسجد هناك لم يكن محلاً للعبادة وحسب ، بل كان مدرسة للقراءة والكتابة وتدريس اللغة الكردية والقرآن الكريم والمؤلفات الفارسية . كما أسس بعض علماء الدين هناك مدارس اشتهرت بمرور الزمن . ومن هؤلاء على سبيل المثال الشيخ علي الطالباني في كركوك ،والملا تقي في السليمانية وغيرهم . وقد نشأت نتيجةً لذلك نخبة مثقفة . وكانت قصائد الشاعر الكردي حاجي قادر كطوبي تمثل المكان الأول من اهتمام هذه النخبة لما كانت تحمله من مشاعر قومية. وقد لعبت هذه الفئة المثقفة دوراً كبيراً في التوجيه الفكري للحركة الكردية ([xi]) .

   وجدت الفكرة القومية طريقها إلى الأكراد عن طريق المنشورات والبيانات التي تصدرها الجمعيات الكردية السـرية مثل جمعية تعالي وترقي كورد ، وجمعية هيفي وغيرهما ، وكانت هذه المنشورات  والبيانات تلقى رواجاً في كثير من التكايا الدينية مثل تكية بارزان ([xii]) .
*من رسالتي للماجستير التي قدمتها بعنوان :"ولاية الموصل :دراسة في تطوراتها السياسية 1908-1922 " المقدمة الى كلية الاداب -جامعة بغداد 1975 وهي غير منشورة .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...